تشكل الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية تهديدًا متزايدًا على صحة الإنسان، ويحذر الخبراء أنه بغياب التدخل السريع واسع المدى سننزلق إلى حقبة ما بعد المضادات الحيوية. وبينما يتجه العالم مباشرةً تجاه هذا الطريق الخطير، فإننا نسحب معنا الكائنات البحرية أكثر وأكثر. وجدت دراسة طويلة المدى ازديادًا في مقاومة مُسببات المرض Pathogens عند الدلافين الشائعة قارورية الأنف Tursiops Truncates للمضادات الحيوية في نهر لاغون بفلوريدا، ويبدو أننا مسؤولون بشكل جزئي على الأقل عن هذا الخطأ.
عندما حلل الفريق بيانات جُمعت خلال ثلاثة عشر عامًا مبنيةً على عينات مسح مأخوذة من الحيوانات، وجدوا أن 88% من 733 من مسببات المرض المعروفة كان مقاومًا لمضاد حيوي واحد على الأقل، والعديد من العضويات الموجودة في العينة معروفة بأنها تصيب الإنسان أيضًا.
بالرغم من أن مقاومة المضادات الحيوية عند دلافين هذه المنطقة وُثِّقَت من قبل، القليل من الدراسات اختبرت هكذا دراسة على امتداد فترة زمنية بهذا الطول، والنتائج مثيرة للقلق.
يقول آدم شيفر Adam Schaefer عالم الأوبئة من جامعة فلوريدا أتلانتيك: «أبلغنا في عام 2009 عن ارتفاع المقاومة للمضادات الحيوية عند الدلافين الشائعة، الأمر الذي كان غير متوقع، تابعنا منذ ذلك الحين التغيرات خلال الزمن ووجدنا زيادة هائلة في المقاومة للمضادات الحيوية في عينات معزولة من هذه الدلافين، يشبه ذلك ما يحدث في محيط الرعاية الصحية عند البشر».
اليوم، بدأنا نتعلم ببطء أن النشوء السريع للجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية يحدث على مستوى العالم، ليس فقط في مشافينا، لكن في المحيطات أيضًا.
تشير أبحاث حديثة إلى أن مياه البحار تشكل خزانًا عالميًا هائلًا للجينات المقاومة للمضادات الحيوية. منذ عقد مضى، حذر فريق علماء في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي NOAAأن ذلك يُحدِث قلقًا متزايدًا بشأن النظم الحيوية البحرية.
عندما نتناول المضادات الحيوية، تأيض -تقوم بعملية التمثيل الغذائي- أجسامنا الأدوية بشكل جزئي، بينما تطرح كميات كبيرة منها في البول والبراز. ومن المحتمل أن المضادات الحيوية البشرية أو المعطاة إلى الماشية تتسرب خارج مصانع معالجة الصرف الصحي -التي لم يُصمَم العديد منها للتخلص من المضادات- وينتهي بها المطاف في المحيطات.
مع استمرار تراكم الأدوية في البيئة المائية، يبدو أن الكائنات البحرية تتعرض بشكل مزمن لمزيج من المواد الكيميائية، ولذلك تأثيرات سامة حتى لو كانت التركيزات منخفضة.
يقول غريغوري بوسارت Gregory Bossart قائد المسؤولين البيطرييين في حوض الأحياء البحرية في جورجيا: «الدلافين قارورية الأنف نوع رقيب قيِّم يساعدنا في فهم كيفية تأثير ذلك على الإنسان والبيئة الصحية».
في هذه الدراسة، عُزِلت 733 عينة من 171 دلفين في نهر لاغون في ولاية فلوريدا في الفترة الممتدة بين عامي 2003 حتى 2015، مع عينات مأخوذة من الأنف والمعدة وبراز هذه الحيوانات.
في السلالات الجرثومية المعزولة من الدلافين، ازدادت المقاومة للمضادات بشكل كبير على مدى السنين، وبلغت ذروتها في مضادات الإيريثرومايسين erythromycin 92% والأمبيسيلين ampicillin 77% والسيفالوثين cephalothin 61%.
عند الوصول إلى عينات الجرثومة الإشيريكية الكولونية – E. coli بلغت المقاومة لمضاد السيبروفلوكساسين- ciprofloxacin أكثر من الضعف، ومستويات جرثومة الزائفة الزنجارية Pseudomonas aeruginosa كانت الأعلى مقارنةً بأي عضوية حية أخرى.
واحدة من المسببات المرضية التي عُثِر عليها، تدعى جرثومة الراكدة البومانية Acinetobacter baumannii، وهي مصدر قلق بالغ للإنسان مع ازدياد معدلات الإنتان بها بشكل كبير خلال العقد الماضي.
يقول بيتر مكارثي Peter McCarthy عالم الأحياء الدقيقة في جامعة فلوريدا أتلانتيكا: «بالإضافة إلى السلالات المقاومة في المشافي، سُجِّلَت سلالات مقاومة مرتبطة بالأسماك وتربيتها حول العالم. يمثل مؤشر المقاومة للمضادات المتعددة المرتفع لهذه البكتيريا المعزولة من دلافين نهر لاغون قلقًا كبيرًا على الصحة العامة».
يقول مؤلفو الدراسة أن هذه النتائج تعكس الاتجاه الحديث في السلالات المقاومة السريرية عند البشر، وفي الوقت الذي تحتاج فيه العلاقة بين مقاومة المضادات الحيوية والبيئة المائية إلى دراسات أكبر، هناك أسباب للشك أن الإنسان متورط بطريقة ما.
تحشد اللاغون في فلوريدا -حيث تعيش هذه الدلافين- عددًا كبيرًا من السكان ولديها مشاكل بيئية. في هذه الحالة يشرح شيفر لصحيفة الغارديان: «من المحتمل أن المضادات الحيوية تدخل نهر اللاغون عبر خزانات الصرف الصحي أو من الجريان السطحي للأراضي القريبة أو من تفريغ المياه العذبة من الأقنية».
اختتم مؤلفو الدراسة اعتمادًا على هذه المؤشرات بأنه من المرجح أن العينات المعزولة من الدلافين ناتجة عن مصدر تُستخدَم فيه المضادات الحيوية بشكل منتظم وأنها دخلت إلى البيئة البحرية بسبب النشاطات البشرية أو من خلال مصادر أرضية مثل خزانات الصرف الصحي.
لكن شاطئ فلوريدا ليس الوحيد الذي يحدث فيه ذلك، والدلافين ليست الثدييات الوحيدة الحاملة لهذه العضويات المسببة للمرض.
في وقت سابق من هذا العام، وجدت دراسة شملت 11 عجلاً وخنزير بحر في Puget Sound في ولاية واشنطن أن 80% منها حملت جراثيمًا مقاومةً للعقاقير، وأكثر من نصفها حمل جراثيمًا مقاومةً لأكثر من مضاد حيوي واحد. ما زال السبب الرئيسي لذلك غير معروف، لكنّ الباحثين هناك أكدوا أيضًا احتمالية لعب البشر دورًا مهمًا في ذلك.
سوف نحتاج مزيدًا من الأبحاث قبل أن نتأكد من حقيقة ما يجري.
نُشرَت هذه النتائج في Aquatic Mammals.
اقرأ أيضًا:
ما العلاقة بين المضادات الحيوية والحساسية؟
ترجمة: راما الصوا
تدقيق: سمية المهدي