مُستقبل الطّاقة_ تخيّل بطاريّةً يمكنُ إعادةُ شحنِها لِعقود!
لا حاجةَ للتخلّصِ من الهواتفِ المحمولة لِقصرِ عمرِ بطّارياتِها، ولا مزيدَ من المكبّاتِ المُمتلِئةِ ببطارياتِ الليثيوم. هذه الخطوة أقربُ إلى الواقع بفضلِ الدراسات التّي أجراها باحثون من جامعةِ كاليفورنيا في مدينة (إرفاين).
هذا الاكتشاف _الذّي يمكن أن يقودُنا لابتكارِ بطارياتٍ طويلةِ الأمد_ كان بِمحضِ المُصادفة؛ عندما باشر فريقٌ من الباحثين بقيادةِ رئيسِ قِسمِ الكيمياء في الجامعة، الدّكتور (ريجنالد بينر) بِدراسةِ الأسلاكِ النانويّة، وهي الأسلاكُ الموصِلةُ الدّقيقةُ والتّي يُبنى عليها أملًا كبيرًا في مجال البطاريات. لكن تَكمُنُ المشكلةُ في أنّ الأسلاكَ النانويّة هشّة، وعادةً ما تبدأُ بالإهتراءِ والإنفصالِ بعدَ عددٍ معينٍ من دوراتِ الشّحن.
في أحدِ الأيّام وبدافعِ الرغبة، قرّرت (ميا لو تاي) _المرشّحةُ لِنيلِ الدكتوراة في (مختبر بينر)_ استبدالَ الإلكتروليت؛ السائل الذّي يُحيط بمكانِ تَجمُّعِ الأسلاكِ النّانويّة، بمادة (الجـِلّ). يَستذكِر (بينر) قائلًا: «حصلت المفاجأة عندما بدأت (مِيا) بتدوير مكثِّفات الجلّ».تقول الباحثة (مِيا): «استمرّ الدورانُ لِعشرِ آلافِ دورةٍ في ذلكَ اليوم، لأِعودَ بعدَ عدّةِ أيام فأجِدهُ قد دارَ ثلاثين ألفَ دورةٍ أُخرى، وبَقِيَ على حالِهِ مُستمِرًّا في الدورانِ لِمُدّةِ شهر»
أدركَ الفريقُ الباحثُ خُصوصيّةَ الحالةِ التّي بينَ أَيديهِم، لم يَكونوا في ذلك الوقت مُتأكّدينَ مِن السّبب الذّي يَجعل استخدامَ (الجلّ الإلكتروليتي) يُحافِظ على الأسلاكِ النانويّة بعيدةً عن التكسُّر. ولكن كان لدى “بينر” فرضيّةً يُشبِّهُ فيها سَماكةَ الجِلّ بسماكةِ زبدةِ الفولِ السّودانيّ. أمّا الأسلاكُ النانويّةُ _التّي هيَ أرقُّ من شعرةِ الإنسانِ بمئاتِ المرّات ومصنوعةٌ من أُكسيد المنغنيز_ تُقارِبُ مَساميّتُها الثّمانين بالمِئة. لِذلك ومع مُرورِ الوقت، فإنّ الجلّ السّميك يتسرّبُ بِبُطءٍ داخلَ مساماتِ الأسلاكِ النانويّةِ ويجعلُها أكثرَ لِيونة. هذه اللّيونةُ مِن شأنِها أن تقلّل الهشاشة.
يقول (بينر): «تبدأُ الأسلاكُ النانويّةُ بعدَ خمسِ آلافِ دورةٍ بالتكسُّر وبعدَ ذلكَ بالإنهيار، في حين لا شيءَ مِن هذا يحدُث عندَ استخدامِ الجِلّ».
في الوقتِ الحاليّ، يعملُ الفريقُ الباحث على اختبارِ هذه الفرضيّة لإثباتِ إذا ما كانت صحيحةً أم لا، سَيواصلون التّجارب مع أنواع مختلفةٍ من المواد والجلّ لِلحصولِ على أفضلِ النتائج. في نهايةِ الأمر، مِن المُمكنِ أن تكونَ أسلاكُ الجلّ النانويّة المغلّفة مكوّنًا أساسيًّا في البطارياتِ طويلةِ الأمد، وقد تتطلّب هذه العملية سنينَ عدّة لِتكتمل. يُضيف (بينر): «قد تكونُ هناكَ طريقةٌ بسيطةٌ جدًا لِتحقيقِ الإستقرار في الأسلاكِ النانويّةِ التّي دَرسناها، وإذا تبيّن أنّها صحيحةٌ بشكلٍ عام، ستكونُ خطوةً متقدّمةً للمجتمع».
بما أنّ مُدة الصّلاحيّة لِأكثرِ الإلكترونيّات المنزليّة تَعتمد على عوامِل عدّة أهمُّها عُمر البطاريّة؛ فإنّ البطاريّةَ التّي تدومُ لعقدٍ او اثنينِ مِن الزّمن، يُمكنُها بسهولةٍ أن تجعلَ طاقةَ الأجهزةِ تدومُ أكثر.
يقول (بينر): «إذا تَمكنّتَ مِنَ الحُصولِ على مئةِ ألفِ دورةٍ من بطاريةِ الليثيوم، هذا قد يعني أنّك لن تحتاجَ أبدًا لِشراءِ بطّاريّتين منها، فنحنُ نتحدّث عن مدّةِ صلاحيّة تصِلُ إلى عشرينَ سنةٍ أو أكثر»
ترجمة: رامي الحرك
تدقيق: آلاء أبو شحّوت