يشير مصطلح الخطل النومي «Parasomnia» إلى مجموع اضطرابات النوم التي تشمل تجارب غير إرادية تحدث عند البدء في النوم أو خلاله أو في الاستيقاظ منه، وقد يتضمن ذلك سلوكياتٍ أو تصوراتٍ أو أحلامٍ أو حركاتٍ غير طبيعيةٍ، وقد يبدو سلوك الشخص خلالها معقدًا أو هادفًا وواعيًا للآخرين وهو نائمٌ، ولن يتذكر ما حدث بعد الاستيقاظ في غالب الأحيان، ومن هذه الاضطرابات:
أهم اضطرابات الخطل النومي
1- الاستيقاظ المشوش ««Confusional Arousal:
اضطراب نومٍ يبدو فيه الشخص النائم مستيقظًا، ولكنه يقوم بتصرفات غير اعتياديةٍ أو غريبةٍ، وقد يكون حينها غير متوجهٍ أو غير واعٍ، وغير متجاوبٍ، بطيء الكلامِ وتفكيره مشوشٌ أو مضطربٌ، وتختلف مدة هذه الحالة، فقد تستمر لدقائق قليلةٍ، أو تبقى لفترةٍ أطول، وعادةً يتذكر الشخص قليلًا مما حدث أو لا يتذكر حدوث أي شيء على الإطلاق.
تحدث هذه الظاهرة عادةً في أول ساعتين من النوم، أي خلال الثلث الأول من الليل، وفي بعض الحالات تحدث في الثلثين الآخرين من الليل أو خلال القيلولة في النهار، ويكون ذلك عند الانتقال من مرحلة نومٍ عميقةٍ إلى مرحلةٍ أخف وهو من اضطرابات نوم حركة العين غير السريعة «NREM».
وأحد أشكال الاستيقاظ المشوش يكون صباحيًا، يدعى أحيانًا بثمالة النوم «sleep drunkenness»، أو جمود النوم الصباحي الشديد «severe morning sleep inertia»، ويمكن أن يصيب المراهقين والبالغين، وأعراضه مشابهة لأعراض نوبة الاستيقاظ المشوش النموذجية، والفرق الوحيد هو حدوث الأول في الصباح خلال الاستيقاظ.
يمكن أن يحدث هذا الاضطراب في أي عمر، ولكنه أكثر شيوعًا لدى الأطفال، كما قد يحدث عند تقطّع أو تشوّش النوم بسبب مشاكل صحيةٍ كوجود حمى مثلًا، أو بسبب قلة النوم أو الصداع النصفي أو اضطرابات في جدول النوم لمن يقومون بمناوبات ليليةٍ مثلًا، كما قد تترافق مع اضطرابات أخرى مثل اضطرابات التنفس أثناء النوم «Sleep disordered breathing»، وبشكل أقل مع متلازمة تململ الساقين «Restless legs syndrome»، والربو الليلي «nocturnal asthma».
2- الكلام أثناء النوم «Somniloquy\Sleep Talking»:
هو اضطراب يتضمن الكلام بصوت عالٍ خلال النوم، ويمكن أن يحدث خلال نوم حركة العين السريعة «REM»، أو نوم حركة العين غير السريعة «NREM»، وفي كلتا الحالتين يحدث نوعٌ من اليقظة يسمح للشخص بالنطق خلال النوم.
قد يكون الكلام مفهومًا أو واضحًا، وقد يكون العكس وهو في الغالب غير ضارٍ، أو حتى غير منطقيٍ، وفي بعض الأحيان قد يكون مسيئًا ومزعجًا للمستمع، ومن الممكن أن يحدث في أي جزء من الليل ولعدة مرات، كما يمكن أن يكون عاليًا جدًا مما يزعج الشريك.
ويعد من الاضطرابات الشائعة، بيد أنّ تقييم مدى شيوعه بدقةٍ صعبٌ، فلا يمكن لأحد أن يعرف أنه يتحدث خلال النوم إلا بوجود شخص مراقب، وعلى الرغم من ذلك تشير التقديرات إلى أنّه أكثر شيوعًا لدى الأطفال بنسبة حوالي 50%، بينما عند البالغين يقدر حوالي بنسبة 5% متساويةٍ بين الذكور والإناث، ويبدو أنه شائع في العائلات المصابة.
3- المشي أثناء النوم «Somnambulism\Sleepwalking»:
اضطرابٌ يشمل نهوض الشخص من السرير والمشي بينما هو نائمٌ، وقد يتضمن في أحيانٍ قليلةٍ أفعالًا معقدةً روتينيةً أخرى دون وعي، كالكلام أو تناول الطعام أو قيادة سيارةٍ أو ممارسة الجنس، وقد يحلم أو يهلوس الشخص بينما يمشي نائمًا، ويكون من الصعب جدًا إيقاظ الشخص الذي يمشي نائمًا، وقد يبدي ردة فعل عنيفة عند القيام بذلك، وعند استيقاظه لن يتذكر غالبًا ما حدث أو قد يتذكر بعض الأشياء، وفي حالاتٍ قليلةٍ جدًا من الممكن أن يتذكر ما حدث بوضوح.
يحدث هذا عادةً خلال الثلث الأول من الليل خلال مراحل نوم حركة العين غير السريعة «NREM»، ويوجد العديد من العوامل المتعلقة بحدوثه، كقلة النوم والتوتر النفسي والحمى وتغيُّر مواعيد النوم، والنوم المتقطع وفي بعض الأحيان ينطلق حدوث ذلك بسبب أمور واضطراباتٍ أخرى لها علاقةٌ بالنوم، مثل اضطرابات التنفس أثناء النوم «Sleep disordered breathing» وتناول بعض الأدوية المحددة ومتلازمة تململ الساقين «Restless legs syndrome» والقلس المعدي المريئي «GERD».
ويرتفع خطر حدوثه لدى عائلات معينة، أي يوجد عوامل متوارثة، وهو شائع الحدوث عند الأطفال، أما عند البالغين فحدوثه لمراتٍ متفرقةٍ قليلةٍ لا يشير إلى خطرٍ عادةً، وتكراره يشير إلى اضطراب نومٍ، ويجب استشارة الطبيب في حال استمرار حدوث ذلك لدى الطفل مع التقدم في العمر، أو عند حدوثه لأول مرة عند بالغٍ، أو في حال كان هذا النشاط يشمل سلوكياتٍ وأفعالًا خطيرةً، وفي حال كان سببًا للتعب والإرهاق خلال النهار، أو أدى إلى إزعاج الشركاء في المنزل.
4- نوبات هلع النوم «Sleep Terrors»:
تتميز النوبة برعب شديد وخوف وصراخ، وقد تترافق بالمشي أثناء النوم كما قد يتعرّق الشخص خلالها ويتسرع نبضه مع أنفاس ثقيلةٍ، ويصبح حادًا في التعامل، وفي بعض الحالات غالبًا عند البالغين، قد ينهض الشخص مسرعًا من السرير ويركض مع علامات خوفٍ، وقد يؤدي ذلك إلى تصرفات عنيفة.
يُمَيَّز هلع النوم عن الكوابيس بوقت حدوثه، فهو يحدث في الثلث الأول من الليل ضمن مراحل نوم حركة العين غير السريعة «NREM» بينما الكوابيس فغالبًا تحدث في الثلث الأخير، كما أنّ الشخص الذي عانى من كابوسٍ يستيقظ ويتذكر تفاصيل الحلم، أمَّا من يعاني من هلع النوبة، فغالبًا سيستمر في النوم، وعندما يستيقظ لن يتذكر ما حدث وقد يتذكر البالغ في أحيانٍ قليلةٍ بعض التفاصيل.
وهو شائع عند الأطفال وبنسبة قليلة عند البالغين، وله أيضًا صلةٌ بالوراثة، والعديد من الأفراد البالغين الذين يعانون من هلع الليل لهم تاريخ لاضطرابات نفسية معينة، كالاضطراب ثنائي القطب، واضطرابات القلق، وبعض الاضطرابات الاكتئابية، أمّا العوامل المؤهبة فهي ذاتها المذكورة في المشي أثناء النوم.
5- اضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي «REM sleep behavior disorder»:
مرحلة نوم حركة العين السريعة «REM»هي المرحلة التي تحدث فيها الأحلام، وفي هذا الاضطراب يتصرف الشخص في الواقع بشكل موازٍ لما يحدث في الحلم، في البدء قد يكون السلوك غير مؤذٍ ولكن قد يصبح مؤذيًا فيما بعد.
ولا يجب الخلط بينه وبين هلع النوم والمشي أثناء النوم، ففي الحالات السابقة يكون من الصعب جدًا إيقاظ الشخص، وعند إيقاظه سيكون مرتبكًا ولا يتذكر شيئًا، عكس ما يحدث في اضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي.
يضم النوم الطبيعي سلاسل متكررة من نمط نوم حركة العين السريعة تتكرر كل ساعة ونصف إلى ساعتين؛ لذا من الممكن أن تتكرر نوبات هذا الاضطراب وفقها.
يصيب الذكور فوق سن الخمسين من العمر، وهو إجمالًا أكثر شيوعًا لدى الذكور من الإناث والأطفال، وقد لُوحظ أنّه يرتبط بمرض باركنسون «Parkinson’s disease»، والضمور الجهازي المتعدد «Multiple system atrophy»، وقد يرفع خطر الإصابة باضطرابات أخرى تسبب النعاس خلال النهار، مثل توقف التنفس أثناء النوم، واضطراب حركة الأطراف الدورية «Periodic limb movement disorder»، والتغفيق أو النوم القهري «Narcolepsy».
أمّا عوامل الخطورة التي تزيد شدة النوبات فقد تتضمن السحب الكحولي، وقلة النوم وأورام جذع الدماغ والسكتة الدماغية وبعض الأدوية، كما قد تزداد نوبات هذا الاضطراب بسبب الكحول وقلة النوم واضطرابات النوم الأخرى وبعض الأدوية.
6- شلل النوم «Sleep Paralysis»:
يصنف من اضطرابات الخطل النومي عندما يحدث بشكلٍ معزولٍ عن أعراضٍ أخرى، وفيه لا يستطيع الشخص تحريك جسمه وذلك إما عند النوم أو الاستيقاظ.
وعادةً ما يجعل الدماغ عضلات الجسم مرتخيةً خلال النوم، وفي شلل النوم يستيقظ الشخص بينما يكون الجسم في هذه الحالة، وخلال ذلك قد لا يستطيع الشخص الكلام أو تحريك أي جزء من جسمه، ومع ذلك يبقى التنفس طبيعيًا، والشخص واعٍ تمامًا لما يحدث، وقد تستمر كل نوبةٍ لثوانٍ أو دقائق وتنتهي غالبًا بشكل تلقائيٍ، ومن الممكن أن تنتهي عند لمس الشخص أو الحديث معه كما قد ينهيها المجهود الشديد لتحريك الجسم.
تبدأ نوبات شلل النوم بالظهور خلال سنوات المراهقة وتصبح أكثر تواترًا خلال العشرينات والثلاثينات وقد تستمر خلال السنوات اللاحقة ولا يُعد شلل النوم المعزول من المشاكل الصحية الخطيرة.
ومن عوامل الخطورة قلة النوم وتغيير مواعيده، والتوتر، كما يبدو أنّه يحدث بشكل أكثر عند النوم على الظهر وقد يرتبط بالاضطراب ثنائي القطب، واستخدام بعض الأدوية وتشنجات القدم المتعلقة بالنوم.
7- متلازمة الرأس المنفجر «Exploding head syndrome»:
اضطراب يسمع فيه المريض صوتًا عاليًا جدًا ومزعجًا ومفاجئًا عند بدء النوم أو عند الاستيقاظ، وقد يصف البعض الإحساس بضوءٍ ساطعٍ مترافق مع الصوت، كما سجل حدوث ارتعاش أثناء ذلك، ولا يترافق هذا الاضطراب بشكلٍ طبيعي مع ألم، ومع ذلك سُجِّلَت حالات قليلة يصف فيها المرضى ألمًا طاعنًا، أو حادًا في الرأس.
ومن غير المعروف مدى شيوع هذا الاضطراب، كما لا توجد أسبابٌ محددةٌ بدقةٍ لحدوثه، وقد لُوحظ أنّه يصيب الإناث بشكل أكبر من الذكور، ومن الممكن أن يبدأ في أي سنٍ، ولكن العمر الوسطي لبدء ظهوره بحسب التقارير هو 58.
ومن المهم تمييزه عن الحالات الأخرى، التي تتسبب بسماع صوتٍ مُتخيَّل، مثل بعض الاضطرابات النفسية، أو استخدام أدويةٍ معينةٍ تسبب ذلك، أو تعاطي المخدرات، أو بسبب اضطراب نوم آخر.
8- الكوابيس «Nightmares»:
عندما تحدث الكوابيس بشكلٍ مستمرٍ ومتكررٍ بطريقةٍ تجعل الشخص في منأىً عن نومٍ مريحٍ يعدها اضطراب نوم، وقد يتسبب ذلك بالقلق والتوتر عند الشخص، وقد يخاف من الذهاب للنوم، كما قد يشعر بالرعب والقلق عند الاستيقاظ؛ بسبب كابوسٍ ما ومن الممكن ألّا يستطيع العودة للنوم، وقلة النوم هذه ونوعيته الرديئة الناتجة عن ذلك؛ تزيد من شدة الاضطراب وتسبب النعاس أثناء النهار.
تحدث الكوابيس عند الأطفال، وبشكلٍ خاصٍ بين عمر 3- 6 سنواتٍ، وتكون شديدةً عند 50% منهم لدرجةٍ تجعلهم يوقظون والديهم، وتصل الذروة بعمر 10 سنوات، بعدها عادةً تنخفض، وقد تستمر لدى البعض، وتكون مشكلةً حياتيةً مستمرةً لدى هؤلاء الأفراد، وتكون عند البالغين أقل تواترًا وشدةً، كما تسجل الإناث حالاتٍ أكثر من الذكور.
وتضم عوامل الخطورة، القلق والتوتر ونظام النوم غير المنتظم، والإنهاك والتعب، وقد يرتبط ارتفاع تواتر حدوثها بأدويةٍ معينةٍ كالأدوية المضادة للاكتئاب، وبعض أدوية ارتفاع الضغط، وأدوية داء باركنسون، والكوابيس التي تسبب مشاكل في النوم قد تكون مرتبطةً بحالةٍ طبيةٍ أخرى، أو اضطراب نومٍ آخر، أو تعاطي مخدرات، أو أدويةٍ معينةٍ، أو اضطراباتٍ نفسيةٍ وعقليةٍ أخرى، كالاكتئاب واضطرابات القلق، واضطراب الكرب التالي للصدمة.
ومن اضطرابات الخطل النومي الأخرى، هي التبول في السرير، والهلوسة أثناء النوم، وتناول الطعام أثناء النوم، وبشكلٍ عامٍ اضطرابات النوم تحتاج رعايةً طبيةً، خاصةً إن كانت تسبب مشاكل صحية، أو كانت تؤدي إلى سلوكياتٍ مؤذيةٍ، والعلاجات غالبًا ما تتضمن الوقاية من حدوث أي أذى بتزويد مكان النوم بوسائل أمانٍ تختلف حسب الاضطراب، وكذلك قد يتضمن العلاج أدويةً تختلف أيضًا حسب الاضطراب، بالإضافة إلى تجنب عوامل الخطورة وعلاج الاضطرابات المرافقة.
- ترجمة: دانيا الدخيل
- تدقيق: رجاء العطاونة
- تحرير: أحمد عزب