ترجمة الأصل اللاتيني لمغالطة التوسل بالخوف (التوسل بالقوة، الاحتكام إلى القوة) هي «اللجوء إلى العصا». وتُرتكب هذه المغالطة حين يهدد شخص ما -صراحةً أو ضمنًا- الآخرين بالعنف المادي أو المعنوي إن رفضوا قبول الاستنتاجات التي يقدمها، وتظهر هذه المغالطة أيضًا إذا ادعى شخص ما أن قبول فكرة أو استنتاج معين سوف يقود إلى كارثة أو مصيبة أو أذى.
ومن الممكن صياغة شكل هذه المغالطة وفق الصيغة التالية:
هنالك تهديد بالعنف صراحةً أو ضمنًا، لذلك يجب القبول بالاستنتاج.
من النادر جدًا أن يكون تهديد كهذا مرتبط -منطقيًا- بالاستنتاج المقدَّم مثلما هو نادر أن تزداد حقيقة هذا الاستنتاج باللجوء إلى التهديد. ولا بد من أن نفرق بين الأسباب المنطقية والأسباب الاحترازية؛ فالتوسل بالخوف -مثله مثل سائر المغالطات- لن يقدم سببًا منطقيًا وعقلانيًا لتصديق استنتاج ما، لكنه قد يقدم أسبابًا احترازية لفعل ما؛ فلو كان التهديد مقنعًا (صادقًا) وسيئًا إلى درجة كافية فربما يكون سببًا للتصرف «كما لو» أنه كان حقيقيًا، من باب الحيطة والحذر لا أكثر.
يشيع استعمال مغالطة الاحتكام إلى القوة (التوسل بالخوف) بين الأطفال؛ فتسمع بينهم عبارات مثل «إن لم توافق على أن هذا البرنامج هو أفضل البرامج قاطبة، فسوف أضربك!»، وللأسف لا يقتصر ارتكاب هذه المغالطة على الأطفال.
مغالطة الاحتكام إلى القوة: أمثلة ومناقشة
نلاحظ استعمال مغالطة الاحتكام إلى القوة في العبارات الآتية:
- يجب عليك الإيمان بوجود الإله، لأنك -إن لم تفعل- سيحاسبك الإله ويرسلك إلى الجحيم الأبدي، وأنت لا تريد الذهاب إلى النار، أليس كذلك؟ فإن صح هذا فمن الأسلم لك أن تؤمن بالإله من أن ترفض وجوده.
هذه صيغة مبسطة من رهان باسكال، وهي محاجة يكثر سماعها من بعض المسيحيين، لكن احتمالية وجود الإله لا تزداد لمجرد أن شخصًا ما يخبرك أن الأذى سيلحق بك إن لم تؤمن. وبالمثل، لن يصبح الإيمان بالإله أكثر عقلانية لمجرد أننا نخاف الذهاب إلى النار، فلجوء هذه المحاجة إلى خوفنا من العذاب ورغبتنا بتجنب المعاناة يجعلها نوعًا من أنواع مغالطة الارتباط.
تُستعمل -أحيانًا- تهديدات أكثر مكرًا وحذقًا، مثل:
- نحتاج إلى جيش قوي لنردع أعداءنا، فإن لم تؤيد مشروع قانون النفقات الذي خُصِّص لتطوير طائرات أفضل نوعية فإن أعداءنا سيظنون أننا ضعفاء وسيهاجموننا في المستقبل قاتلين الملايين، فهل تريد أن تكون مسؤولًا عن موت الملايين، سيادة النائب؟
لا يهدد صاحب القضية هنا النائبَ تهديدًا ماديًا مباشرًا، لكنه يضغط نفسيًا على الأخير باقتراحه أنه إن لم يصوت على مشروع قانون النفقات الجديد فإنه سيكون مسؤولًا عن موت الآخرين في المستقبل.
للأسف لم يُقدَّم دليل على أن هذه الاحتمالية هي تهديد حقيقي، ولذلك لا توجد علاقة حقيقية بين المقدمة حول «أعدائنا» والنتيجة التي تذهب إلى أن مشروع القانون المقترح يحقق مصلحة البلاد العليا. ولنا أن نلاحظ أيضًا اللجوء إلى العاطفة في هذه المحاجة، فلا أحد يرغب في أن يكون مسؤولًا عن موت الملايين من مواطني بلاده.
تظهر مغالطة الاحتكام إلى القوة أيضًا في الحالات التي لا تتضمن العنف المادي الحقيقي بل مجرد تهديدات تمس سعادة المرء ومصلحته العامة. يستعمل باتريك هرلي المثال الآتي في كتابه «مقدمة مختصرة حول المنطق»:
- يقول السكرتير للمدير: «أستحق زيادة في راتبي السنة القادمة، فأنت تعلم علاقتي الجيدة بزوجتك وأنا واثق أنك لا ترغب بمعرفتها بما يجري بينك وبين عميلتك الشهوانية».
لا يهم -هنا- إن كان ما جرى بين المدير والعميلة هو أمر غير اخلاقي، بل المهم هو أن المدير قد هُدِّد؛ ورغم أنه لم يُهدد بعنف مادي (جسدي) كالضرب مثلًا، لكنه هُدِّد بأن زواجه وعلاقاته الشخصية الأخرى سوف تُزعزَع وقد تُدمَّر إن لم يوافق على «طلب» السكرتير.
اقرأ أيضًا:
بين الحقيقة والنظرية: البابليون، خسوف القمر والكورونا
ترجمة: الحسين الطاهر
تدقيق: نور عباس
مراجعة: نغم رابي