طوّرت الكائنات المجهرية التي تعيش في صحراء أتاكاما شمال الشيلي -أحد أكثر أماكن الأرض جفافًا- طريقة فريدة لاستخلاص المياه من بيئتها. تستطيع بعض أنواع البكتيريا الزرقاء cyanobacteria التي تعيش في الصخور أن تسحب المياه من محيطها المعدني، وقَدمت هذه النتائج المنشورة من طرف الأكاديمية الوطنية للعلوم نظرةً عن كيفية عيش الكائنات الحية في محيط قاسٍ يفتقر إلى الماء أو يخلو منه -مثل المريخ- وربما تعطي هذه النتائج رؤيةً عن إمكانية استخراج البشر للمياه من المعادن المتوفرة في هذه البيئات القاسية.
تحتوي الصخور الصحراوية على العديد من الميكروبات التي تعيش بداخلها، من بينها البكتيريا الزرقاء المقاومة للجفاف، وتكثر هذه الكائنات الحية الدقيقة تحت طبقة رقيقة من صخور الجبس، التي توفر الحماية من أشعة الشمس الساطعة والرياح الشديدة والجفاف.
ولتحديد كيفية استخدام هذه البكتيريا للصخور كمصدر للمياه، جمع الباحثون عينات الجبس من صحراء أتاكاما وأخذوها إلى مختبر في الولايات المتحدة، وتضمنت التجارب قطعَ كل عينة إلى مكعبات مقاسها نصف ملليمتر من الصخور، والاحتفاظ بهذه العينات لمدة 30 يومًا إما في بيئة جافة أو رطبة قبل الخضوع للفحص المجهري والتحليل الطيفي، بهدف قياس التفاعلات البيولوجية والجيولوجية التي تحدث بين البكتيريا ومكان عيشها.
بينت النتائج أن الميكروبات الموضوعة في البيئة الرطبة تمكنت من استخراج المياه من محيطها، في حين استخرجت الميكروبات المعتمدة على التركيب الضوئي والموضوعة في بيئة جافة الماءَ من الصخور عن طريق ثقبها باستخدام الأحماض العضوية الناتجة عن غشائها الحيوي.
وصرَّح صاحب الدراسة ديفيد كيسايلوس أستاذ في جامعة كاليفورنيا في بيان بـ: «عندما وُضعت هذه الميكروبات تحت ظروف قاسية، لم يكن أمام الميكروبات أي بديل سوى استخراج الماء من الجبس، ما أدى إلى تحول في هذه المادة».
يُحفز الغشاء الحيوي للميكروبات ذوبان المعادن، ويسمح باستخراج الماء الموجود في شكله البلوري والموجود بين أيونات الكالسيوم وأيونات الكبريت، ويؤدي هذا إلى تحويل التركيب الكيميائي للصخور إلى الأنيدريت، وهو معدن أبيض مجفّف يتكون من كبريتات الكالسيوم.
قالت جوسلين ديروجيرو الأستاذة بقسم علم الأحياء بجامعة جونز هوبكنز، والمشارِكة في الدراسة:
«اِشتبه الباحثون لفترة طويلة في قُدرة الكائنات الحية الدقيقة على استخراج المياه من المعادن، ولكن هذا هو أول دليل على ذلك، هذه الاستراتيجية مذهلة فهي تُمكِّن الكائنات الحية الدقيقة من البقاء على قيد الحياة في أصعب الظروف، وسوف توجه بحثنا عن الحياة في أماكن أخرى».
أضاف العلماء أن النتائج التي توصلوا إليها تشير إلى أن الميكروبات التي تعيش في الصخور قد وجدت طرقًا للتكيف مع البيئات شديدة الجفاف والتي تبدو غير صالحة للعيش، هذه الميكروبات توفر فرصًا لتعلم طرق متطورة لتخزين المياه مستقبلًا.
اقرأ أيضًا:
ميكروبات تعيش في بحيرة بركانية سامة قد ترشد إلى أدلة عن إمكانية وجود حياة في المريخ
هل تخبرنا الميكروبات في صحراء الأرض بشيء عن الحياة في المريخ؟
ترجمة: زايدي عبد الكريم
تدقيق: أنس شيخ
مراجعة: تسنيم المنجد