الكون مليء بمليارات المجرات وتريليونات النجوم، بالإضافة إلى أعداد لا تحصى تقريبًا من الكواكب والأقمار والكويكبات والمذنبات وسحب الغبار والغاز وكلها تدور في اتساع الفضاء. ولكن إذا تعمقنا فيها فما هي اللبنات الأساسية لبناء هذه الأجرام السماوية؟ ومن أين جاءت؟
الهيدروجين هو العنصر الأكثر شيوعًا في الكون، يليه الهيليوم فهما يشكلان معًا تقريبًا كل المواد الاعتيادية. لكن هذا لا يمثل سوى شريحة صغيرة من مكونات الكون بما يعادل تقريبًا 5٪. كل ما تبقى مصنوع من أشياء لا يمكن رؤيتها ولا يمكن اكتشافها إلا بطريقة غير مباشرة.
الهيدروجين على الأغلب
بدأ كل شيء بانفجار كبير منذ حوالي 13.8 مليار سنة، عندما توسعت مادة فائقة الحرارة ومكتظة الكثافة بشكل مفاجئ وسريع في جميع الاتجاهات في وقت واحد.
بعد ميلي ثانية، كان الكون حديث الولادة عبارة عن كتلة ثقيلة من النيوترونات والبروتونات والإلكترونات والفوتونات وغيرها من الجسيمات دون الذرية المتهيجة عند درجة حرارة حوالي 100 مليار درجة كلفن، وفقًا لوكالة ناسا.
تقول نيتا باهكال Neta Bahcall أستاذة علم الفلك في قسم علوم الفيزياء الفلكية في جامعة برينستون في نيو جيرسي: «نشأ كل جزء من المادة الذي يشكّل جميع العناصر المعروفة في الجدول الدوري وكل جسم في الكون، من الثقوب السوداء إلى النجوم الضخمة إلى بقع غبار الفضاء، خلال الانفجار الكبير. نحن لا نعرف حتى قوانين الفيزياء التي كانت موجودة في مثل هذه البيئة الحارة والكثيفة».
بعد حوالي 100 ثانية من الانفجار العظيم، هبطت درجة الحرارة إلى 1 مليار درجة كلفن. بعد حوالي 380,000 عام، كان الكون قد برد بدرجة كافية لتتجمع البروتونات والنيوترونات لتشكل الليثيوم والهيليوم والديوتريوم -نظير الهيدروجين- بينما كانت الإلكترونات الحرة محاصرة لتكوين ذرات محايدة.
نظرًا لوجود عدد كبير من البروتونات المنطلقة في الكون المبكر، أصبح الهيدروجين -العنصر الأخف وزنًا مع بروتون واحد فقط وإلكترون واحد- هو العنصر الأكثر وفرة، إذ يمثل حوالي 95٪ من ذرات الكون. وحوالي 5٪ من ذرات الكَون هي الهيليوم، وفقًا لناسا.
بعد حوالي 200 مليون سنة من الانفجار العظيم، تشكلت النجوم الأولى وأنتجت بقية العناصر، التي تشكل جزءًا من النسبة المتبقية والبالغة 1٪ من جميع المواد العادية في الكون.
الجسيمات غير المرئية
نشأ شيء آخر أثناء الانفجار العظيم وهو المادة المظلمة. «لكن لا يمكننا تحديد الشكل الذي تتخذه، لأننا لم نكتشف تلك الجسيمات» كما تقول باهكال لصحيفة Live Science.
لا يمكن ملاحظة المادة المظلمة بشكل مباشر -حتى الآن- ولكن بصماتها محفوظة في ضوء الكون الأول، أو كما يسمى إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (CMB)، بمثابة تقلبات صغيرة في الإشعاع.
اقترح العلماء وجود المادة المظلمة لأول مرة في ثلاثينيات القرن الماضي، إذ افترضوا أن جذب المادة المظلمة غير المرئية يجب أن يكون هو الذي يحافظ على تماسك العناقيد المجرية سريعة الحركة.
بعد عقود، في السبعينيات، وجد عالم الفلك الأمريكي فيرا روبين دليلًا غير مباشر أكثر على المادة المظلمة في معدلات دوران النجوم بشكل أسرع من المتوقع.
بناءً على نتائج روبن، حسب علماء الفيزياء الفلكية أن المادة المظلمة -على الرغم من أنه لا يمكن رؤيتها أو قياسها- يجب أن تشكل جزءًا مهمًا من الكون.
ولكن قبل حوالي 20 عامًا، اكتشف العلماء أن الكون كان يحمل شيئًا أكثر غرابةً من المادة المظلمة وهي الطاقة المظلمة، التي يُعتقد أنها أكثر وفرةً بكثير سواء من المادة أو المادة المظلمة.
قوة لا تقاوم
جاء اكتشاف الطاقة المظلمة لأن العلماء تساءلوا عما إذا كان هناك ما يكفي من المادة المظلمة في الكون لتسبب تمدد الكون، أو بالاتجاه المعاكس لتسبب انهيار الكون إلى الداخل على نفسه. عندما تحقق فريق من الباحثين من ذلك في أواخر التسعينيات، وجدوا أن الكون لا ينهار على نفسه، بل كان يتوسع بمعدل أسرع من أي وقت مضى.
استنتج فريق العمل أن القوة المجهولة التي يطلق عليها الطاقة المظلمة كانت تسحب الكون في الفراغ الظاهري للفضاء وتساهم في تسريع زخمه. وأدى هذا الاكتشاف إلى فوز علماء الفيزياء آدم ريس وبريان شميدت وشاول بيرلماتر بجائزة نوبل في الفيزياء في عام 2011.
تشير نماذج المحاكاة للقوة المطلوبة لتفسير معدل توسع الكون المتسارع إلى أن الطاقة المظلمة يجب أن تشكل ما بين 70 – 75٪ من الكون. وفي الوقت نفسه، تمثل المادة المظلمة حوالي 20 – 25٪، في حين أن ما يسمى المادة الاعتيادية -الأشياء التي يمكن أن نراها في الواقع- تقدر بأنها تشكل أقل من 5٪ من الكون.
بالنظر إلى أن الطاقة المظلمة تشكل نحو ثلاثة أرباع الكون، فهذا يعني إنها تشكل التحدي الأكبر الذي يواجه العلماء اليوم، وفقًا لما قاله عالم الفيزياء الفلكية ماريو ليفيو: «رغم أن الطاقة المظلمة لم تلعب دورًا هائلًا في تطور الكون في الماضي، فإنها ستلعب الدور الأكبر في التطور في المستقبل. مصير الكون يعتمد على طبيعة الطاقة المظلمة».
اقرأ أيضًا:
بقايا اصطدام نجم نيوتروني يحل لغز معدل تمدد الكون
«نظرية الحرباء» تقدم شرحًا بديلًا لتكوّن الكون
ترجمة: سرمد يحيى
تدقيق: جعفر الجزيري