رغم كل شيء، قد يكون القمر جانيميد -أحد أقمار المشتري- كوكبًا.
يُعد القمر جانيميد –أكبر أقمار المشتري- من أكثر الأماكن إثارة للاهتمام في نظامنا الشمسي. إذ إن المسبار جونو الذي أُرسل إلى المريخ عاد ببعض الأصوات المثيرة للفضول.
في 7 يونيو 2021، اقترب المسبار جونو من القمر جانيميد، وسجل الموجات الكهرومغناطيسية الخاصة به باستخدام أدوات الرصد اللازمة.
بتحويل هذه الترددات إلى النطاق الصوتي، كانت النتائج مجموعة غريبة من الأصوات، تشبه ما يمكن أن نتخيله صياح الفضائيين. أُعلنت تلك النتائج في اجتماع الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي، خريف 2021
يقول سكوت بولتون، الباحث الرئيس لمسبار جونو، الفيزيائي في معهد ساوثويست: «هذا الصوت جامح بطريقة تجعلك تشعر كأنك أحد ركاب المسبار، وهو يحلق متجاوزًا القمر جانيميد. إذا أنصت بدقة، ستلاحظ تغيرًا مفاجئًا في التردد قرب منتصف التسجيل، ما يشير إلى الدخول في منطقة مختلفة من الغلاف المغناطيسي للقمر».
استمع إلى التسجيل الصوتي من هنا: Audio of Juno’s Ganymede Flyby – YouTube
تحويل البيانات إلى ترددات صوتية ليس أمرًا ممتعًا فحسب، لكنها طريقة مختلفة للوصول إلى البيانات، تساعدنا على التقاط التفاصيل الدقيقة التي ربما غابت عنا لولا ذلك، إذ نسجل الأصوات التي يصدرها النظام الشمسي بمساعدة عدة مسابير، مثل فويجر وغيره من المهام الكوكبية.
جانيميد -الذي يكبر عطارد في الحجم- له نواة مميزة، وقد يحتوي على محيط سائل أسفل طبقته الجليدية، ما قد يعني وجود حياة. أيضًا، يمتلك القمر مجاله المغناطيسي الخاص، وذلك أمر يميزه عن سائر أقمار النظام الشمسي.
مركبة الفضاء «جاليليو» التي درست المشتري في التسعينيات وأوائل القرن الحالي، أخذت عينات من الفضاء المحيط بالقمر جانيميد، ما جعلنا نستنتج أن موجات البلازما حول القمر تفوق نظيرتها حول كوكب المشتري قوةً، ربما بسبب المجال المغناطيسي لجانيميد.
طار مسبار جونو على ارتفاع منخفض من سطح جانيميد، يصل إلى 1038 كيلومترًا، بسرعة نسبية تبلغ 67 ألف كيلومتر في الساعة. ما زال استكشاف البيانات مستمرًا، لكن العلماء لديهم بعضًا منها بالفعل.
يقول الفيزيائي الفلكي من جامعة أيوا، وليام كورت: «ربما كان سبب التغير في التردد هو الانتقال من الجانب الليلي على القمر جانيميد إلى الجانب النهاري».
لم تقتصر الاكتشافات الجديدة على القمر جانيميد فقط، بل واصل مسبار جونو جمع الملاحظات عن كوكب المشتري ذاته، وحصل على خريطة تحمل تفاصيل الحقل المغناطيسي له. تطلب جمع هذه التفاصيل 32 دورةً للمسبار حول الكوكب، وقدم لنا رؤىً جديدة توضح الشذوذ المغناطيسي الاستوائي للمشتري، المعروف باسم البقعة الزرقاء الكبرى.
توضح البيانات أن الحقل المغناطيسي لكوكب المشتري تغير على مدار السنوات الخمس الماضية، وأن رياحًا قوية تؤثر في البقعة الزرقاء الكبرى، إذ تتحرك شرقًا بسرعة 4 سم/ثانية بالنسبة إلى بقية الجزء الداخلي من الكوكب، أي إنها تتم دورة كاملة حول الكوكب كل 350 عامًا.
ينتج الغلاف المغناطيسي للكواكب بفعل «مولد» في باطن الكوكب. يتمثل هذا المولد في سائل موصل للتيار الكهربائي يدور باستمرار. توصل العلماء إلى أن المولد في حالة كوكب المشتري، يتمثل في طبقة عميقة من الهيدروجين المعدني تحيط بلب الكوكب.
درس العلماء أيضًا بيانات جونو لفهم الرياح القوية حول المشتري. تشبّه عالمة المحيطات ليا سيجلمان تلك الاضطرابات في جو المشتري بالدوامات في المحيطات الأرضية، خاصةً بين العوالق النباتية. هذه الاضطرابات المشابهة للدوامات تتكون تلقائيًا، وتستمر وقتًا طويلًا.
بواسطة مسبار جونو، كشف الباحثون عن صورة جديدة لشيء نادر: حلقة الغبار الرئيسية الضعيفة لكوكب المشتري، المرتبطة بالغبار المنبعث من قمريه، ميتيس وأدراستيا.
تقول هايدي بيكر من وكالة ناسا: «إنه لمن المذهل أن نتمكن من التحديق في تلك التجمعات المألوفة عبر مركبة فضائية على بعد نصف مليار ميل. لكن كل شيء يبدو بحجمه الطبيعي من الأرض، وهذا يذكرنا بحجمنا الضئيل والمدى الهائل الذي أمامنا لنستكشفه».
ستمتد مهمة مسبار جونو حتى مايو 2025، ومن المتوقع أن يمدنا بالمزيد من المعلومات عن كوكب المشتري المعقد، الرائع، والغريب.
اقرأ أيضًا:
هل يوجد فضائيون؟ الخبراء يجيبون وإجاباتهم مذهلة
لماذا يمتلك كوكب المشتري 79 قمرًا بينما كوكب الأرض يمتلك قمرًا واحدًا؟
ترجمة: أحمد صفوت
تدقيق: حسام التهامي