من يتملك كوكب المريخ؟ قانون الفضاء الخارجي
هل يمكنك وضع علم على سطح القمر؟ هل يمكنك شراء عقار على كوكب الزهرة؟ وما الذي سيحدث إذا سقط قمر صناعي في كندا؟
استحوذت مركبة «كيوريوسيتي روفر» التابعة لوكالة ناسا على مخيلة العالم، والتي أُرسلت إلى المريخ في نوفمبر 2011، ولكن ما الذي يمكننا أن نرسله إلى الفضاء؟ وما الذي يمكننا أن نفعله هناك، قانونيًا؟
حيث يذهب البشر، يسري القانون.
200 ألف سنة من الحياة البشرية الحديثة مرت، وكان خلالها الفضاء شيئًا بعيد المنال، ولكن بالتأكيد الفضول حوله لا يقاوم.
اختلق أبناء الأرض الحقوق المزعومة والخيالية للقمر والكواكب وكل جزء يمكن تخيله من الفضاء، ومن كان ليوقفهم؟ ولكن حاجتهم لقوانين فعلية في الفضاء كانت كحاجة السمك للدراجات إن صح التشبيه. تغير هذا الوضع منذ حوالي نصف قرن.
بطبيعة الحال، فإن إطلاق مجموعة جديدة من هذه القوانين كان نتيجة من نتائج الحرب الباردة خارج الكوكب، حسنًا، ربما ليس بالضبط، حيث أن الإشارات الأولى التي أشارت إلى كوكب مضطرب من القمر الصناعي السوفييتي سبوتنيك – وهو أول قمر صناعي تم إطلاقه – كانت بمثابة «عليكم وضع قانون في الفضاء».
وقد تم ذلك فعلًا، فمع اقتراب سباق الفضاء، عقد اجتماع في الأمم المتحدة للتفاوض بشأن قواعد دولية تحكم هذه الأنشطة.
بدأ عصر قانون الفضاء عندما اجتمعت نصف الأمم على الأرض، ووقعت على مجموعة من القوانين في وثيقة يطلق عليها اسم «ماغنا كارتا» أو «دستور الفضاء» فيما يعرف بمعاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967.
وقد جعلت المعاهدة الفضاء مشاعًا عالميًا، حيث أعطت لكل دولة حرية التنقل منفردة. ونصت على أن: «استكشاف الفضاء الخارجي واستخدامه يجب أن يتم لصالح ومنفعة البشرية جمعاء» وأن: «الفضاء والأجرام السماوية هي مجال مفتوح للاستكشاف والاستخدام من قبل جميع الدول».
وجاءت المعاهدة بسلام، ومن ثم أظهرت تكنولوجيا الأقمار الصناعية الجديدة المتشابكة عام 1950 أن النتائج المحتملة والمرعبة لبدء حرب نووية من مداراتها في الفضاء لم تكن خيالًا علميًا.
وفي حين أن بعض المسائل القانونية المتعلقة بعسكرة الفضاء لا تزال غير مستقرة، فإن معاهدة الفضاء الخارجي المعتدلة في الواقع قد حظرت بالفعل أسلحة الدمار الشامل في الفضاء، وحددت استخدام القمر والأجرام السماوية الأخرى حصراً للأغراض السلمية.
ووفق المعاهدة لا يجوز أن تمتلك أي أمة أي جزء من الفضاء كإقليم وطني.
يقول البعض: «ولكن هنالك أعلام على سطح القمر».
حسناً، لا داعي للقلق، سواء كانت مزروعة من قبل رواد الفضاء الأمريكيين أو مرسلة عبر بعثات الروبوت من روسيا والاتحاد الأوروبي والهند والصين فهذه الأعلام تزين سطح القمر، وهي رموز فخر وليست تعني السيادة، ولم تعلن أي دولة أو تدعي ملكية القمر أو المريخ أو أي أرض سماوية.
وهناك ثلاث معاهدات رئيسية أخرى وضعتها الأمم المتحدة، إلى جانب إعلانات مختلفة، تحدد قواعد ومبادئ هامة فيما يتعلق برواد الفضاء والمركبات الفضائية، متضمنة مسائل السلامة والمسؤولية والتسجيل وغير ذلك.
وحاولت الأمم المتحدة أن تطلق معاهدة رابعة، ولكن معاهدة القمر لعام 1979، التي دعت إلى إنشاء نظام دولي جديد، قد أهملت إلى حد كبير، حيث يواصل المحامون والسياسيون مناقشة وضع معاهدة القمر غير المحبوبة.
بدأ قانون الفضاء من هنا، وبما أن المعاهدة تضع الدول تحت ضغط المسؤولية عن أعمالها الفضائية المحلية، فقد افتتحت وكالات فضاء في جميع أنحاء العالم وأنشأت أنظمة وطنية لقانون الفضاء، وبعض البلدان بالطبع كانت أسرع من غيرها.
وفي حين انتظر اللاعبون الفضائيون الكبار مثل اليابان وفرنسا حتى عام 2008، فإن قانون الفضاء الأمريكي كان قد سبق المعاهدة العالمية، حيث أعلن الكونغرس القرار الذي أنشأ ناسا وبرنامج الفضاء المدني في عام 1958. وكما هو معروف فإن مجموعة القوانين تعد شديدة الأهمية جدًا عندما تحصل على عنوانها الخاص، وقد حدث ذلك لقانون الفضاء في عام 2010 بعد أن تم إقرار الباب 51 بعنوان: البرامج الفضائية الوطنية والتجارية.
وبدأت الولايات منفردة كل على حدة تقفز إلى ساحة صناعة القرار المتعلق بقانون الفضاء، وذلك من أجل اجتذاب السياحة والتجارة الفضائية، كما فرضت بعض الولايات الضرائب من أجل شركات الإطلاق الخاصة، وفي عام 2007، أصبحت فرجينيا أول ولاية تمرر تشريعاتها الخاصة، تبعتها فلوريدا، نيو مكسيكو و تكساس، يساعد في ذلك وجود ميناء فضائي جيد في تلك الولاية، وحتى الآن، قامت إدارة الطيران الفيدرالية بترخيص موانئ الفضاء التجارية في كاليفورنيا، فلوريدا، فرجينيا، ألاسكا، أوكلاهوما، ونيو مكسيكو؛ ومن المتوقع أن تمنح المزيد من التراخيص لاحقًا.
بالتأكيد، كان أول المستكشفين موظفين حكوميين. تركوا الأعلام وآثار أقدامهم للتاريخ، وأخذوا بعض الصخور والعينات للدراسة. ولكن، هذا كان ذلك في القرن الماضي، أما في القرن الحادي والعشرين، فقد تحول سباق الفضاء الى حقبة «الفضاء الجديد»، التي أطلقتها مشروعات السفر الخاصة، وتكاليف الإطلاق والحمولة التي هي أقل إلى حد كبير، والأفكار التجارية التي استغلت الفضاء لإنشاء صناعات تقدر بتريليونات الدولارات، فأصبحت صناعة الفضاء تجذب المستثمرين من أصحاب البلايين كما تجذب دراسة جسيم بوزون هيجز فيزيائيي الجسيمات.
اذاً ما هي مستجدات “الفضاء الجديد” حتى الآن؟ في عام 2001، بعد أربعة عقود فقط من صعود أول إنسان إلى الفضاء وهو رائد الفضاء «يوري غاغارين»، اشترى «دينيس تيتو» رحلة بقيمة 20 مليون دولار كأول سائح فضاء ذاتي التمويل، وفي عام 2004 أعلنت شركة «سبيس شيب وان» عن الرحلة الخاصة تحت المدارية، بينما كانت مركبات ناسا الفضائية المتقاعدة معروضة في المتاحف، وخلال ربيع هذا العام غيرت شركة «سبيس اكس» الخاصة بـ «إيلون ماسك» لعبة النقل الفضائي نحو الأفضل، عندما أطلقت صاروخ «فالكون»، كأول مركبة فضائية تجارية مزامنة مع محطة الفضاء الدولية.
وتستمر الألعاب الأولمبية في الفضاء. هذه الأيام ترسل شركة «فيرجين غالاكتيك» – (Virgin Galactic) الخاصة بـ «ريتشارد برانسون» رحلات تحت مدارية للمشاهير وعشاق المغامرات الفضائية. ويتطلع بعض الحالمين بقضاء إجازة في الفضاء للطيران إلى فنادق فضائية، مبنية ربما على فكرة شركة «بيجلو آيروسبيس» – (Bigelow Aerospace) لمساكن مدارية قابلة للنفخ. ربما يوماً ما لن تحتاج إلى عدد هائل من المتابعين على تويتر لتستطيع أن تذهب في رحلة إلى المريخ، فبينما تتنافس الشركات في مسابقة «جوجل» للذهاب إلى القمر، تأمل «مارس وان» أن ترسل البشر إلى الكوكب الأحمر في أول رحلة مأهولة في عمق الفضاء.
لتصعد إلى الفضاء، عادة أنت بحاجة لصاروخ، ولإطلاق هذا الصاروخ ستكون بحاجة لموافقة أمنية، عبر مقابلة مكتب النقل الفضائي التجاري التابع لإدارة الطيران الفدرالية، حيث يعمل المنظمون فيها على إصدار لوائح لمركبات الإطلاق الخاصة الجديدة، وتضع المزيد من القواعد التي تتناول ترخيص الرحلات الجوية والمسؤولية والسلامة في العمل توافقًا مع نمو سوق السياحة الفضائية.
شيء واحد مؤكد: ليس هناك تقصير في قطاع القانون التجاري الفضائي، وإذا كانت المحاكم غير مستعدة للاستماع إلى المنازعات الفضائية التي تنطوي على المسؤولية، والتأمين، والموافقات، والإعفاءات وأي شيء آخر، فينبغي أن تستعد.
وحتى الآن، فإن الوجهة الأكثر شهرة خارج كوكب الأرض هي محطة الفضاء الدولية، وهي الملجأ الدافئ والحيوي الذي يدور حول الأرض في مدار منخفض، وهي تابعة للولايات المتحدة وروسيا وأوروبا واليابان وكندا، وزارها بضع مئات من الناس المحظوظين من أكثر من اثني عشر بلدًا، ولكن هذه المحطة صُنعت للدراسات العلمية، وليست للرحلات الخاصة بالتأكيد، لكن تم بالفعل حجز رحلات لسبعة سيّاح أغنياء على متن صواريخ “سويوز” الرّوسية، بما في ذلك أوّل سائحة فضاء أنثى، «أنوشه أنصاري». كما لم يستطع أحد المدراء التنفيذيين السابقين لدى «مايكروسوفت» أن يقاوم حجز رحلة ثانية.
محطة الفضاء الدولية هي في الحقيقة مجرد مختبر لبحوث قانون الفضاء، حيث اتفق الشركاء على قواعد تستند إلى احتفاظ الدول بالولاية القضائية على وحداتها الخاصة، وتغطي هذه القواعد الإشكاليات القانونية من قبل الناس في كل مكان، مثل الابتكار والاختراع، التسبب بالحوادث، وارتكاب الجرائم. ولكن لا توجد محكمة في الفضاء، بعد.
إذا بدأ الاستثمار بعيد المدى كما يفعل «جيمس كاميرون»، فالخطوة التالية في الفضاء ستكون استخراج المعادن، فبعض الشركات تريد التنقيب في الكويكبات عن البلاتينيوم وغيره، والبحث عن بعض الغنائم على القمر كالهيليوم3، ومن الواضح أن هذه الشركات أُنشأت لتوضيح أوجه القصور في قانون الملكية الفضائية، فكلما أعلنت شركة عن خطة لاستخدام الفضاء و موارده للربح، يبدأ التساؤل.. هل هذا قانونيّ؟
التنقيب في الفضاء والقوانين الخاصة بالملكية بدأت، والبعض يقول انتهت، بسبب قاعدة عدم الاستئثار التي تنص عليها المعاهدة. يرى العديد من المتحمسين لتنمية الفضاء والمستثمرين أن تلك القاعدة تمثل إزعاجًا قانونيًا كبيرًا. ويجادل البعض أنه يمكن تفسير القاعدة بشكل متراخٍ بما فيه الكفاية للسماح بإرسال مستكشف آلي. لكن لم يدّع بعد أيٌ من الأفراد أو مؤسسات الفضاء الخاصة ملكية أي شيء في الفضاء، يرجع ذلك جزئيًا إلى أن المعاهدة يفهمها أغلب المحامون على أنها تمنع استئثار الفضاء من قبل الشركات أو الأفراد أو الدول، وكذلك لأنه لم تقم بعد أي شركة بزرع محطة إرشاد راديوية على أي جرم سماوي.
وإذا كنت تظن أن الولايات المتحدة قد أرست مركبة على كويكبك الخاص كما فعل «غريغروي نيميتز»، يمكنك محاولة فرض رسوم الوقوف على ناسا، ولكن المحكمة سترفض طلبك بالتأكيد لافتقاره إلى الأدلة القانونية.
من جانب آخر، فالناس عادة يشترون العقارات والممتلكات في الفضاء، أو يعتقدون ذلك، فقد نجحت العديد من الشركات في تكوين ثروة معتمدين على رغبة المستهلكين في إنفاق أموال حقيقية لشراء العقارات على القمر. في الواقع تلك العقود التي يشترونها قد لا تساوي قيمة الورق الذي طبعت عليه
كل ما يتعلق بالفضاء عمومًا هو عمل كبير، ويصادف هذا العام الذكرى السنوية الخمسين لتقديم البرامج التلفزيونية عبر الأقمار الصناعية، والحياة اليوم تعتمد على الأقمار الصناعية التجارية للاتصال، والترفيه، ونظام تحديد المواقع GPS، والطقس، والاستشعار عن بعد، والمعلومات، وأكثر من ذلك؛ ويدور قانون الفضاء بشكل يومي حول العقود الأرضية، والاتفاقات، والدعاوى القضائية والتأمين على الأعمال التجارية المتعلقة بالأقمار الصناعية، ويحدد الاتحاد الدولي للاتصالات المدارات الطيفية والمدارات الثابتة بالنسبة للأرض، وتقوم الشركات التجارية ببناء وإطلاق الصواريخ التي تحمل الأقمار الصناعية لوضعها في المدار، ويغطي مقدمو التأمينات مخاطر هذه الأعمال، طبعاً كل ذلك ولم نذكر بعد استخدام الجيش للأقمار الصناعية.
وبالطبع تحدث بعض الحوادث. مشاكل في الإطلاق، تعطل الأقمار الصناعية أو خروجها من المدار، والمعاهدات تضع على عاتق كل أمة مسؤولية المركبات الخاصة بها، بما في ذلك حطام هذه المركبات، لأن حبة غبار صغيرة ووفقًا لسرعتها الهائلة في المدار قد تتسبب بكارثة، ومن هنا تأتي المسؤولية في معرفة لمن تعود هذه النفايات الفضائية، بعد أن دمّر بعضها قمرًا صناعياً فرنسيًا وكانت المصادفة أن الحطام الذي سبب ذلك يتبع لصاروخ فرنسي أيضًا، ربما لم يصب أحد على الأرض بشيء مشابه، ولكن بعض الخردة تسقط يومياً و تحترق أثناء اختراقها للغلاف الجوي كونها صغيرة وليست بحجم كويكب، لكن ليس دائمًا، فقد دفعت روسيا تكلفة إصلاح الضرر والتنظيف بعد أن سقطت أجزاء من القمر «كوزموس 954» في كندا، ولذلك فإن العالم يواصل العمل على التحديات القانونية والسياسية والتقنية المثيرة للجدل بخصوص النفايات الفضائية.
يبدو أننا بحاجة للمزيد من القانون في الفضاء، كما يبدو أننا النوع الوحيد الذي يسافر داخل النظام الشمسي، والقانون نفسه، بطبيعة الحال، هو قانون محلّي، وقد نجد أنفسنا يوماً ما مضطرين لتوضيحه لجيراننا من المجرات، الذين نأمل أن لا يكونوا أشرارًا كآلهة السيث (من فيلم حرب النجوم)، وعلى كل حال، وفي الوقت الراهن، إذا كنت تعتقد أنه يمكنك تجنب أعباء الحياة تحت ظل نظام قانوني عن طريق الذهاب إلى الفضاء، أنصحك، فكّر مرة أخرى.
قانون الفضاء ليس كعلم الصواريخ ربما. ولكن أينما تحمل الصواريخ وسفن الفضاء البشر، فهي تحمل القانون أيضًا.
ترجمة: أسامة ونوس
تدقيق: أحمد اليماني