قام فريق دولي من العلماء بلاحظة كيفية حدوث ظاهرة كمومية غامضة في الجزيئات العضوية في الوقت الحقيقي، والتي يمكن أن تساعد في تطوير الخلايا الشمسية عالية الكفاءة.
واستخدم الباحثون، بقيادة جامعة كامبريدج، نبضات ليزر فائقة السرعة لمراقبة كيف يمكن تحويل جسيم واحد من الضوء، أي فوتون، إلى جزيئين مثارين طاقيًا، والمعروفة باسم المتحفزات ثلاثيات الدوران spin-triplet excitons ، من خلال عملية تسمى انشطار الأحاديات singlet fission. إذ أنه إذا تم التمكن من التحكم في عملية انشطار الأحاديات، فمن الممكن مضاعفة كمية التيار الكهربائي المستخلص من الخلايا الشمسية.
وفي أنصاف النواقل التقليدية مثل السيليكون، عندما يتم امتصاص فوتون واحد، يؤدي ذلك إلى تشكيل إلكترون حر وحيد يمكن حصاده كتيار كهربائي. لكن بدلا من ذلك فإن بعض المواد تخضع لانشطار الأحاديات، حيث أن امتصاص فوتون يؤدي إلى تشكل جسيمين من المتحفزات ثلاثية الدوران spin-triplet excitons .
هذا وأكد فريق كامبريدج من خلال العمل مع باحثين من هولندا وألمانيا والسويد أن هذا التحول “اثنين مقابل واحد” يتضمن حالة وسطية صعبة الحدوث يكون فيها اثنين من الثلاثيات المتحفزة triplet excitons متشابكة ومترابطة، وهي ميزة من نظرية الكم التي تسبب ارتباط خصائص كل جسيم متحفز exciton بخصائص الجسيم الشريك الاّخر.
وبتسليط نبضات الليزر فائق السرعة – ولمجرد أجزاء من رتبة 10-15 من الثانية – على عينة من البينتاسين pentacene وهي نوع من الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، حيث أن هذه العينة هنا هي المادة العضوية التي تخضع للانشطار الأحادي، تمكّن الباحثون من المراقبة المباشرة لهذه الحالة المتشابكة للمرة الأولى، وأظهرت النتائج كيف أن الاهتزازات الجزيئية جعلت هذه الحالة قابلة للكشف بل حتى أنها تسببت بظهورها من خلال ديناميكية الكم. وقد تم تقرير النتائج يوم (26 أكتوبر) في مجلة نيتشر كيمستري Nature Chemistry.
وقال الدكتور اليكس تشين Alex Chin من مختبر كافنديشCavendish في الجامعة، وهو أحد المشاركين في الدراسة: “يمكن لتسخير عملية انشطار الأحاديات في تقنيات الخلايا الشمسية الجديدة أن تسمح بزيادات هائلة في كفاءة تحويل الطاقة في الخلايا الشمسية”. واضاف تشين: “لكن قبل أن نتمكن من القيام بذلك، نحن بحاجة إلى فهم كيف يحدث انشطار الجسيم المتحفز exciton على المستوى المجهري. فهذا هو المطلّب الأساسي للسيطرة على هذه العملية الرائعة”.
التحدي الرئيسي لمراقبة انشطار الأحاديات singlet fission بالزمن الحقيقي هو أن المتحفزات ثلاثية الدوران spin-triplet excitons المتشابكة تكون غير مرئية للمجسات والحساسات البصرية جميعها تقريبا، وهذا يعني أنه لا يمكن إنشاءها أو تدميرها من قبل الضوء بشكل مباشر. وفي مواد مثل البينتاسين pentacene، المرحلة الأولى – والتي تكون مرئية – هي امتصاص الضوء الذي يتسبب بنشوء جسيم متحفز ، ذات طاقة عالية، والمعروف باسم المتحفز الأحادي الدوران spin singlet exciton. إن الانشطار اللاحق للمتحفز الأحادي singlet excitons إلى جسيمين متحفزين ثلاثيين triplet excitons أقل طاقة، يعطي العملية اسمها، ولكن تنعدم القدرة على رؤية ما يجري عند بدء العملية.
لتجاوز هذه العقبة، استخدم الفريق تقنية قوية تعرف باسم التحليل الطيفي ثنائي الأبعاد، والتي تتضمن ضرب المادة بسلسلة منسقة من نبضات ليزرية فائقة القصر ومن ثم قياس الضوء المنبعث من العينة المحفَّزة. ومن خلال تغيير الوقت بين النبضات في السلسلة، فمن الممكن تتبع كيفية نقل الطاقة الممتصة بواسطة النبضات السابقة وتحويلها إلى حالات مختلفة في الزمن الحقيقي.
باستخدام هذه المقاربة، وجد الفريق أنه عندما تهتز جزيئات البينتاسين pentacene بتأثير من نبضات الليزر، فإن بعض التغييرات في الأشكال الجزيئية تتسبب بقابلية امتصاص الزوج الثلاثي للضوء لفترة وجيزة، وبالتالي يمكن كشفها بواسطة نبضات لاحقة. وبتصفية حذرة للترددات واستثناء الترددات الغير مرغوبة، أصبحت إشارة حالة الزوج الثلاثي ضعيفة ولكنها واضحة ولا لبس فيها.
كما طور ناشرو البحث لاحقًا نمودج أظهر أنه عندما تهتز الجزيئات، فإنها تمتلك عندئذ حالات كمومية جديدة تمنحها بنفس الوقت خصائص امتصاص الضوء للمتحفز الأحادي singlet exciton والخصائص الغير مرئية للمتحفز الثلاثي triplet exciton، هذه “الوضعيات الفائقة superpositions” الكمومية التي هي أساس تجربة شرودنغر الفكرية الشهيرة، والتي يكون فيها القط – وفقا لنظرية الكم – في حالة كونه حيا وميتا في نفس الوقت، لا تجعل الأزواج الثلاثية مرئية فحسب، بل إنها تسمح أيضا للانشطار بأن يحدث لحظيا بالتزامن مع امتصاص الضوء.
وقال الدكتور أكشاي راو Akshay Rao، من مختبر كافنديشCavendish في الجامعة: “يبين هذا العمل أن الانشطار الأمثلي في المواد الحقيقية يتطلب منا الأخذ بعين الاعتبار أكثر من مجرد الترتيبات البنيوية الثابتة و طاقة الجزيئات”. وتابع: “إنها خطوة حاسمة نحو فتح طرق جديدة للخلايا الشمسية عالية الكفائة”.