لا أحد فينا يهتم كثيرًا بموضوع الرمل، إلا عندما نذهب إلى شاطئ البحر ونستخدم الرمال لصنع قلاع صغيرة، لكن قلّ أن نفكر فيها حقّا. من بعيد، تبدو لنا الرمال كامتداد ذهبي من سطح الأرض يلتقي بزرقة البحر. مع ذلك، سيبدو المنظر مختلفًا إن حدقت إلى حبة رمل من خلال عدسة مجهرية، سيظهر لك عالم جديد تمامًا. لذا فالجواب عن سؤال «ممّ يتكوّن الرمل» سيأخذنا في رحلة رائعة عبر الزمن وفي أعماق البحار.
الرمل متكوّن من صخور متآكلة:
عندما يلفظ النهر حمولته في المحيط، فإنه يستفرغ بعض الرمال على طول الساحل، في حين تعمل الأمواج باستمرار على جرّ تلك الرمال المستفرغة في البحر وترتيبها على حافته، ما يخلق خطوطًا ساحلية رائعة نستريح فيها خلال الإجازات الصيفية.
ستبدو الرمال مختلفة قليلاً في أجزاء مختلفة من العالم، وذلك حسب أنواع الصخور التي فتّتها النهر.
عادة ما يُصنع الرمل البني والذهبي من الفلسبار، وهو معدن يتدرج من اللون البني إلى الأسمر، وكذلك معدن المرو (أو الكوارتز) ، الذي يحتوي على أكسيد الحديد، ما يمنح الرمل صبغة ذهبية-بنية. ينتج الرمل الأسود الغامق عن صخور البازلت التي تنشأ إثر النشاطات البركانية. يوجد هذا النوع من الرمال في قشرة المحيط أو حيثما وُجد نشاط بركاني كبير، مثل جزر هاواي.
يُحدّد حجم حبيبات الرمل من خلال تحديث كيفية تجوية -تفتيت الصخور ونقل الفتات وترسيبه- الحبوب. حبيبات الرمل الدقيقة تعني أنها تعرضت للعوامل الجوية لوقت أطول بواسطة الماء.
يدرس الجيولوجيون المعادن الموجودة وسط الرمال، بيد أنها يمكن أن تخبرهم الكثير عن اليابسة وكيف تشكلت. على سبيل المثال، بدراسة الرمال الغنية بالبازلت في هاواي، يمكن دراسة أصول الجزيرة وتحديد متى وكيف تشكلت.
من المثير للاهتمام أن رمال الصحراء تأتي أيضًا من الرمال القريبة من الشواطئ. عندما تضرب الأمواج الساحل من زاوية الشرق أو الغرب، فإنها تسحب رمال الشاطئ وتحركها طوليًا، ما يمدّد طول السواحل. لكن الرياح تضرب الرمال أحيانًا من جهة الشمال، فتؤدي إلى نثر هذه الرمال في المناطق البعيدة عن البحر وتكوين الكثبان الرملية.
الرمل متكوّن من الهياكل العظمية وأصداف الكائنات البحرية:
تساهم الكائنات الحية أيضًا في صنع الرمل. في الواقع، يتكون الرمل من هياكل العديد من اللافقاريات، مثل البطلينوس والمرجان وغيرها من الكائنات ذات الأصداف البحرية، التي تحملها الأمواج أحيانا إلى الشاطئ حيث تستقر ثم تتآكل ببطء شديد لتصبح في النهاية حبيبات رمل ناعمة.
شواطئ برمودا الوردية:
هناك عدد قليل من الكائنات الحية الأخرى التي تساهم في إنتاج الرمل حول العالم، مثل فورامينيفيرا Foraminifera. على سبيل المثال، وحيدات الخلية هذه مسؤولة عن تكوين الشواطئ الوردية في برمودا.
وتنمو هذه المنخربات الحمراء بالقرب من الشعاب المرجانية في برمودا. عندما تموت تُنقل هياكلها العظمية ذات القشرة الحمراء إلى الشاطئ، فتختلط مع الرمال البيضاء لخلق رمال وردية فريدة من نوعها.
الرمل مُتكوّن من فضلات سمكة الببغاء:
يُصنع الرمل كذلك من البراز. نعم، لقد سمعت هذا صحيحًا … وتحديدًا براز سمكة الببغاء.
تُشبه أسماك الببغاء أسماك بقرة البحر. وتقضي هذه الأسماك الاستوائية الملونة ما يقرب من 90٪ من وقتها في أكل الشعاب المرجانية، أو بالأحرى الطحالب التي تنمو على الشعاب المرجانية، وتستخدم أفواهها الصلبة التي تشبه المنقار لتتخلص من قطع الشعاب المرجانية وأكلها في وجباتهم اليومية.
تُهضم الطحالب الموجودة داخل الشعاب المرجانية عندما مرورها عبر أمعاء سمكة الببغاء، بينما تبقى كربونات الكالسيوم الصخرية، نظرًا لأن سمكة الببغاء لا تستطيع هضمها، بل تفرزها على شكل مسحوق ناعم.
تتبرز سمكة الببغاء كثيرًا هذا المسحوق الناعم، لدرجة تشكيل شواطئ بأكملها! إذ يمكن أن تُنتج سمكة ببغاء كبيرة ما يصل إلى 450 كلغ من رمل كربونات الكالسيوم في عام واحد. فمثلًا، تتشكل الشواطئ الاستوائية البيضاء الفاتنة في هاواي وجزر المالديف ومنطقة البحر الكاريبي أساسًا من براز سمكة الببغاء.
الرمل متكوّن من مواد عضوية:
على الرغم من تعذر رؤيتها بالعين المجردة، فإن الرمال تحتوي على نظام مجهري غني ومهم يساعد على توازن النظم البيئية الكبيرة وغيرها من النظم البيئية المرتبطة ببعض.
تعيش الطحالب بقدر كبير وسط الرمال، حيث تقوم بعملية التمثيل الضوئي وإنتاج مجموعة متنوعة من الجزيئات، ومنها الأكسجين، وهذا ما يجعلها جزءًا مهمّا في أي نظام بيئي صحي. وتعتمد العديد من الكائنات البحرية أو التي تعيش على خط الساحل على هذه الطحالب، ما يجعلها أيضا عنصرًا أساسيًا في شبكة الغذاء.
الشاطئ الزجاجي في كاليفورنيا مصنوع من القمامة:
قد تؤدي النفايات البشرية أيضًا إلى تكوين شواطئ. في عام 1949، بدأت ولاية كاليفورنيا في استخدام المنطقة التي أصبحت الآن «الشاطئ الزجاجي» (Glass Beach) كمنصة لرمي النفايات بجميع أنواعها، من المركبات والطعام إلى الأواني والزجاج. في النهاية، بعد ما يقرب من 20 عامًا، أدركت السلطات أن إلقاء القمامة هناك لم يكن فكرة سديدة وقامت إثرها بغلق تلك المنطقة.
بعدها انطلقت تدريجيًا العديد من مبادرات التنظيف بالعمل على الشاطئ وأزالت النفايات السامة، وبدأت المواد القابلة للتحلل بالتفكك. في حين قام الماء بعمله المتمثل في فصل القطع الصغيرة من الزجاج والمعادن من الطين وتقريبها من بعض، ما أعطى الشاطئ منظرًا متعدد الألوان.
ختامًا وباختصار، ليست الغاية الوحيدة من وجود الرمال هي بناء قلاع رملية على الشاطئ أو أخذ حمام تحت أشعة الشمس. فهي تفتح لنا منافذ أخرى لرؤية العالم من حولنا ومكاننا فيه.
اقرأ أيضًا:
ماذا يوجد تحت الكثبان الرملية في الصحاري الحارقة؟
ترجمة: رضوان بوجريدة
تدقيق: جعفر الجزيري