استخدم مفاعل تشيرنوبل أربعة مفاعلات من نوع آر بي إم كي- 1000(RBMK-1000) المصممة من قبل الاتحاد السوفيتي , وهو تصميم يعترف به الآن كعيب جوهري ,يستخدم ذلك النظام وقود اليورانيوم U-235 المخصب لتسخين المياه، مولداً بذلك البخار الذي يحرك توربينات المفاعلات ويولد الكهرباء. في الحقيقة أصبح لب المفاعل النووي في النوع آر بي إم كي -1000 أكثر تفاعلا كونه ينتج البخار محدثا بذلك حلقة من ردود الفعل الإيجابية والمعروف باسم معامل الفقاعات الإيجابى““positive-void coefficient..
مقال لتيموثي يورجنسن Timothy Jorgensen ،جامعة جورجتاون Georgetown 25 أبريل 2016
تيموثي يورجنسن هو مدير برنامج الدراسات العليا لفيزياء الصحة والحماية من الإشعاع في جامعة جورجتاون ، ومؤلف كتاب )وهج غريب: قصة الإشعاع “Strange Glow: The Story of Radiation” (مطبعة جامعة برينستون، 2016.
في مثل الشهرين الماضيين، برزت اثنتان من أفظع كوارث محطات الطاقة النووية,هما الحادي عشر من مارس هو الذكرى الخامسة لحادثة “فوكوشيما” في اليابان، و السادس والعشرين من أبريل هو الذكرى السنوية الثلاثين لحادثة “تشرنوبيل” في أوكرانيا . فكلتا الحادثتين تضمنتا انصهاراً لقلب المفاعل النووي، وكذلك تلقت الحادثتان أعلى تصنيف خطورة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية (المستوى السابع )، وشملت كلتا الحادثتين إجلاء لمئات الآلاف من السكان والتسبب في تشرد الكثير من المواطنين.
تركت الحادثتان إرثاً من التلوث الإشعاعي على نطاق واسع في البيئة، وهذا النشاط الإشعاعي سوف يستمر لسنوات قادمة.
على الرغم من الجهود الجبارة المبذولة لتنظيف نتائج تلك الحادثتين فقد كان من اللازم أن تتوجه العناية إلى أمرين: أولهما ضرورة التدريب العالي للموظفين في علوم الإشعاع قبل السماح لهم بالتمركز في الموقع. وثانيهما بدء مضاعفة الجهود لتثقيف أفضل للجيل القادم من خبراء الحماية من الإشعاع لمنع الكوارث النووية في المستقبل. ولكن من المؤسف أن كلاهما لم يفعل بالشكل المطلوب . بل من غريب المفارقات
انخفاض الاستثمار في الحكومة الاتحادية للولايات المتحدة في تدريب موظفين الإشعاع، بدلا من أن يرتفع، خلال السنوات التي تلت الحوادث النووية، وهي الآن في أدنى مستوياتها منذ عقود.
وباعتراف الجميع، كان حادث تشرنوبيل أكبر بكثير من فوكوشيما، سواء من حيث كمية الإشعاعات التى أصدرها أو الآثار الصحية العامة. ولكن هناك اختلاف كبير آخر بين تشرنوبيل وفوكوشيما وهو أن حادث تشرنوبيل كان من صنع الإنسان كلياً. فقد كان بسبب “اختبار الأمان” والذى جرى بشكل خاطئ للغاية، نتيجة لعدم الكفاءة، إضافة إلى التضليل والتستر مما زاد الأمر سوءا.
كان يمكن منع وقوع الحادث تماماً، وكان يمكن التخفيف من آثاره، مع التدريب الفعال والإدارة والرقابة التنظيمية.
فوكوشيما ،في المقابل، كان نتيجة مؤسفة لوقوع كارثة طبيعية عبارة عن لزلزال مدمر تلاه تسونامي اخترقت أمواجه الجدران البحرية وغمرت مباني المفاعل. ولكن حتى في حالة فوكوشيما، ساهم الخطأ البشري في حدوث هذه المشكلة. المخاطر الحقيقية من التسونامي لم تكن مقدرة كما يجب في صناعة الطاقة النووية على الرغم من وجود الأدلة، لذلك لم تكن الجدران البحرية على القدر الكافي من الارتفاع لصد كارثة هذه الموجات. ولا ينبغي أن يتم وضع إمدادات الطاقة الاحتياطية للمفاعل في أقبية مبنى المفاعل ولكن بدلا من ذلك كان يجب أن يتم وضعها على أرض مرتفعة، أعلى بكثير من المستوى الذي من شأنه أن يشكل تهديدا من جهة الفيضانات.
علاوة على ذلك، كانت هناك أخطاء في التصميم الهندسي في فوكوشيما. على سبيل المثال، أدى خطأ في برمجة (مفتاح الأمان) إلى غلق الصمامات تلقائياً في نظام التبريد التي كان ينبغي أن تظل مفتوحة، مما أدى إلى انهيار القلب في وحدة المفاعل 1 . بالإضافة إلى ذلك، الانهيار التام للتواصل بين شركة طوكيو للطاقة الكهربائية والحكومة والجمهور، مما جعل من الصعب التعامل مع هذه المشكلة خلال الأزمة.
على الرغم من أنه لم يكن في المقدور منع الزلزال والتسونامي, فقد كان من شأن تحسين التنبؤ والتدريب أن يخفف من آثاره, وربما كان من شأنه أيضاً أن يمنع انصهار قلب المفاعل بصورة كاملة.
ما الذي تعلمناه إذن من تشرنوبيل وفوكوشيما، أسوأ الحوادث النووية في كل العصور؟
الأخطاء البشرية هي التي يجب إلقاء اللوم عليـها بدلا من قوى الطبيعة الخارجية، وقد كانت أيضا القرارات السيئة من قبل الموظفين الفنيين هي الأسباب الرئيسية التي لا تزال سبباً رئيسياً للعواقب البيئية بعد الحدث بسنوات عديدة.
قد يعتقد المرء أن كلما كان تدريب خبراء الإشعاع أكثر وأفضل سيكون هذا هو المفتاح لمنع الحوادث النووية وأن هؤلاء الموظفين يمثلون خط الدفاع الأول في تفادي الحوادث المستقبلية لحوادث محطة الطاقة النووية .
مع ذلك- وبشكل يثير الدهشة- لم يعد هذا الاتجاه سائداً الآن في الولايات المتحدة. فإنه يتم تدريب الطلاب في مهن الإشعاع الآن بصورة أقل مما كانت عليه في ذلك الوقت من الحوادث، ويتم إغلاق برامج تدريب الإشعاع بمعدل ينذر بالخطر، وهذا يرجع اللى حد كبير إلى نقص وجود الدعم الاتحادي للتعليم في مجال الإشعاع.
عقدت مؤخراً ورشة عمل لمعالجة المشكلة من قبل المجلس الوطني للحماية من الإشعاع والقياسات الإشعاعية (NCRP) – وهي منظمة علمية تابعة للولايات المتحدة استأجرتها الحكومة الفدرالية التي تقدم المشورة بشأن قضايا الحماية من الإشعاع – وخلصت نتائج الورشة أن البلاد على حافة النقص الحاد في خبراء الإشعاع بحيث لن يتم تلبية الاحتياجات الوطنية الملحة مستقبلاً ”
بمعنى أن المشكلة الأساسية هي عدم وجود ما يكفي من خبراء الإشعاع حتى يجري تدريبهم حاليا ليحلوا محل من هم على وشك التقاعد.
في صناعة الطاقة النووية في الولايات المتحدة، عدد الذين تحولوا للعمل من القوات النووية التابعة للبحرية الأمريكية إلى مصانع الطاقة النووية قد غطى نقص عدد العاملين الذي تحتاجهم تلك المصانع ولكن هذا التدفق من الأفراد غير قابل للاستمرار، وNCRP تتوقع نقص شديد في خبراء الإشعاع المؤهلين في غضون عشر سنوات.
نظرا لأنه يمكن أن يستغرق الأمر من سنتين إلى سبع سنوات من الدراسات العليا لتصبح مدربا تدريبا كاملا، فإنه لا يوجد لدينا الكثير من الوقت حتى نغير مسار هذا الاتجاه المشؤوم.
ليس هناك شك في أن التدريب والإدارة والرقابة غالية الثمن. ولكن تكلفة إنشاء وصيانة هذه التدابير الوقائية ليست سوى جزء صغير من تكلفة التنظيف الواقع بعد الحادث.
بالنسبة للمبالغ التي أنفقت على تنظيف الآثار في تشرنوبيل وفوكوشيما، كان من الممكن إنفاقها على تدريب وإبقاء جيش من المهندسين ذوي المهارات العالية والكفاءة النووية وفيزيائيين الصحة ومفتشين المفاعل، ومديري المخاطر والمتخصصين في الاتصالات و غيرهم من خبراء الإشعاع .
في وجود مثل هذا الجيش المؤهل والمدرب، يمكن أن تكون الطاقة النووية هي الأسلم من بين جميع خيارات الطاقة، سواء من حيث الصحة العامة أو الأثر البيئي، حتى وإن أخذنا بالاعتبار المخاطر التي تحدث غدراً من الكوارث الطبيعية. ولكن طالما أننا- كمجتمع – أهملنا الوقاية وفشلنا في توفير التمويل اللازم لتدريب خبراء إشعاع على درجة عالية من الكفاءة، سوف نعيش دائماً في ظل تهديد حقيقي من حزم أمتعتنا في يوم من الأيام والخروج من المدينة , تاركين ديارنا وأراضينا الملوثة بالإشعاع لتحتلها الحياة البرية.