لطالما كانت مهمة اكتشاف الكواكب الأخرى إحدى أصعب المهمات العلمية، نظراً للظروف القاسية والغربية المحيطة بالكواكب المراد اكتشافها، وعدم وجود تقنيات حديثة بما يكفي لضمان الوصول إلى النتائج المنشودة من عمليات الاكتشاف.

لكن مع تقدم التكنولوجيا والوسائل العلمية المتاحة بات الأمر أسهل نوعًا ما، إذ يقدم معهد ناسا للمفاهيم المتقدمة NASA’s Institute for Advanced Concepts NIAC حلاً مبتكرًا وفريدًا، يتضمن إرسال سرب من الروبوتات الصغيرة التي يقارب حجمها حجم النحل، وبذلك تكون ناسا قد فتحت بابًا جديدًا من أبواب الاكتشاف العلمي للكواكب المجاورة.

قامت ناسا مسبقاً بتسيير روبوت على المريخ، طائرة الهليكوبتر إنجينيوتي The Ingenuity helicopter، التي قدمت أداءً مميزًا فاق توقعات وكالة الفضاء الأمريكية، قبل أن ترسل رسالتها الأخيرة إلى الأرض في بدايات هذه السنة، إذ أجرت هذه الطائرة 72 رحلةً على مدار 1000 يوم مريخي، في حين كان من المخطط أن تقوم بخمس رحلات فقط.

وعلى الرغم من أن جنسنا البشري احترف الطيران على الأرض، فإن الطيران على الكواكب الأخرى يشكل تحديًا من نوعٍ آخر.

يتميز الكوكب الأحمر (المريخ) بجاذبية أقل بكثير تساوي نحو ثلث جاذبية الأرض، إضافةً إلى الغلاف الجويّ الرقيق بضغط جوي يصل إلى 1٪؜ فقط من الضغط الجوي على سطح الأرض.

وفي بيان صحفي أصدرته ناسا عندما حلّقت إنجينيوتي في أول رحلة لها، أوضحت فيه الميزات التي تمكّن هذه الطائرة من الطيران بحرية في ظل الظروف القاسية للكوكب الأحمر، إذ جاء في البيان: «على الرغم من الجاذبية الضعيفة و الغلاف الجويّ الرقيق، فإن الشفرات الدوّارة لهذه الطائرة -التي يبلغ عرضها مترًا- تستطيع تحقيق تماس أكبر مع الجزيئات الموجودة في الغلاف الجويّ على الرغم من قلّة عددها، وهذا ما يمكّنها من الطيران بسهولة نسبيًا».

ولكن، ومع جميع الصعوبات التي يسببها الغلاف الجوي ذو الكثافة المنخفضة، يمكن لسرب من الروبوتات المستوحاة من أجمل الكائنات الحيّة وأكثرها نشاطًا على الأرض أن يزدهر وأن يصل إلى الهدف المنشود بسهولة أكبر.

أوضح مختبر كانغ The Kanglab في جامعة ألاباما السبب وراء مشروع إرسال روبوتات على شكل نحل إلى المريخ Marsbee، فقد استوحى العلماء الفكرة من الكائنات الحية الرائعة على أرضنا، حيث تُظهر بعض الحيوانات الطائرة المهاجرة قدرة كبيرة على الطيران لمسافات طويلة وغير متناسبة مع أحجامها.

على سبيل المثال، تطير فراشات الملك Monarch butterflies التي تملك جناحين بعرض 10 سم لمسافة 4000 كيلومتر من أمريكا الشمالية إلى وسط المكسيك، حيث تبيّن أنها تطير في طبقات الغلاف الجوي الرقيق على ارتفاع يصل إلى 3353 مترًا. وفي مثال آخر على تلك الحيوانات الطائرة نذكر، طائر القطرس الجوّال The wandering albatross الذي يملك جناحين بعرض 3.1 متر، إذ يستطيع هذا الطائر الفريد أن يطوف حول القارة القطبية الجنوبية من مرتين إلى ثلاث مرات، مغطيًا مسافة 120000 كيلومتر.

ما تزال الآلية الهوائية وراء قدرة هذه الحيوانات على القيام بهذه الرحلات الطويلة غير معروفة حاليًا، لكن الدراسات الحديثة أظهرت أن استخدام الأجنحة الخفيفة والمرنة يولّد حركة الأجنحة التي تساعد على خلق طاقة كافية للقيام بهذه الرحلات الطويلة، إذ إن الطبيعة المرنة للأجنحة تساعد على التحليق والانزلاق في الغلاف الجويّ المستقر.

سيكون حجم الروبوتات المرسلة إلى المريخ بحجم نحلة الطنان ما عدا أجنحتها التي ستكون بحجم أجنحة الزيز، وسيتم تزويدها بحساسات وأجهزة اتصال، حيث من المخطط أن تشتمل آلية عملها على الطيران بهدف جمع البيانات والمعلومات ومن ثم أن تعود إلى العربة الجوالة التي ستكون قاعدةً لها.

سيكون تصميم الروبوتات قائمًا على نظام حفظ الطاقة، إذ من المتوقع أن يصل وقت طيرانها إلى 16 دقيقة، وسيتم الاعتماد على تكنولوجيا البطاريات المتوفرة تجاريًا دون اللجوء إلى استخدام أي نوع خاص منها.

أوضح الأستاذ المساعد تشانغ كوان كانغ في جامعة ألاباما في هانتسفيل، على الموقع الإلكتروني لمعهد ناسا للعلوم المتقدمة: «تشير نتائجنا العددية إلى أنّ نحلة الطنان ذات جناحي الزيز تستطيع أن تولّد قوة رفع كافية للتحليق في الغلاف الجويّ للمريخ».

علاوةً على ذلك، سيتم تقليل الطاقة الواجب استخدامها كثيرًا باستخدام هياكل الأجنحة المرنة، والآليات الحديثة في تجميع الطاقة.

في حين أنّ أداء الروبوتات السليم على الكوكب هو الهدف الرئيسي الذي يجب تحقيقه بنجاح، فإن الهدف المهم الآخر الذي يجب الوصول إليه هو الوزن المنخفض لهذه الروبوتات الذي سيساعدها على أداء مهامها بأفضل شكل ممكن.

أضاف كانغ: «إن الحجم الصغير لروبوتات Marsbees مصمم خصيصاً ليتناسب مع وزن الحمولة المسموح بها على متن المركبة الفضائية المرسلة، وبهذا يصبح تنفيذ المهام المخطط لها أكثر سهولة ومرونة».

بالإضافة إلى ذلك: «فإنّ روبوتات Marsbees تتمتع بمتانة طبيعية في حالات فشل الأنظمة الفردية، هذا يعني أنه إذا تعطل أحد الروبوتات، فلن يؤثر على فاعلية عمل الروبوتات الأخرى، وبالتالي لن يعرض المهمة لخطر الفشل».

بقيت جميع المهام الموجّهة لاكتشاف الكوكب الأحمر معلّقة، بعد فشل نظام طائرة إنجينيوتي Ingenuity، ولكن الأمر مختلف تمامًا بالنسبة إلى سرب روبوتات مارسبيز Marsbees، ففي حال فشل نحلة واحدة، يستطيع باقي السرب أن يتم المهمة على أكمل وجه.

اقرأ أيضًا:

علماء صينيون يخترعون روبوتًا يمكنه استخراج الأكسجين من الماء على سطح المريخ

رصد روبوت على المريخ اهتزازات تحدث جراء تصادم نيازك في سطح الكوكب

ترجمة: آية شميّس

تدقيق: بسام موسى

المصدر