أُضيفت دراسة جديدة إلى مجموعة من الأبحاث حول كيفية تأثير شخصية الوالدين والصحة العقلية في نمو الطفل الاجتماعي والعاطفي والمعرفي الحركي. تشير النتائج التي نُشرت في مجلة Infant Behavior and Development، إلى أن ممارسات الأبوة والأمومة تؤدي دورًا وسيطًا في المعادلة.
تواصل دراسات علم النفس إيجاد أدلة على أن شخصية الوالدين وعلم النفس المرضي يؤثران في نمو الطفل. وفقًا لنموذج الأبوة والأمومة المعروف الذي وصفه جاي بيلسكي عام 1984، فإن خصائص الوالدين تملي جزئيًا أساليب الأبوة والأمومة. مثلًا، وُجد أن الأمهات المصابات بالعصابية العالية أقل دعمًا لأبنائهن.
بالتوسع في هذه الأفكار، اقترح مؤلف الدراسة أليخاندرو فاسكيز إتشيفيريا وفريقه أن سمات الأم مثل الاكتئاب وسمات الشخصية، قد تؤثر في نمو الطفل من خلال ممارسة الأمومة. أهم من ذلك، في حين أن كل هذه المتغيرات مترابطة، فإن معظم الدراسات درستها منفصلةً. سعى فاسكيز وفريقه لاستكشاف كيفية تفاعل عمليات الأبوة والأمومة المختلفة، باستخدام بيانات مقطعية من عينة تمثيلية على المستوى الوطني من أمريكا اللاتينية.
أوضح فاسكيز: «تتضمن النماذج التقليدية الأكثر استخدامًا للأبوة والأمومة وأثرها في نمو الطفل سلسلة من التوقعات، مثلًا، سمات الصحة العقلية والشخصية لمقدم الرعاية، إضافةً إلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة».
مع ذلك، حللت القليل من الدراسات هذه المتغيرات في وقت واحد، في علاقتها بممارسات الأبوة والأمومة ونمو الطفل الاجتماعي والعاطفي والمعرفي. هذا مهم لأنه –عمومًا- لكل هذه العوامل علاقات متبادلة مهمة. قد يكون فهم كيفية عمل هذه العوامل معًا لتشكيل نمو الطفل مفيدًا في تحسين تصميم السياسات العامة، وفي تثقيف المهنيين الذين يهدفون إلى تعزيز نمو الطفل أو التربية الإيجابية».
حلل الباحثون البيانات المأخوذة من مسح الطفولة المبكرة للأسر في أوروغواي، الذي يُسمى مسح التغذية ونمو الطفل والصحة (ENDIS). ركز الباحثون على البيانات التي أبلغت عنها الأمهات، مع عينة نهائية من 4693 طفلًا، تتراوح أعمارهم بين حديثي الولادة و6 سنوات، وأمهاتهم. إضافةً إلى المعايير الديموغرافية مثل دخل الأسرة، أكملت الأمهات معايير أعراض الاكتئاب، والسمات الشخصية الخمس الكبرى: الانبساطية والقبول والضمير والعصابية والانفتاح على التجربة.
أكملت الأمهات أيضًا تقييمات لسلوك أطفالهن، مع عناصر مصممة لتقييم النمو الحركي المعرفي والنمو الاجتماعي والعاطفي. أجرى المحاور إضافةً إلى ذلك ملاحظة للطفل في بيئته المنزلية، تضمنت تقييمات لعدوانية مقدم الرعاية، وعاطفته تجاه الطفل.
كشفت النتائج أن السمات الشخصية للأمهات مرتبطة بنتائج نمو الطفل. تميل الأمهات اللائي حصلن على درجات أقل في العصابية، وأعلى في الانبساط والقبول والانفتاح على التجربة والضمير، إلى إنجاب أطفال يتمتعون بنمو إدراكي حركي أفضل ومشكلات سلوكية أقل. الأمهات الأكبر سنًا، أبلغن عن دخل أسري أعلى، وكان لديهن أعراض اكتئاب أقل، وانخرطن في تربية إيجابية، ويملن أيضًا إلى إنجاب أطفال يتمتعون بنمو معرفي حركي واجتماعي وعاطفي أفضل.
طبق الباحثون تحليلات المسار لمواصلة استكشاف العلاقات بين هذه المتغيرات. وجدوا أن التطور الاجتماعي والعاطفي مرتبط مباشرةً بممارسات الأبوة والأمومة لدى الأمهات وأعراض الاكتئاب. أيضًا فإن ممارسات الأبوة والأمومة والاكتئاب الأمومي مسؤول جزئيًا عن العلاقة بين دخل الأسرة والنمو الاجتماعي والعاطفي للأطفال. عمومًا، يبدو أن اكتئاب الأمهات مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنمو الاجتماعي والعاطفي للأطفال أكثر من ارتباطه بالشخصية.
أوضحت ممارسات الأبوة والأمومة جزئيًا العلاقة بين أعراض اكتئاب الأمهات والمشكلات الاجتماعية والعاطفية للأطفال. يقول المؤلفون إن هذا يتماشى مع الأبحاث التي تشير إلى أن الأمهات المكتئبات يملن إلى أن يكنّ أقل استجابة عاطفية. قد ينتج عن نقص الاستجابة بيئة غير مواتية وأقل تحفيزًا للطفل، ما يضر بتطوره الاجتماعي والعاطفي.
ارتبطت ممارسات الأبوة والأمومة ارتباطًا مباشرًا بنمو الأطفال الإدراكي والحركي. يرتبط انفتاح الأمهات ودخل الأسرة ارتباطًا غير مباشر بنمو الأطفال، من خلال ممارسات الأبوة والأمومة. وفقًا لمؤلفي الدراسة، تؤكد هذه النتائج الدور المهم للتربية الإيجابية في نمو الأطفال الإدراكي والحركي.
صرح فاسكيز: «إن تأثيرات المتغيرات البعيدة -مثل الشخصية والحالة الاجتماعية والاقتصادية- على نمو الطفل قد تُفسر من خلال المتغيرات الوسيطة، لا سيما ممارسات الأبوة والأمومة. بعبارة أخرى، وجدنا ارتباطات بين المستويات الأعلى من أعراض الاكتئاب، والوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض للأسرة، وانخفاض انفتاح الوالدين من ناحية، والأمهات اللائي يمارسن ممارسات أبوية أقل دفئًا وأكثر قسوة من ناحية أخرى. عمومًا، تساعد دراستنا على تحسين الفوارق الدقيقة للأدوار الخاصة بالعوامل الأساسية لممارسات الأبوة والأمومة وتأثيرها في نتائج الطفل».
يقر فاسكيز وفريقه بأنه لا يمكن إثبات السببية، لأن دراستهم اعتمدت على بيانات مقطعية. قد تلقي الدراسات الطولية المستقبلية مزيدًا من الضوء على العلاقة الاتجاهية للمتغيرات. مع ذلك، يقولون إن نتائجهم قد تساعد في تقديم التدخلات للأطفال الصغار وأمهاتهم.
اقرأ أيضًا:
لا ترغبين في الإنجاب ولا تريدين أن تشعري بالندم؟ إليك سبعة أسباب لعدم الخوف
ثمانية أنماط سامة للعلاقة بين الأم وابنتها
ترجمة: سامية الشرقاوي
تدقيق: محمد سمير المنوفي