مُكتشف الموجات الراديوية السيرة الذاتية لـ هاينريش هيرتز 1857 – 1894
اكتشف هيرتز من خلال سلسلة تجارب الأمواج الراديوية، وبرهن صحة نظرية العالم ماكسويل في الكهرومغناطيسية، واكتشف أيضًا الأثر الكهرضوئي، معطيًا بذلك أحد الأدلة على وجود العالم الكمّي. وسمّيت واحدة التردد (التواتر) بـ «الهيرتز» تكريمًا له.
بداية حياته
وُلد هاينريش رودولف هيرتز في الثاني والعشرين من شهر شباط/فبراير من العام 1857 في المدينة الألمانية الساحلية هامبورغ. وكان أكبر إخوته الخمسة. والدته هي آنا اليزابيث فيفيركورن وهي ابنة فيزيائي، ووالده غوستاف فرديناند هيرتز، كان محاميًا ثمّ أصبح عضوًا في مجلس الشيوخ.
كان جدّ هيرتز لأبيه رجل أعمال يهودي ثري، تزوج من عائلة لوثرية (ذات علاقة بالمُصلِح الديني لوثر) وتحوّل إلى المسيحية، ترعرع هيرتز بجوٍّ من الإيمان فقد كان كل من والديه لوثريّين. وقد اهتما بتعليم ابنهما هيرتز.
حياته المدرسية
بدأ هيرتز دراسته بمدرسة الدكتور فيتشارد لانغ في هامبورغ التي كانت مدرسة خاصة للبنين تابعة للمعلم المشهور (فريدريتش فيتشارد لانغ-Friedrich Wichard Lange). كانت المدرسة تتبع طرائق تدريس بعيدة عن التأثير الديني، فكانت تركز على الأطفال آخذة بعين الاعتبار الاختلافات الفردية بينهم.
كانت متشددة أيضًا، فكان الاجتهاد والمنافسة على المكان الأول في الصف حاضرَيْن بين الطلاب. وبالنسبة لهيرتز فكان يستمتع بوقته المدرسيّ وكان الأول في صفّه.
وعلى غير العادة فلم تدّرس المدرسة اللغتين اليونانية واللاتينية الأساسيتين من أجل الدخول إلى الجامعة. أخبر هيرتز الصغير أبويه أنه يريد أن يصبح مهندسًا. عندما بحثا عن مدرسة لولدهم هيرتز قرّرا أنّ التركيز على ما هو بديل عن مدرسة لانغ، بما في ذلك دراسة مختلف العلوم، هو الخيار الأفضل.
كانت والدة هيرتز على وجه الخصوص شغوفة بتعليم ابنها، مُدركة أنّ ابنها يملك موهبة طبيعية في صنع الأشياء والرسم، ونظمت له دروس رسم التصميمات أيام الأحد في كلية تقنية، والتي قد بدأها بعمر الحادية عشرة.
تربيته المنزلية وصنعه للأدوات العلمية
غادر هيرتز المدرسة وكان عمره خمس عشرة سنة ليُكمل دراسته في المنزل، وكان قد قرّر أنّه من الممكن أن يلتحق بالجامعة لاحقًا فتلقى دروسًا في اليونانية واللاتينية بغرض التحضير للاختبارات.
برع في اللغات ولربما كانت براعته هذه هبةً موروثةً من والده. وكان أستاذ اللغة ريدسلوب الذي أعطى هيرتز بعض الدروس في العربية قد نصح والده أن هيرتز ينبغي أن يتعلم اللغات الشرقية، معجبًا بمهارته الطبيعية التي لم يرَ أعظم منها قط.
بدأ هيرتز بدراسة العلوم والرياضيات في المنزل، مستعينًا أيضًا بمدرّس خصوصي. وكان يميل إلى العمل الجاد برغبة كبيرة جدًا، حتى قالت أمه عنه يومًا: «عندما يجلس مع كتبه، فلا يستطيع أحد مضايقته أو حتى إبعاده عنها».
استمر هيرتز بالذهاب إلى الكلية التقنية أيام الأحد بعد مغادرته مدرسته العادية، وكان يقضي المساء بالعمل اليدوي، وتعلم العمل على المخرطة، وصنع النماذج المختلفة، ثمّ بدأ بصناعة الأدوات العلمية بتطور متزايدٍ باستمرار، مثل منظار التحليل الطيفي (وهو أداة تُستخدم لقياس خصائص الضوء على جزء من الطيف الكهرومغناطيسي)، واستخدم هذه الأدوات بتجاربه الفيزيائية والكيميائية الخاصة.
دراسته للهندسة المعمارية وخدمة الجيش
عاد هيرتز في سن السابعة عشر إلى مدرسة جوهانيوم لمدة عام كاملٍ ليتحضر للامتحانات التي ستؤهله لدخول الجامعة، وعدل عن رأيه حالما نجح في الاختبارات مقررًا أن يصبح طالبًا في الهندسة المعمارية. انتقل إلى مدينة فرانكفورت وعمل هناك في مكتب للهندسة صباحًا، وعند المساء كان يقرأ كتب الفيزياء بالألمانية بالإضافة إلى كتب الأدب اليوناني القديم باليونانية القديمة طبعًا!
ولكن سرعان ما ضجر من الهندسة المعمارية، وفي ربيع عام 1876 وقد كان عمره تسع عشرة سنة عاد إلى مدينة دريسدن مرة أخرى ليدرس الهندسة. وبعد بضعة أشهر أُخِذ إلى الخدمة العسكرية الإلزامية لمدة عام. بالرغم من إعجابه بانضباط حياة الجيش إلّا أنّه وجدها مملة، وكتب في وقتٍ ما وبتعاسةٍ إلى أهله: «إنني أكبر يومًا بعد يوم مدركًا كم أنّي عديم الفائدة في هذا العالم». وفي هذا الحين تزايد اهتمامه بالرياضيات والفيزياء بشكل مستمر.
هيرتز العالِم (الفيزياء في ميونخ)
بعد أن أكمل خدمته العسكرية، ذهب هيرتز إلى مدينة ميونخ ليبدأ بدراسة الهندسة في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 1877، وبعد شهر من الألم الداخلي الشديد ترك دراسته، وقرر أن يصبح فيزيائيًا قبل أي شيء آخر.
فالتحق هيرتز بجامعة ميونخ، واختار منها دورات في الرياضيات المتقدمة والميكانيك والفيزياء والكيمياء التجريبيتين، وبعد نجاح سنته الأولى في ميونخ انتقل إلى جامعة برلين بسبب امتلاكها مخابر فيزياء أفضل.
العمل بمختبرات هيلمهولتز وإدراك موهبة هيرتز
بدأ هيرتز بعمر الواحد وعشرين العمل بمختبرات الفيزيائي العظيم هيرمان فون هيلمهولتز في برلين، وكان لابد لهيلمهولتز أن يلاحظ موهبة فريدة في هيرتز فطلب منه أن يعمل على حل معضلة كان هو نفسه مهتمًا بحلها. كانت هذه المعضلة هي موضع نقاش حاد بين هيلمهولتز والفيزيائي ويلهلم ويبر.
عرض قسم الفلسفة في جامعة برلين وبتشجيع من هيلمولتز جائزة لمن يستطيع حل المعضلة القائلة: هل تنتقل الكهرباء بوجود العطالة؟
ويمكن إعادة صياغة السؤال كالتالي: هل يملك التيار الكهربائي كتلة؟
أو وكما صاغه هيرتز: هل يملك التيار الكهربائي طاقة حركية؟
بدأ هيرتز بالعمل على حلها وجعله شغفه يلتزم كل صباح إمّا بمحاضرة علم ديناميك تحليلي أو بمحاضرة كهرباء ومغناطيسية، وكان يجري التجارب المختلفة في المخبر حتى الساعة الرابعة مساءً، ثمّ يقرأ ويقوم ببعض الحسابات، ويغرق بتفكيره في المساء.
أعد هيرتز تجارب خاصة به والتي كان يعتقد أنّها من الممكن أن تجيب على سؤال هيلمهولتز، وبدأ يستمتع بأعماله هذه وكتب مرة إلى منزله: «لا أستطيع أن أخبركم عن مدى الراحة التي أشعر بها عندما أجني المعرفة لنفسي وللآخرين من الطبيعة مباشرة بدلًا من أن أتعلم من الآخرين ونفسي فقط».
حصوله على الجائزة
مُنح هيرتز الجائزة وهي ميدالية ذهبية في شهر آب/أغسطس من العام 1879 وكان عمره 22 سنة آنذاك. وبعد سلسلة من التجارب بالغة الدقة أثبت أنّه بحال امتلاك التيار الكهربائي لكتلة ما فيجب أن تكون صغيرة للغاية، وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ هيرتز أنجز عمله هذا قبل أن تُكتشف حوامل الشحنة (الإلكترونات) حتى.
وكان هذا الاكتشاف الخاص بالعالم طومسون قد حصل في عام 1897، أي بعد ثمانية عشر عام من عمل هيرتز.
كتلة 1.109× من الإلكترونات تساوي 1 كيلوغرام، وكتلة نفس العدد من الأشخاص يساوي أكثر من 30 نظام شمسي يشبه نظامنا…كتلة الإلكترون صغيرة حقًا.
بدأ الفيزيائيون الآخرون يلاحظون كم كان عمل هيرتز مُبهرًا حقًا، ذلك الطالب الشاب الذي جمع التجارب المختلفة لتكون في مقدمة علوم الفيزياء، وعدّل بنفسه على الأدوات والأجهزة العلمية كلما اقتضت الحاجة. وكانت خبراته العملية التي طوّرها في منزله خلال أوقات المساء لاتُقدَّر بثمن. وكان قد نُشر عمله الحائز على الجائزة في صحيفة «Annalen der Physik» ذات الأهمية.
وبعد أن أدرك هيلمهولتز موهبة هيرتز الكبيرة التي حصل عليها في مختبره، عرض عليه أن يشترك بجائزة مُقدمة من أكاديمية برلين لمن يثبت نظرية ماكسويل في الكهرومغناطيسية. فكان ماكسويل قد أعلن عام 1864 أنّ الضوء عبارة عن موجة كهرومغناطيسية وأنّه من الممكن أن تتواجد أنواع أخرى من الموجات الكهرومغناطيسية.
الدكتوراه في الفيزياء
رفض هيرتز العمل على الجائزة، فكان يعتقد أنّ العمل بدون ضمانة نجاحه قد يأخذ عدة سنوات، وكان طموحًا جدًّا فأراد أن يعطي نتائج جديدة ويؤسس لنفسه سريعًا.
وبدلًا من العمل عليها أنجز مشروعًا بارعًا خلال ثلاثة أشهر عن الحث الكهرومغناطيسي، ودوّن ذلك كأطروحة والتي كانت السبب بحصوله على الدكتوراه في الفيزياء في شهر شباط/فبراير من عام 1880 وذلك بعمر 23 سنة.
وسرعان ما عيّنه هيلمهولتز كأستاذ مساعد، ثم كتب هيرتز لاحقًا في ذلك العام: «إنّني أنمو ويزداد إدراكي وبطرق أكثر ممّا توقعت بأنّي في مركز مجالي الخاص، وفي حال كان يُعتبر هذا حماقة أم حكمة، فإنّه في الحالتين شعور ممتع جدًا».
بقي هيرتز في مختبر هيلمهولتز حتى عام 1883، وفي هذا الوقت كان قد نشر 15 ورقة بحثية في الصحف الأكاديمية.
الفيزياء الرياضية في كييل
كان هيرتز فيزيائيًا تجريبيًا موهوبًا، ولكن مع ذلك لم يحظَ بمنصب المحاضِر في جامعة برلين بسبب المنافسة الكبيرة. بدلًا من ذلك أصبح هيرتز وبدعم من هيلمهولتز محاضرًا في جامعة كييل (Kiel)، وهنا بدأت العلوم النظرية بتوسيع قدراته بدلًا من تلك التجريبية، فبدأ يتمكّن من معادلات ماكسويل وكتب في يومياته: «كنت جادًّا في فهم كهرومغناطيسية ماكسويل فكانت كل ما أعمل عليه أوقات المساء».
كانت نتيجة عمل هيرتز ورقة بحثية ذات قيمة عالية تقارن نظرية ماكسويل الكهرومغناطيسية مع النظريات المنافسة، وقد ذكر فيها أنّ نظرية ماكسويل هي الأكثر تبشيرًا. في الحقيقة أعاد هيرتز صياغة معادلات ماكسويل بصيغة ملائمة أكثر. كتب هيرتز لاحقًا: «منذ البداية كانت نظرية ماكسويل الأكثر روعة… تناقضت فرضياتها الأساسية مع الرؤى المعتادة، ولم تكن مدعومة بالأدلة الحاسمة».
اكتشاف الأمواج الراديوية
إن كنت ترغب معرفة بعض التفصيلات التقنية لاكتشاف هيرتز يمكنك زيارة الرابط من هنا
المخابر المجهزة جيدًا ودورها بتركيز جهده لحل المشكلة الأكبر
في شهر آذار/مارس من عام 1885 وبعد أن يأس هيرتز من عودته للفيزياء التجريبية، انتقل إلى جامعة كارلسروه. وفي عمر 28 سنة أصبح أستاذًا جامعيًا، وكان قد عُرض عليه منصبا أستاذية آخران، وإن دل هذا على شيء فإنّه يدل على سمعته الكبيرة. ولكنّ هيرتز اختار كارلسروه لأنّها تملك التجهيزات الأفضل في مختبراتها.
وبينما كان هيرتز في حيرة من أمره حول توجيه بحثه، فذهبت أفكاره إلى العمل على الجائزة التي كان قد فشل هيلمهولتز بإقناعه بالعمل عليه منذ ست سنوات سابقًا وهو (إثبات نظرية ماكسويل بالتجربة). قرر هيرتز أنّ المشروع العظيم هذا هو الذي سيركز عليه في بحثه بجامعة كارلسروه.
الشرارة التي غيرت كل شيء
بعد بضعة أشهر من المحاكمات التجريبية بدأت العوائق التي وقفت حائلة دون إثبات نظرية ماكسويل بالتلاشي، بدأ الأمر كله بشرارة واحدة!
بدأ الأمر بملاحظة حصلت بمحض الصدفة في أوائل شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 1886، وذلك عندما كان هيرتز يُري الطلاب شرارات كهربائية، بدأ هيرتز يفكر عميقًا بهذه الشرارات وتأثيرها على الدارات الكهربائية، فبدأ سلسلة من التجارب وقام بتوليد الشرارات بطرق مختلفة.
لاحظ هيرتز شيئًا مذهلًا، فكانت الشرارت تنتج اهتزازًا كهربائيًا منتظمًا خلال الأسلاك الكهربائية التي كانت تنتقل بينها، وكان يتحرّك الاهتزاز ذهابًا وإيابًا في الثانية الواحدة أكثر من كل ما صادفه هيرتز أثناء أعماله في الكهرباء. عرف هيرتز أنّ الاهتزاز كان سببه تسارع الشحنات الكهربائية وتباطؤها بشكل سريع، وإن كانت نظرية ماكسويل صحيحة فإنّ هذه الشحنات ستشع أمواجًا كهرومغناطيسية ستعبر الهواء بسلوك مماثل لسلوك الضوء تمامًا.
إنتاج الأمواج الراديوية والكشف عنها
قام هيرتز في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1886 بصنع الأداة العلمية الموضحة بالشكل التالي:
المذبذِب، في نهايتيه توجد كرتان مجوفتان من الزنك بقطر 30سم، كل كرة موصولة بسلك من النحاس يمتد إلى الوسط إذ يوجد فراغ صغير تنتقل به الشرارات.
طبّق هيرتز جهدًا متناوبًا عاليًا على الفراغ الموجود في المنتصف مولدًا شرارات تسببت بنبضات شديدة من التيار الكهربائي في أسلاك النحاس، فارتدّت هذه النبضات خلال الأسلاك وتدافعت إلى الأمام والخلف بمعدل ما يقارب مئة مليون مرة في الثانية.
وتوقع ماكسويل أنّ الشحنات الكهربائية المتذبذبة أصدرت أمواجًا كهرومغناطيسيةً (أمواجًا راديوية) والتي انتشرت عبر الهواء حول الأسلاك. وصلت بعض الأمواج إلى بعد متر ونصف إذ يوجد ملف نحاسي على شكل حلقة ما أدى هذا إلى اندفاعات من التيار الكهربائي خلالها نتج عنها شرارات قفزت في الفراغ الموجود في الحلقة. يعد توليد هيرتز للأمواج الراديوية والكشف عنها نصرًا تجريبيًا، فقد مرر الطاقة الكهربائية عبر الهواء من جهاز لآخر على بعد أكثر من متر عنه دون الحاجة لأسلاك توصيل.
أهمية اكتشاف هيرتز
بعد ثلاث سنوات تالية ومن خلال عدة تجارب أكد هيرتز نظرية ماكسويل، وبرهن بلا شك أنّ أداته العلمية التي صنعها كانت تنتج الأمواج الراديوية، شارحًا أنّ الطاقة التي تُشع من المذبذِب الكهربائي الذي صنعه يمكنها أن تنعكس وتنكسر وتنتج أنماط تداخل كما تنتج أمواجًا ثابتة تمامًا كالضوء.
أثبتت تجربة هيرتز أنّ الأمواج الراديوية والضوء ينتميان لنفس العائلة التي ندعوها اليوم «الطيف الكهرومغناطيسي».
الطيف الكهرومغناطيسي، (اكتشف هيرتز الجزء اللاسلكي من الطيف)
ولكن الغريب في الأمر أنّ هيرتز على الرغم من ذلك لم يقدّر الأهمية العلمية الهائلة للأمواج الراديوية التي أنتجها. وقال يومًا: «لا أعتقد أنّ الأمواج اللاسلكية التي اكتشفتها سيكون لها أي تطبيق عملي».
وكان هذا بسبب كون هيرتز واحدًا من أعرق العلماء وكان يهتم بتصميم التجارب فقط لإغواء الطبيعة فتكشف عن أسرارها له، ومجرد أن حقق ذلك كان يكمل طريقه فاسحًا المجال للآخرين ليستخدموا أية تطبيقات عملية. وسرعان ماغيرت الأمواج التي ولّدها لأول مرة هيرتز عام 1886 العالَم!
قام غوليونو ماركوني بتقديم طلب براءة اختراع للاتصالات اللاسلكية عام 1896، وفي عام 1901 كان قد نقل إشارة لاسكية عبر المحيط الأطلسي من بريطانيا إلى كندا.
كان اكتشاف هيرتز حجر الأساس للكثير من تقنيات الاتصال العصرية التي نملكها، ومنها الراديو والتلفاز والأقمار الصناعية وأجهزة الهواتف المحمولة فكلها تعتمد على هذا الاكتشاف، حتى أفران المايكروويف تستخدم الأمواج الكهرومغناطيسية، فالأمواج تتخلخل في الطعام وتسخنه من الداخل بسرعة.
كما أنّ قدرتنا على تحديد الأمواج الراديوية غيرت علم الفلك، فقد سمح لنا علم الفلك الراديوي أن «نرى» ميزات لايمكن رؤيتها في القسم الظاهر من الطيف. ولأنّ البرق يرسل أمواجًا راديوية نستطيع أيضًا أن نستمع إلى العواصف الرعدية على كوكبي زحل والمشتري.
يدين الناس العلماء منهم وغير العلماء بالكثير للعالِم هاينريش هيرتز.
الأثر الكهروضوئي
في عام 1887 أبلغ هيرتز وكجزء من عمله في الكهرومغناطيسية عن ظاهرة قد كان لها آثارًا بالغة الأهمية على مستقبل الفيزياء وفهمنا الأساسي للكون. أصبح اسم هذه الظاهرة فيما بعد بـ «الأثر الكهروضوئي».
عرض هيرتز الإشعاع فوق البنفسجي على معدن ذي شحنة كهربائية، ولاحظ أنّ هذا الإشعاع تسبب بخسارة المعدن لشحنته أسرع من أي طريقة أخرى.
كتب هيرتز هذه الملاحظة المثيرة للاهتمام ونُشرت في صحيفة «Annalen der Physik»، وتركها ليتعقبها الآخرون. كان من الممكن لهذه الظاهرة أن تكون آسرةً لهيرتز نفسه ليبحث فيها أكثر ولكنّه كان قلقًا بالعمل على مشروع ماكسويل خاصّته في ذلك الوقت.
اندفع المجرّبون إلى دراسة الظاهرة التي أعلن عنها هيرتز، وفي عام 1899 أقرّ طومسون مكتشف الإلكترون أنّ الأشعة فوق البنفسجية انتزعت بالفعل الإلكترونات من المعدن المشحون.
كان هذا سبب إعادة تفكير العالم آينشتاين بنظرية الضوء، وكان قد اقترح عام 1905 بشكل دقيق أنّ الضوء يسير بحزم طاقة مستقلة تدعى الفوتونات، والفوتونات الموجودة في الأشعة فوق البنفسجية تملك كمية الطاقة المناسبة لتتفاعل مع الإلكترونات الموجودة في المعادن، عن طريق منح الإلكترونات الطاقة الكافية لتُنتزع من المعدن.
وكان شرح آينشتاين عن الأثر الكهروضوئي أحد مفاتيح إنشاء طريقة جديدة بالكامل لوصف الأحداث على مستوى الذرات (الفيزياء الكميّة). وكان آينشتاين قد مُنح جائزة نوبل في الفيزياء لعام 1921 لشرحه الأثر الذي اكتشفه هيرتز قبل 34 عام.
نزع الإلكترونات من المعدن بسبب الطاقة الكافية لفوتونات الأشعة فوق البنفسجية
بعض تفاصيل حياة هيرتز الشخصية ونهايتها
تزوج هيرتز عام 1886 من إليزابيث دول في كارلسروه وكان عمره 29 عامًا، وكانت إليزابيث ابنة أحد أختصاصيي الرياضيات. أنجب هيرتز وزوجته ابنتين (جوانا وماتيلد)، أصبحت الابنة ماتيلد فيما بعد عالمة أحياء لها أثرها، وأوجدت اكتشافات مهمة وممتعة في مجال (قدرة الحيوانات على حل المشاكل).
وفي عمر 35 عام أصيب هيرتز بمرض شديد، وكان يعاني من صداع نصفي شديد، ظن الأطباء أنّه أصيب بعدوى وأجروا له عدة عمليات، ولكنّ حالته الصحية استمرت بالتدهور، وتوفي بعمر السادسة والثلاثين بمدينة بون بتاريخ الأول من كانون الثاني/يناير عام 1894 بالتهاب الأوعية الدموية الذي كان سببه مشاكل أصابت جهازه المناعي، ودُفن هيرتز في مسقط رأسه بمدينة هامبورغ بمقبرة أولسدورف.
سُميت واحدة التردد (التواتر) بـ «الهيرتز» عام 1930 من قبل اللجنة الكهروتقنية الدولية (IEC)، واعترف بها المؤتمر العام للأوزان والمقاييس رسميًا عام 1960.
ترجمة: سارة عمّار
تدقيق: عبدالسلام الطائي
المصدر