يعود تاريخ العلاقة بين الكحول والبشر إلى قرابة 30 ألف عام، وقد يصل إلى مئة ألف مثلما يزعم البعض. الكحول هو سائل قابل للاشتعال نحصل عليه بواسطة عملية التخمير التي تحدث طبيعيًا في السكريات. وفي يومنا هذا يُعد الكحول المادة المؤثرة نفسيًا الأكثر استخدامًا بين البشر حول العالم، ويأتي قبل النيكوتين والكافيين والفوفل. صنعته مجتمعات ما قبل التاريخ وتناوله الناس في القارات جميعها، ما عدا القارة القطبية الجنوبية، في أشكال وكوكتيلات مختلفة اعتمادًا على تنوع السكريات الطبيعية الموجودة في الحبوب والفواكه.
تاريخ الكحول:
معرفة اللحظة الأولى التي تناول فيها البشر الكحول مجرد تكهن. إنتاج الكحول عملية طبيعية. وقد أشار الباحثون إلى أن الرئيسيات والحشرات والطيور قد شاركت عرَضيًا في إيجاد الفواكه والثمار المخمرة. رغم عدم وجود دليل يؤكد تناول أسلافنا القدماء السوائل المتخمرة، فإنه يبقى احتمالًا يجب أخذه في الحسبان.
قبل مئة ألف سنة، نجد أنه في لحظة ما أدرك بشر العصر الحجري أو أسلافهم أن ترك الفواكه في أسفل وعاء أو مستوعب فترةً طويلة من الزمن يؤدي إلى تحولها إلى شراب كحولي.
يفسر بعض الباحثين الأجزاء المبهمة من الفن الكهفي الذي يعود إلى حقبة العصر الحجري الأعلى -30 ألف عام قبل الميلاد- الذي تجلى في أعمال شعوب الشامان، الذين كانوا متدينين حاولوا التواصل مع قوى الطبيعة والكائنات الخارقة. عمل الشامان تحت تأثير حالات متغيرة من الوعي استطاعوا بلوغها بالغناء والموسيقى أو الصيام أو بمساعدة الأدوية المنشطة نفسيًا كالكحول. تشير بعض أقدم الرسوم الكهفية إلى نشاطات شعوب الشامان، وقد اقترح بعض الباحثين أن تلك الشعوب قد بلغت حالات الوعي المتغيرة باستخدام الكحول.
25 ألف عام قبل الميلاد: تمثل منحوتة فينوس أوف لوسيل -التي وُجدَت في كهف في فرنسا يعود إلى العصر الحجري الأعلى- منحوتة لامرأة تحمل قرن الوفرة -رمز النماء- أو قرن يعود لثور بيسون. وقد فسر باحثون هذا القرن بأنه مخصص للشراب.
منذ 13 ألف عام قبل الميلاد: تطلب الأمر لتحضير شراب مختمر عمدًا حاوية لتخزين الشراب بينما تحدث عملية التخمر. يعود تاريخ أقدم آنية فخارية صُنعَت إلى قرابة 15 ألف عام في الصين.
منذ عشرة آلاف عام قبل الميلاد: أثبت وجود بذور العنب في كهف فرانشيشتي في اليونان احتمالية استهلاك البشر للكحول آنذاك.
في الألفية التاسعة قبل الميلاد: أقدم فاكهة استزرعها البشر كانت شجرة تين.
الألفية الثامنة قبل الميلاد: بدأ البشر بزراعة محاصيل الأرز والشعير واستخدموها لإنتاج الكحول.
الإنتاج:
تملك المواد الكحولية خصائص مسكرة تؤثر في العقل، سُمِح لنخبة المجتمع وعلماء الدين بتناولها فقط، لكنها استُخدمِت أيضًا للحفاظ على الترابط الاجتماعي في إطار الاحتفالات، في المجتمعات التي سُمِح فيها للأشخاص بتناولها. ربما استُخدمِت بعض المشروبات المستخلصة من الأعشاب بوصفها علاجات دوائية أيضًا.
7000 عام قبل الميلاد: يعود أقدم دليل على إنتاج النبيذ إلى جِرار وُجدت في موقع جياهو الصيني، الذي يعود إلى حقبة العصر الحجري الحديث. أظهر تحليل أُجرِي على الجرار وجود بقايا مزيج من أرز وعسل وفاكهة مختمرة.
5400-5000 عام قبل الميلاد: دل وجود حمض الطرطير في الأوعية الخزفية على صناعة النبيذ على نطاق واسع في فيروز تيب في إيران.
بين عامي 4400 و 4000 قبل الميلاد: أقدم دليل على صنع الخمر في منطقة بحر إيجه، العثور على نوى عنب وقشور عنب وكؤوس شراب في موقع ديكي تاش اليوناني.
عام 4000 قبل الميلاد: وُجدت منصة لسحق العنب وجِرار استُخدمَت لتخزين العنب المسحوق، دليلًا على صناعة الخمر في أرمينيا.
بداية الألفية الرابعة قبل الميلاد: أُنتِج الخمر والبيرة في مواقع كثيرة في بلاد ما بين النهرين وآشوريا والأناضول. وقد تاجر الناس بالخمر بوصفه بضاعة فاخرة مميزة. في الفترة ذاتها تشير رسوم في مدفن مصري يعود إلى عصر ما قبل الأسرات وأواني نبيذ إلى وجود دليل على إنتاج محلي للبيرة المصنعة من الأعشاب.
بين عامي 3400 و2500 قبل الميلاد: امتلكت مجتمعات حقبة ما قبل الأسرات الحاكمة في هييرانكوبوليس في مصر عددًا كبيرًا من منشآت الخمر المصنع من القمح أو الشعير.
الكحول سلعةً تجارية
تصعب معرفة مكان إنتاج الخمر والبيرة المعد للتجارة. يبدو واضحًا أن الكحول كان مادة مميزة ذات أهمية في الشعائر والطقوس الدينية أيضًا. وقد تشاركت الحضارات وتاجرت في هذه السوائل، إضافةً إلى تقنيات تحضيرها في وقت باكر.
عام 3150 قبل الميلاد: عُثِر في إحدى الحجرات في مدفن الملك العقرب الأول -أحد أوائل ملوك عهد الأسرات الحاكمة في مصر- على 700 جرة يُعتقَد أنها صُنعِت ومُلئَت بالخمر في بلاد الشام وشُحنت بحرًا إلى الملك ليتناولها.
بين عامي 330 -1200 قبل الميلاد: جرى استهلاك الخمر خلال الشعائر والطقوس الدينية وعند صفوة القوم في مواقع تعود إلى العصر البرونزي الباكر في اليونان، في الثقافتين المينوسية والميسينية.
بين عامي 1600-722 قبل الميلاد: خُزنِت الكحول المصنوعة من الحبوب في أواني برونزية محكمة الإغلاق عند سلالتي شانغ (1600-1046 قبل الميلاد) وتشو الغربية (1046-722 قبل الميلاد) في الصين.
بين عامي 200-1400 قبل الميلاد: يؤكد دليل نصي أن بيرة الشعير والأرز، والبيرة المحضّرة من مواد أخرى كالحشائش والأعشاب والفواكه قد أُنتجت في شبه القارة الهندية في الحقبة الفيدية.
بين عام 1700-1550 قبل الميلاد: صُنعت البيرة من الذرة الصفراء وأصبحت مهمة في الطقوس الدينية لدى سلالة كيرما التي حكمت المملكة الكوشية في السودان حاليًا.
القرن التاسع قبل الميلاد: غدت بيرة تشيتشا المصنوعة من مزيج من الذرة الصفراء والفواكه جزءًا مهمًا من الاحتفالات والولائم ولإظهار المكانة في أمريكا الجنوبية.
القرن الثامن قبل الميلاد: ذكر هوميروس «نبيذ برامنوس» في ملحمتي «الإلياذة» و«الأوديسة».
«عندما أدخلت سيرس الأرغونوتس إلى منزلها وأجلستهم على المقاعد، حضرت لهم وجبة من الجبن والعسل ونبيذ برامنيان، لكنها ملأته بسموم مؤذية حتى ينسوا مواطنهم. وعندما شربوا، حولتهم إلى خنازير بلعنة من عصاها وحبستهم في حظائر الخنازير التي تمتلكها». (هوميروس، الأوديسة، الكتاب العاشر).
بين القرنين الثامن والخامس قبل الميلاد: أنتج الإتروسكان أول خمر في إيطاليا وفقًا لبيلني الرئيس. وقد تعلموا دمج النبيذ وصنعوا مشروب المُسكات.
عام 600 قبل الميلاد: أسس الإغريق مدينة مرسيليا ثم جلبوا الخمر ونبات الكرمة إلى تلك المدينة الساحلية العظيمة في فرنسا.
بين عامي 530-400 قبل الميلاد: أُنتجَت البيرة المصنوعة من الحبوب ونبيذ العسل في وسط أوروبا -في هوشدوراف في ألمانيا حاليًا- في العصر الحديدي.
بين عامي 500-400 قبل الميلاد: يعتقد بعض الباحثين مثل إف. أر. ألشين أن عملية تقطير الكحول ربما وُجدت باكرًا في تلك الفترة في الهند وباكستان.
بين عامي 425-400 قبل الميلاد: شكل إنتاج الخمر في ميناء لاتاترا الفرنسي على البحر المتوسط بداية حقبة صناعة الخمر في فرنسا.
القرن الرابع قبل الميلاد: كان لدى المستعمرة الرومانية منافسة مملكة قرطاج في شمال إفريقيا شبكة تجارة واسعة تخصصت بالخمر -الخمر الحلو المحضَّر من العنب المجفف بالشمس- وبضائع أخرى في جميع أنحاء منطقة المتوسط.
وفقًا لأفلاطون فقد وُضعَت قوانين صارمة في قرطاج منعت القضاة والحكام وأعضاء هيئة المحلفين والمستشارين والجنود من استهلاك الخمر في أثناء عملهم، ومنعت العبيد من تناوله على الدوام.
الإنتاج التجاري للنبيذ وانتشاره
يرجع للإمبراطوريتين اليونانية والرومانية معظم أعمال التسويق التجاري للعديد من السلع المختلفة ومنها إنتاج المشروبات الكحولية.
القرن الأول والثاني قبل الميلاد: انتشرت تجارة النبيذ في منطقة البحر المتوسط بدعم من الإمبراطورية الرومانية.
بين 150 قبل الميلاد و350 ميلادي: أصبح تقطير الكحول شائعًا في شمال غرب باكستان.
عام 92 ميلادي: منع دوميتيان زراعة الكروم الجديدة في المقاطعات لأن المنافسة تضر بالسوق الإيطالية.
القرن الثاني الميلادي: بدأ الرومان بزراعة العنب وإنتاج النبيذ في وادي موسيل بألمانيا، وأصبحت فرنسا منطقة رئيسية لإنتاج النبيذ.
القرن الرابع الميلادي: تطوير عملية التقطير في مصر والجزيرة العربية.
150 قبل الميلاد – 650 ميلادي: استُخدِم مشروب مصنع من الصبار المخمر مكملًا غذائيًا في العاصمة المكسيكية تيوتيهواكان.
بين عامي 300-800 ميلادي: تناول البلش -المصنوع من العسل واللحاء- والشيشا -البيرة المصنوعة من الذرة- في الولائم التي أقيمت في عهد المايا الكلاسيكية.
500-1000 ميلادي: أصبحت بيرة تشيتشا عنصرًا مهمًا في الاحتفال بتيواناكو في أمريكا الجنوبية، ويتجلى ذلك في «كيرو» الكلاسيكي الذي يمثل كأس شراب متوهج.
القرن الثالث عشر الميلادي: انتشر المشروب الكحولي المصنوع من الصبار المخمر في دولة الأزتك في المكسيك.
القرن السادس عشر الميلادي: انتقل إنتاج النبيذ في أوروبا من الأديرة إلى التجار.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: طارق العبد
تدقيق: نور عباس