يمثل الاكتشاف الجديد إضافةً لنظرية الاصطدام العملاق التي تفسر نشوء القمر. أظهرت دراسة جديدة أن الأرض والقمر قد يكونان مختلفين أكثر مما كنا نظن سابقًا، ما يعد تحديًا للنماذج الحالية لكيفية تشكل القمر.
تشكلت الأرض قبل 4.5 مليار عام، وتقترح الدراسات السابقة أن القمر ظهر بعد ذلك بفترة وجيزة. كانت التفسيرات الأولية على مدار العقود الثلاثة السابقة، أن القمر تكون نتيجة تصادم بين كوكبين أوليين أو كوكبين في طور التكون، كان أحدهما الأرض حديثة الولادة، والأخرى صخرة بحجم المريخ تُسمى ثيا Theia، وهو اسم أم القمر في الميثولوجيا الإغريقية.
قال زاكاري شارب Zachary Sharp المؤلف المشارك في الدراسة الجديدة وعالم الكواكب من جامعة نيومكسيكو: «ظهر جسمان بعد أن سكن الغبار، وهما الأرض والقمر».
تفسر فرضية الاصطدام العملاق giant impact hypothesis العديد من التفاصيل عن الأرض والقمر، مثل حجم القمر الكبير مقارنةً بالأرض ومعدل دوران الجسمين. لكن ظهرت حديثًا أدلة جديدة -على مدار العشرين عامًا الماضية- تناقض هذه الفرضية، وتقترح عدة فرضيات بديلة.
تشير النماذج الحاسوبية للاصطدام الكبير إلى أن 70% – 90% من مادة القمر جاءت من ثيا، ومن المعروف أن كل جسم في المجموعة الشمسية يملك بنية كيميائية فريدة، لذلك فمن المفترض أن يمتلك كل من الأرض وثيا -ومن ثم القمر- بنية مميزة، لكن النماذج الصخرية التي جلبتها بعثات أبوللو من القمر توضح أن مكوناته مشابهة للأرض للغاية، إذ كان أكثر تشابهًا مما تتنبأ به النماذج، بمقارنة أنواع من العناصر تسمى النظائر (يملك نظير كل عنصر عددًا مختلفًا من النيوترونات في نواته الذرية).
مثَّل التشابه الكبير لنظائر بعض العناصر مثل الأكسجين تحديًا لسيناريو الاصطدام الكبير، ما يطرح عدة احتمالات: الأول أن الأرض الوليدة وثيا كانا متطابقين تقريبًا فيما يتعلق بنظائر الأكسجين (وهذا يبدو احتمالًا ضعيفًا)، والثاني أن نظائر الأكسجين في الأرض الوليدة وثيا كانت مختلطة تمامًا عقب الاصطدام، ربما بسبب أن الصدمة كانت عنيفة جدًّا لدرجة أنها بخّرت جزءًا كبيرًا من الأرض المبكرة، مع ظهور القمر نتيجةً لذلك الاصطدام، وكتلة صخرية على شكل دونات تسمى سينستيا synestia، لكن يرى العلماء أن هذا السيناريو وسيناريوهات أخرى تتضمن حدوث حالات اصطدام غير محتملة.
أجرى الباحثون في الدراسة الجديدة قياسات جديدة عالية الدقة لمستويات نظائر الأكسجين في مجموعة من العينات القمرية. توسع الباحثون في العمل السابق، وركزوا على مجموعة واسعة من أنواع صخور القمر.
وجد الباحثون اختلافات دقيقة ومنتظمة في مكونات نظائر الأكسجين اعتمادًا على نوع الصخور القمرية التي اختُبرت، يشير هذا إلى أن العمل السابق الذي جمع متوسط بيانات نظائر القمر مع تجاهل الاختلافات في نوع الصخور لا يعطي صورةً دقيقة للاختلافات بين الأرض والقمر.
قال مؤلف الدراسة إيريك كانو عالم جيوكيماء النظائر المستقرة في جامعة نيومكسيكو: «عندما بدأنا هذا المشروع، كنا نتوقع أن تتوافق نتائجنا مع نتائج الدراسات السابقة، لكن المثير للدهشة هو مدى الاختلاف الذي وجدناه بين عينات الصخور القمرية وبعضها».
اقترح الباحثون تفسيرًا لهذه النتائج، فقالوا إن الاصطدام الهائل بين الأرض البدائية وثيا أدى بالفعل إلى اختلاط المكونات، لكن القمر والأرض الناتجين ما زالا يملكان مكونات متميزة، وإن كانت متشابهة جدًّا، حسب قول شارب.
قال شارب إنه في وقت لاحق، في غضون ألف سنة تقريبًا بعد الاصطدام، أدت الصخور المتبخرة من قرص الحطام التي خلفها الاصطدام إلى هطول أمطار من الحمم على سطح القمر لمئات السنين. وأدت التفاعلات الفيزيائية والكيميائية المعقدة بين مطر الحمم البركانية ومحيط الصهارة الذي غطى القمر الوليد إلى تكوين نظائر الأكسجين في الصخور القمرية العليا المشابهة لصخور الأرض، أما العينات المُستخرَجة من الوشاح القمري العميق فتحتوي على مكونات نظائر الأكسجين الأكثر مغايرةً بين الصخور القمرية التي اختُبرت مقارنةً بمكونات الأرض.
قال كانو إن أهم ما يترتب على هذه النتائج هو أن نماذج الاصطدام العملاق لم تعد بحاجة إلى حساب مكونات نظائر الأكسجين التي لا يمكن تمييزها عمليًّا بين الأرض والقمر، وأضاف: «أعتقد أن هذا سيفتح الباب لمجموعة جديدة من سيناريوهات الاصطدام».
وقال كانو إن الأبحاث المستقبلية قد تتوسع في هذه الدراسة الجديدة من طريق تحليل عينات قمرية أخرى. وقال: «قد تكون العوائق أمام هذا البحث المستقبلي هي الكميات المحدودة من المواد التي لدينا من بعثات أبولو، جُلبت بعض أنواع الصخور القمرية هذه بكميات صغيرة للغاية وقد يكون من الصعب الحصول عليها للدراسة».
اقرأ أيضًا:
لماذا يبتعد القمر عن الأرض؟ وما هو بعد القمر عن الأرض حالياً؟
جاذبية الأرض تسبب تشققات في القمر
ترجمة: هاني عبد الفتاح
تدقيق: سمية المهدي
مراجعة: أكرم محيي الدين