مواجهة الخرافات الصحية
اللجوء للمشاعر لإيصال الحقائق
توصَّل الباحثون إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالإعلان عن الأسباب العلمية وراء المشكلات الصحية الجدلية، يلزم علينا التعبير عن اهتمامنا بما نتحدث عنه، حتى وإن أسفر ذلك عن نوبة غضب عارم.
فسواءً أكان الأمر يتعلق بالترويج لمزايا لقاح ما أو إضافة غاز الفلور لمصادر المياه العامة، فقد يصعب على الخبراء مواجهة الانفعالات العاطفية من جماعة قلقة من الناس، مما يجعل المحادثات القائمة على الحقائق مستحيلة من الناحية العملية.
وقد ألقت دراسة لبحث يُجريه معهد «Sax» في أستراليا الضوء على التحديات التي يواجهها مسؤولو الصحة العامة في عالم «ما بعد الحقيقة» الزاخر بالخيارات المتعددة والمعلومات المغلوطة.
فيُفترَض عادةً أن مشاعر الجمهور الخائف يمكن أن تحول دون نجاح السياسات الصحية الفعّالة، ما يجعل من المغري البحث عن سبل لإسكات أي صوت معارض.
وتقول (كلير هوكر- Claire Hooker)، وهي أحد أعضاء فريق الدراسة: «لكن بحثنا يشير إلى أن محاولة إسكات هذا النقد يمكن أن يزيد الأمور سوءًا، لا سيما وأنه من شبه المستحيل الآن التحكٌّم بفعالية في تدفق المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي».
ومن المتعارف عليه أن التصدي للمعلومات الخاطئة بالمعلومات الصحيحة له نتائج عكسية أيضًا، نظرًا لظاهرة نفسية اسمها (الانحياز التأكيدي- backfire effect).
فنحن -بوصفنا كائنات اجتماعية- نميل لقبول المعلومات عندما نعلم فقط أن مصدرها «واحد منا»، ما يدفعنا عادةً لإعطاء الأولوية للأفكار التي تؤكد معتقداتنا مقارنة بتلك التي تتعارض معها.
وفي الواقع، سماع معلومات انتقادية من شخص لا نثق فيه يمكن أن يجعلنا أكثر تشبثًا بآرائنا، ما يجعل من شبه المستحيل تغيير الآراء التي يؤمن بها المرء إيمانًا عميقًا عن طريق الحقائق وحدها.
لذا، عندما تكون هناك زيادة في مخاوف الناس بشأن إجراء صحي مثير للجدل، رغم أن المخاطر الفعلية منخفضة نسبيًا، فالباحثون يقترحون البدء بالتعاطف قبل الخوض في الحديث العلمي.
وتقول هوكر: «يثبت البحث أنه عندما يكون الناس عاطفيين بشأن مسألة ما، تكون لديهم صعوبة أكبر في سماع المعلومات ومعالجتها، ويزداد ميلهم للانتباه للمعلومات السلبية».
وتضيف: «لذا، فإن القاعدة الذهبية للتواصل الناجح بشأن المخاطر هو معرفة أن الناس يحتاجون لسماع ما يدل على اهتمامك قبل أن يهتموا هم أنفسهم بما يسمعونه».
ومن الأمثلة التي تقترحها الدراسة الإقرار بالتحديات التي تنطوي عليها تربية طفل يعاني من التوحُّد قبل دحض الادعاءات بوجود علاقات بين التوحُّد واللقاحات.
وقد حلل الباحثون الدراسات السابقة عن أفضل ممارسات التواصل بشأن الصحة العامة، مستكشفين العوامل التي ارتبطت بالمبالغة في التأثر بالمخاطر العالية.
حيث يناقش تقرير الباحثين، الذي نُشِر بالكامل في دورية «Public Health Research & Practice»، مجموعة من العمليات والإجراءات التي تُحدِّد ما إذا كانت استراتيجية التواصل ستنجح أم لا.
وعند الحاجة للاختيار بين بناء الثقة وتحمُّل المبالغة في رد الفعل، ينصح الباحثون بالعمل على المزج بين الاثنين.
فيوصي التقرير، كذلك، بالاتسام بالشفافية بشأن الشك في سياسة ما، وذلك عن طريق التعبير بوضوح عما هو معروف وما هو غير معروف بشأن نتائج إجراء ما.
كما يشير التقرير أيضًا إلى أن الأفعال تبعث رسائل أكثر وضوحًا من الأقوال.
وأخيرًا، توضح الدراسة ضرورة أن يتبع مسؤولو الصحة العامة الذين يتحدثون مباشرة مع المجتمع أسلوبًا استراتيجيًا عن طريق استخدام الإعلام المحلي ووسائل التواصل الاجتماعي، بدلًا من التواصل من خلال ممثلين أو متحدثين عن طريق وسائل الإعلام التقليدية.
وتقول هوكر: «من خلال ذلك، تعرف المجتمعات المحلية أن السلطات تتمتع بالنزاهة والكفاءة وإمكانية الوثوق بها، الأمر الذي يلعب دورًا مهمًا في طمأنة الناس وكبح جماح غضبهم».
فالتوصُّل إلى طرق للتواصل مع مَن نختلف معهم قد يكون مناقضًا لما تُمليه علينا فِطرتنا، لاسيما عندما نرى أن هذه الآراء المخالفة من شأنها تعريض مجتمعنا للخطر.
لكننا إذا كنا جادين بشأن تشجيع المجتمع على دعم الأدلة المستندة إلى الممارسات الصحية، فيجب علينا البحث عن أدلة حول أفضل سبل التواصل مع الناس في المقام الأول.
إعداد: أميرة علي عبد الصادق
تدقيق: هبة فارس
المصدر