يدعو العلماء إلى مراقبةٍ طويلة الأمد للأطفال المولودين بتقنيّات الإخصاب المُساعد (ART)، وذلك وفقًا لدراسة تربط بين عمليّات الإخصاب المُساعد وارتفاع خطر الإصابة بـِ (الاختلال العقليّ – intellectual disability).
هناك سبب وجيه يدفعنا للشكّ بأنّ التّطوّرات في مجال التكنولوجيا الطبيّة بإمكانها التقليل من خطر الإصابة بالاختلال العقليّ، ولكن حتّى نولي انتباهًا أكبر لذلك قد يفوتنا دليل هامّ بإمكانه تفسير هذا الارتباط.
قام معهد مستشفى تيريثون للأطفال في بيرث بمقارنة قواعد بيانات الأطفال ذوي الإعاقات الفكريّة مع هؤلاء الذين وُلِدوا بتقنيّات الإخصاب المُساعد، بهدف اختبار صحّة الشكوك والتي تُشير إلى أنّ بعض أشكال الإخصاب المُساعد تؤثر بشكلٍ خطير على التطوّر العصبيّ.
كما توصّلت دراسات عديدة إلى نتائج متباينة حول استخدام تقنيّات الإخصاب في الزجاج وإمكانيّة زيادتها لاحتمال ظهور مشاكل التعلّم لدى الطفل، الأمر الذي يُعدّ سببًا كافيًا لإعادة الفحوصات.
ومع إتاحة تقنيّة الإخصاب المُساعد منذ 40 عامًا لعامّة الشّعب، لجأ إليها العديد من الآباء المتفائلين بنجاحها وهذا يعود لأسبابٍ عديدةٍ كالتأخّر في تكوين عائلة، أو السّمنة المفرطة، أو مشاكل في الخصوبة.
تعتمد الطريقة المعياريّة للتلقيح في الزجاج على تلقيح البويضة بالنطفة في بيئةٍ خارجيّة قبل زرع الجنين أو الأجنّة الناتجة عن هذه العمليّة في رحم المرأة.
كما أنّ هناك طريقة أخرى والتي تحتاج عددًا أكبر من التقنيين والفيزيائيين، إذ تعتمد هذه الطريقة على حقن النطفة في البويضة فيزيائيًا خلال عمليّة تسمّى (حقن النّطفة داخل السّيتوبلازما – intracytoplasmic sperm injection) – (ICSI).
هناك العديد من المخاوف فيما يخصّ حدوث التعديل الجينيّ، مثل تثبيط بعض الجينات إلى درجةٍ تؤدّي إلى ارتفاع خطر حدوث المشاكل الصحيّة.
ولكنّ معرفة الأخطار الممكن حدوثها والناتجة عن تقنيات الإخصاب المساعد (ART) ليست بهذه السهولة كما يبدو، إذ أنّ العديد من الذين يلجؤون إلى المساعدة في الحمل يُعانون من مشاكل صحيّة،
أو قد يكونون من فئةٍ عمريّةٍ كبيرة، ونتيجةً لذلك فإنّه من الصّعب انتقاء روابط ذات معنى من بين كلّ تلك البيانات.
بيّنت مراجعة منهجية حديثة “Systemic Review” لأحد الأبحاث كيف تُعتَبَر هذه المهمّة تحدّيًا رغم وجود العديد من الدّراسات والتي تستثني الأطفال المعرّضين لخطر الخلل العقليّ بسبب لكولادتهم قبل الأوان أو نتيجة الولادات المتعدّدة.
في هذه الأثناء قام العلماء بجمع بيانات حول أكثر من 210,000 طفلٍ وُلِدوا في غرب أستراليا بين 1994 و 2002، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ هؤلاء الأطفال عاشوا أكثر من ثماني سنوات من طفولتهم.
قارنوا 2,876 طفلًا وُلِدوا بفضل تقنيّات الإخصاب المساعد مع أطفالٍ وُلدوا بشكلٍ طبيعيّ،
بهدف الفحص ما إذا كان مستوى الـ IQ (معدّل الذّكاء) أقلّ من 70 متركزًا في إحدى المجموعتين.
وجدوا أنّ الأطفال الذين وُلِدوا عن طريق تقنيّات الإخصاب المساعد (ART) كانوا أكثر عرضةً لتطوير الاختلال العقليّ بمراحله المتوسّطة إلى الحادّة،
مع العلم أنّ بعض التقنيّات أبدت ارتفاع احتمال الخطر أكثر من غيرها.
كما أنّ الأطفال الذين وُلِدوا باستخدام تقنيّة حقن النّطفة داخل السّيتوبلازما (ICSI) كانوا معرّضين بشكلِ أكبر لإصابتهم بالخلل.
فقد أشارت النتائج إلى وجود 1 من أصل 32 طفلًا شُخِّصَ بمستوى تخلّف عقليّ من هؤلاء الأطفال، مقارنة ب 1 من أصل 59 طفلٍ وُلدوا دون مساعدة طرق الإخصاب.
العامل الذي يمكن أن يزيد خطر الإصابة بالخلل العقليّ في أطفال (IVF/ICS) أكثر من الضّعف، هو الولادة المبكّرة (قبل الأوان).
ولكنّ تلك الأخطار تتناقص، إذ أنّ تقنيات الإخصاب المساعد تطوّرت تطورًا كبيرًا.
سابقًا كانوا يقومون بزرع أكثر من جنين لزيادة فرص النّجاح لكن الآن تغيّر ذلك.
«تبيّن أنّ 88% من حلقات العلاج عام 2016 اعتمدت على زرع جنينٍ واحدٍ فقط في الرّحم، الأمر الذي أدى إلى تناقص نسب الولادات المتعدّدة والمبكّرة»، كما يقول (ميشيل هانسن – Michele Hansen) – الكاتب المُشرف على هذه الدراسة -.
ولكنّ السّؤال يبقى مطروحًا: هل ترتبِطُ تقنيات الإخصاب الخارجيّ بشكلٍ مباشرٍ مع الاختلال العقليّ، أو أنّه ببساطة نتيجة تمهيد الطّريق لحدوث التلقيح؟
أضاف هانسن: «الشّذوذات الجينيّة تحدث في الرّجال غير الخصِبين بشكلٍ أكبر، وبالتالي فإنّ تقنيّة (ICIS) – التي تتجاوز خطوات الانتقاء الطبيعيّ للنطاف التي تتنافس فيما بينها لتلقيح البويضة وبالنهاية تنجح واحدة منها (وهي الأصحّ) – تحقن النّطفة مباشرةً داخل البويضة الأمر الذي قد يسمح بنقل الشذوذات إلى المولود الجديد».
ولكن مع بقاء هذه الأسئلة المطروحة نحتاج إلى مزيد من الأبحاث التي تستخدِم البيانات الحديثة لكشف السبب الكامن وراء هذا التناقض أو ربّما اكتشاف طرقٍ للحدّ من مزيدٍ من الأخطار.
- ترجمة: رهف السّيّد
- تدقيق: آية فحماوي
- تحرير: صهيب الأغبري
- المصدر