للمرة الثانية في التاريخ، يرصد علماء الفلك تدفقًا راديويًا سريعًا يتكرر بنمط ثابت يمكن التنبؤ به؛ ما يعني أحيانًا أن عجزنا عن التنبؤ بالتدفقات الراديوية السريعة في أعماق الفضاء الغامض، هو مجرد خطأ في قدراتنا على رصد أسرار الفضاء السحيق.
اشتهر مصدر الموجات الراديوية 121102 بكونه أكثر المصادر نشاطًا؛ تنبثق منه العديد من التدفقات المتكررة منذ اكتشافه عام 2012، وقد توقع الباحثون أن تكرار هذه التدفقات مجرد صدفة، لكن تحليلًا جديدًا أثبت أن التدفقات الراديوية تمتاز بنمط معين.
وفقًا لدراسة دقيقة شملت عمليات الرصد الجديدة مع الملاحظات المنشورة القديمة، يتميز مصدر موجات الراديو 121102 بفترة نشاط عالية تنبعث فيها العديد من التدفقات الموجية خلال فترة تستمر 90 يومًا، ثم تتوقف مدة 67 يومًا آخر؛ وبذلك تستمر دورة حياة هذا المصدر 157 يومًا، وبناءً على صحة هذه الدراسة فقد بدأ هذا المصدر الموجي مرحلة نشاطه الجديدة منذ الثاني من حزيران.
إن ثبتت صحة هذا الاكتشاف الرائع، فسيخطو العلماء خطوةً جديدةً في طريق معرفة سبب هذه التدفقات الراديوية، وفي الوقت نفسه سيتضح مدى غرابة هذه الموجات وصعوبة رصدها.
صرح عالم الفضاء كاوستوب راجوادي من جامعة مانشستر: «هذه المرة الثانية في تاريخ بحثنا التي استطعنا فيها تحديد هذا النمط الموجي؛ إذ إن دراسة هذه التدفقات والبحث عن أصل تكوينها قد يعارض التفسير الذي اعتمد النجم النيوتروني مصدرًا وحيدًا للتدفقات في السابق».
تعد تدفقات موجات الراديو السريعة إحدى أغرب ظواهر الكون الفيزيائية؛ فهي موجات راديوية ذات طاقة عالية جدًا تستمر بضع ميلي ثانية على الأكثر. وفي هذا الإطار الزمني، تُطلِق طاقةً تعادل طاقة مئات ملايين الشموس. تحدث معظم هذه التدفقات عشوائيًا مرة واحدة فقط؛ لهذا يصعب على العلماء التنبؤ بها، ورغم صعوبة العملية، فقد حدد العلماء مكان بعض هذه التدفقات وزمانها.
يُظهر عدد قليل من المصادر تكرار هذه التدفقات، وكان يُظَن أيضًا أن تكرارها مجرد صدفة، حتى عُثِر على المصدر 180916 الذي تكرر خلال دورة مدتها 16.35 يومًا، واستمرت فترة نشاطه مدة أربعة أيام، استمر فيها تدفق الموجات كل ساعة أو ساعتين، ثم دخل في حالة سبات مدة 12 يومًا.
ربما لاحظت أن دورة 180916 أقصر بعشر مرات تقريبًا من دورة 121102، لكن إذا افترضنا تشابه المصدرين، وأن الحركة المدارية هي التي تسبب هذه الدورات، فيمكننا مقارنة النتائج مع الأجسام المعروفة لتضييق نطاق الافتراضات التي قد تسبب هذه الدورات.
كتب العلماء في ورقة بحثية: «إذا افترضنا أن المسبب لهذه الدورات هو الحركة المدارية، فإن النطاق الكبير في الفترات المرصودة (16-160 يومًا) سيقيد احتمالية النظام الثنائي؛ إذ تعد ثنائيات الأشعة السينية عالية الكتلة أنظمةً تمتلك نجمًا نيوترونيًا في مدار مع نجم O/B الضخم، وتتمتع ثنائيات الأشعة السينية عالية الكتلة في مجرتنا وسحابة ماجلان الصغرى أيضًا بنطاق كبير من الفترات المدارية، يتراوح من عشرات إلى مئات الأيام، وعلى الجانب الآخر، تمتاز الأنظمة الثنائية التي تمتلك نجمًا مانحًا في حيز روش بدورات أقصر بكثير من 10 أيام، فمن غير المتوقع أن تكون هي المسبب».
إلى يومنا هذا، افتُرِضت العديد من المسببات لهذه التدفقات الموجية القوية، كالنجوم النيوترونية والثقوب السوداء، والنجوم النابضة مع النجوم المصاحبة، وانهيار النجوم المغزلية النابضة وهي نجوم افتراضية تسمى البليتزار، واتصالها بانفجار أشعة غاما التي قد يحدث بسبب اصطدام النجوم النيوترونية، والنجوم المغناطيسية ذات التوهجات العالية، وأخيرًا الكائنات الفضائية (بالتأكيد لا!)
اكتُشِف نجم مغناطيسي في مجرتنا درب التبانة، يبث تدفقات موجية تشابه إلى حد كبير تدفقات الموجات الراديوية السريعة في نهاية أبريل؛ ما يشير بقوة إلى أن هذه النجوم المغناطيسية هي مصدر التدفقات الراديوية السريعة، لكن هناك الكثير من المتغيرات ضمن فئة التدفقات الراديوية السريعة، كوجود التدفقات الراديوية المتكررة وغير المتكررة، لذلك يُحتمل تعدد مصادر تلك التدفقات.
من المتوقع أيضًا أن جميع تدفقات موجات الراديو السريعة في حالة تكرار تختلف قوته من تدفق لآخر، لكن طاقاتها أقل مما نستطيع رصده.
الآن بعد اكتشاف التدفقات المتكررة الثانية، نستطيع توقع تكرار جميع التدفقات بانتظام، لكننا نفتقر لبيانات المراقبة لتمييز الأنماط، وما زلنا نحتاج إلى كشف المزيد من هذه المتكررات لنجزم بطبيعة التدفقات.
صرح الفيزيائي ورائد الفضاء دنكان لوريمر من جامعة فيرجينيا الغربية: «هذا الاكتشاف يوضح مدى قلة معرفتنا بتدفقات موجات الراديو السريعة؛ إذ نحتاج إلى مزيد من عمليات الرصد لتحليل طبيعة هذه الموجات ومصدرها بطريقة صحيحة».
اقرأ أيضًا:
نجم نيوتروني لامع يسمح للفلكيين بإلقاء نظرة على مكوناته الداخلية
ترجمة: زينب سعد
تدقيق: راما الهريسي