تحدد خصالك كيفية تفاعلك مع العالم المحيط بك واستجابتك له. ويساعدك إلمامك بهذه الخصال في معرفة مواطن راحتك على الصعيدين المهني والاجتماعي.
جاء مفهوم الانطواء والانبساط للمرة الأولى بواسطة طبيب النفس السويسري كارل يونغ في بداية القرن العشرين. فاعتقد أن البعض يحيا في عالمه الخارجي (الانبساطيون) والبعض الآخر يحيا في عالمه الداخلي (الانطوائيون).
الانبساطي هو شخص يستمد طاقته من وجوده في محيط الآخرين. يحب التنزه والخروج وحضور الحفلات والاختلاط بالآخرين، وبإمكاننا عدّه شخصًا محبًا للناس.
أما الانطوائي فهو شخص يستمد طاقته من التبصُّر الصامت. فهو راضٍ بوحدته أو بقضاء الوقت مع شخص أو اثنين يشعر بالحميمية تجاههم. ويحتاج عادةً إلى وقت يقضيه وحيدًا لاستعادة طاقته بعد أن كان في محيط اجتماعي. يُتهَم الانطوائيون عادة بالخجل أو بمعاداة المجتمع، لكن هذه ليست خصال الانطوائي.
فقد يستمتع الانطوائي بصحبة الآخرين لكنه يفضّل الاختلاط بمجموعات صغيرة. وهم عادةً لا يحبّذون المحادثات القصيرة بل يفضّلون محادثات أعمق وأهم.
يعتقد علماء الأعصاب أن الانبساطيين قد يستجيبون أفضل من الانطوائيين للتحفيز الخارجي، لأن أدمغتهم تحرر الدوبامين -ناقل كيميائي في الدماغ يحفّز مشاعر المكافأة واللذة- بجرعات أعلى في هذه المواقف.
صُنِّفَت هذه الأنماط الشخصية ضمن طيف. ما يعني أن الشخص نادرًا ما يطابِق أحد نهايتي الطيف تمامًا بل يتأرجح بينهما. فقد تكون أقرب إلى الانبساط أو الانطواء. وإن شعرت أن الوصف الآنف لا ينطبق عليك فقد تكون متوازن المزاج (Ambivert). فمتوازنو الشخصية في المنتصف، ويميلون إلى السلوك الانطوائي أو الانبساطي تبعًا للموقف.
علامات تدل على أنك قد تكون متوازن المزاج
إليك 5 علامات تدل على أنك متوازن المزاج:
1. أنت مستمع ومحاوِر جيد:
يفضل الانبساطيون الحديث، في حين يحبّذ الانطوائيون الإصغاء والتأمل. أما متوازن المزاج فيعلم متى يتحدث ومتى ينصت. قد يفتتح متوازن المزاج اللقاء بتوجيه بعض الكلام التشجيعي ثم يعطي الآخرين فرصة الحديث عن التحديات والمخاوف.
2. لديك القدرة على ضبط السلوك:
يبدو أن لدى متوازني المزاج القدرة على التكيّف مع الشخص أو الموقف بفطرتهم. تخيّل أن تستقل المصعد مع ثلّة من الغرباء. سيشرع الانبساطي في محادثة، أما الانطوائي سيضع سماعات أذنيه لتجنب التواصل. وقد تلجأ لأي من الخيارين وذلك يتوقف على رفاق المصعد!
3. تشعر بالارتياح في التجمعات، ومع ذلك تقدّر الوحدة:
يشعر متوازنو المزاج بالانتماء سواء في التجمعات أو عند قضاء أمسية هادئة في المنزل.
افترض أن صديقًا دعاك متأخرًا لنزهة ليلية. سيلبي الانبساطي الدعوة على الأرجح دون تردد. في حين سيفضل الانطوائي البقاء في المنزل. أما متوازن المزاج سيستعرض إيجابيات الدعوة وسلبياتها ثم يختار أحد الأمرين.
4. التعاطف من خصالك الأصيلة:
بإمكان متوازني المزاج الإصغاء وإظهار التفهم لوجهة نظر الشخص وموقفه. إن واجه صديق مشكلةً ما، سيعرض الانبساطي حلًا على الفور، وسيكون الانطوائي مستمعًا جيدًا، أما متوازن المزاج سيصغي ويطرح أسئلةً تأملية على سبيل العون.
5. أنت بارع في تحقيق التوازن:
بإمكان متوازن المزاج تحقيق التوازن المطلوب لحركية المجتمع. فقد يكون هو من يكسر الصمت المحرِج، ما يريح من هم أكثر انطواءً ويدفعهم إلى افتتاح محادثة.
فوائد أن تكون متوازن المزاج
لما كان متوازنو المزاج يعيشون في المنتصف، فلديهم قدرة مذهلة على استغلال سمات الشخصية في كل من طرفي الطيف، وقد يسهُل عليهم التعامل مع العلاقات لأنهم يتأقلمون مع العديد من المواقف الاجتماعية.
العلاقات
بإمكان متوازن المزاج إتقان الجوانب الإيجابية لكلا نمطي الشخصية. مثلًا، يمكنك أن تكون نجم الاحتفالات وأن تُلقي قصصًا ممتعة وتستميل الجمهور، لكنك أيضًا مستمع جيد وتكسب ثقة الآخر. لذلك يستطيع متوازن المزاج تكوين علاقات عميقة، فتقود خاصيته الانبساطية إلى لقاء أناس أكثر والتواصل معهم، في حين تساعد خاصيته الانطوائية على تعميق صداقاته الحميمة.
أسلوب الإدارة
قد يكون كلًّا من الانبساطي والانطوائي جيدًا في الإدارة، لكن غالبًا ما يتوقف ذلك على السياق وعلى مرؤوسيهم. وبنفس الطريقة التي يمتلك بها القادة أساليب إدارة مختلفة فإن المرؤوسين يختلفون في تجاوبهم مع أسلوب الإدارة وفقًا لسماتهم الشخصية.
عاينت دراسة نُشِرَت في (Harvard Business Review) سلسلة مطاعم لتوصيل البيتزا في أمريكا مؤلفة من 57 متجرًا، للتحقق من فكرة زيادة الأرباح إن كان المدير انطوائيًّا أو انبساطيًّا.
قيّم الباحثون كل مدير متجر على طيف انطوائي/انبساطي اعتمادًا على السمات الشخصية التي أظهروها. وجدوا أن المديرين الانبساطيين يحققون مكاسب أعلى عند إدارتهم لموظفين «مستسلمين»، أي أن يفضل الموظف الإرشاد والتوجيه. لكن كانت المكاسب أقل عندما كان الموظفون نشطين، أي أنهم يفضلون تحمل المسؤولية بأنفسهم.
سيستفيد الموظفون النشطون على الأرجح تحت إدارة رئيس انطوائي. ذلك لأن للانطوائيين القدرة على الإصغاء وإدراك مواطن القوة لدى الآخرين. أما في حالة إدارة فريق فإن لمتوازن المزاج أفضلية مطلقة، إذ إن بإمكانه إظهار أي من الخصائص الانبساطية أو الانطوائية حسب حاجة الموظفين. لا مشكلة لدى متوازن المزاج في استلام زمام المبادرة، ويعرف أيضًا الوقت الملائم للتريث والإصغاء.
سلبيات أن تكون متوازن المزاج
يُعد متوازنو المزاج مرنين لأنهم يتراوحون بسهولة بين الانطواء والانبساط، وذلك تبعًا للموقف، ما يحمّلهم عبئًا إضافيًّا.
التوازن خاصية جيدة إلا أنها مرهقة، قد يجد متوازن المزاج نفسه في موقع حامي السلام في بيئة اجتماعية أو مهنية.
يعاني الناس الأقرب لطرفي الطيف «انطواء- انبساط» صعوبة في فهم مكمن الجزئية الأخرى من الطيف وذلك مقارنةً بمتوازن المزاج في محاولته لسد الفجوة.
المهن التي يبرع فيها متوازنو المزاج
يزدهر متوازنو الشخصية في المهن التي تتطلب توازنًا بين التعاون والعمل المستقل، إذ يمكنّهم من توظيف خاصيتهم الانطوائية أو الانبساطية على حد سواء. قد يبرع متوازنو الشخصية في:
المبيعات
على مندوبي المبيعات أن يكونوا مقنعين، مع أخذ احتياجات الزبون في الحسبان. لدى متوازن المزاج قدرة فطرية على الانتقال من التحدث إلى الإصغاء. ووجدت دراسة نُشرت في صحيفة العلوم النفسية أن نسب المبيعات عند متوازني المزاج أفضل من الانطوائيين والانبساطيين.
إدارة المشاريع
يأخذ مديرو المشاريع على عاتقهم ملكية المشروع وإرشاد أعضاء الفريق الذي يعمل معهم. لذلك عليهم التمتع بالقدرة على إعطاء التعليمات والإصغاء إلى أعضاء فريقهم.
الإنتاج
يعمل المنتجون خلف الكواليس في وسائل الإعلام والإنترنت والسينما، حرصًا على تنظيم المشروع. يشتمل المنصب على التعاون مع أنماط شخصيات متنوعة لإدارة المشروع من البداية إلى النهاية.
تصميم الديكور
على مصممي الديكور فهم زبائنهم وتقديم النصح فيما يتعلق بمبادئ التصميم وتفضيلات الزبون. فيقضون بعض الوقت في التعاون وبعضه في العمل على التقديم.
التعليم
على المدرسين أن يكونوا مرنين للوصول إلى عقول طلاب من خلفيات وأنماط شخصية مختلفة. عليهم أيضًا أن يشعروا بالثقة عند التوجه بالحديث إلى جمهور، وعند اللقاء وجهًا لوجه مع الطلاب والآباء.
الخُلاصة:
إن شعرت بالرضا سواء كنت في مجموعة أو وحيدًا في المنزل تقرأ كتابًا فقد تكون من متوازني المزاج.
لدى متوازن المزاج العديد من المزايا العظيمة، فيمكنه أن يكون مرنًا في العديد من المواقف المختلفة، ويعلم متى يتحدث ومتى يصغي. وتثبت أهمية هذه المهارات في العديد من العلاقات الاجتماعية.
لكن أينما كنت من طيف الشخصية، فقد يساعدك استغراق الوقت في تحليل أفعالك وردودك على تحسين علاقاتك الشخصية والمهنية.
اقرأ أيضًا:
عالم النفس السويسري كارل يونغ – سيرة شخصية
هل السايكوباتيون أذكياء كما يبدون؟
ترجمة: سِوار قوجه
تدقيق: أكرم محيي الدين