يتميز هذا المعدن بأنَّه قوي وخفيف بنفس الوقت، ويستخدم لصناعة الهواتف المحمولة والصواريخ والطائرات. لكن يجب على العمال الذين يتعاملون معه الانتباه، لأنّ غبار البريليوم المحمول في الجوّ معروفٌ بأّنه شديد السُّميّة.
سُمّيَ سابقًا beryllos وهي التسمية اليونانية للمعدن beryl، هذا العُنصر كان معروفًا بالأصل باسم glucinium من الكلمة اليونانية glykys، التي تعني “حلو” لتعكس طعمه المميز. لكنَّ الكيميائيين الذين اكتشفوا هذه الميزة الفريدة للبريليوم، اكتشفوا أيضًا أنَّه شديد السُّمية لذلك لا يجب تذوُّقه إطلاقًا. في الحقيقة يجب التعامل مع هذا المعدن وسبائكه وأملاحه وفقًا لرموز محددة. «البريليوم مُصنَّف أيضًا كمادة مُسرطنة وفقًا للوكالة العالمية لأبحاث السرطان، ويمكن أن يسبب سرطان الرئة للأشخاص الذين يتعرضون له بشكل يومي بسبب مهنهم التي تتطلب التنقيب عن المعدن أو مُعالجته» بحسب الدكتور ليو بيبر باحث طبي في مركز كوينز كوليدج لبيولوجيا النظم الطبيعية في نيويورك.
بالُّرغم من سُميّته، فإنَّ هذا العنصر مُفيد جدًا بفضل خصائصه الفريدة. على سبيل المثال، هو واحد من أخفّ المعادن الموجودة وله واحدة من أكثر درجات الذوبان ارتفاعًا بين المعادن الخفيفة. بلونه الرمادي الغامق، يوجد البريليوم بالشكل المرن أكثر من الشكل الصلب بحوالي الثلث. من صفات البريليوم أيضًا أنَّه غير مغناطيسي ومقاوم لحمض النتريك المُركَّز وهو موصلٌ عالي (ممتاز) للحرارة ومقاوم للتأكسد في درجات الحرارة الطبيعية.
بعض الحقائق:
العدد الذري (عدد البروتونات والنكليونات): 4
الرمز الذري (في الجدول الدوري للعناصر): Be
الوزن الذري (متوسط كتلة الذرة): 9.012182
الكثافة: 1.85 غرام/سم2
الحالة الفيزيائية في درجة الحرارة الطبيعية: صلب
نقطة الذوبان: 2348.6° F أي (1287° C)
نقطة الغليان: 4479.8° F أي (2471° C )
عدد النظائر: (وهي ذرات لنفس العنصر ولكن تختلف بعدد النترونات): 12 تتضمن نظير واحد مستقر.
النظير الأكثر شيوعًا: Be9 (توافره الطبيعي: (100%
اكتُشِف البريليوم عام 1798 من طرف الكيميائي الفرنسي Louis) (Nicolas Vauquelin الذي اكتشفه بالشكل الأوكسيدي في (البريلberyl )، والأشكال المتنوعة خضراء اللون منه.
عُزِلَ المعدن لأوَّل مرة عام 1828 من طرف الكيميائيَّين، (Friedrich Wölhler ) ألماني الأصل والفرنسي (Antoine Bussy)، اللذان استخرجاه من كلوريد البريليوم (BeCl2) بوضعه مع البوتاسيوم في بوتقة من البلاتينيوم.
حاليًا يُستخرج البريليوم بشكلٍ أساسي من معدن البريل والبيرترانديت (هيدروكسيد سيليكينات البريليوم) عبر عملية كيميائية أو بالتحليل الكهربائي لمزيج من كلوريد البريليوم المُذاب وملح كلوريد الصوديوم.
يوجد البريليوم في 30 نوع من المعادن، منها (bertrandite, beryl, chrysoberyl, and phenacite). البريل والبيرترانديت هما المصدران التجاريان الأهم للبريليوم ومُركباته.
يُخلَط البريليوم مع النحاس والنيكل لصُنع النوابض والجيروسكوب (بوصلة كهربائية) والقطع الإلكترونية والأقطاب الكهربائية للِّحام البُؤري وأدوات لا تحدث شررًا.
أما خلائط البريليوم الأخرى تُستخدم لصناعة الطائرات فائقة السرعة والصواريخ بالإضافة إلى المركبات الفضائية والأقمار الصناعية.
يُستخدم مزيج البريليوم مع النحاس لصناعة إطار الزجاج الأمامي وأقراص الفرامل ومكونات أخرى لمكوك الفضاء.
وبفضل المقطع العرضي المنخفض لامتصاص النيوترونات الحرارية، يستخدم البريليوم في المفاعلات النووية كعاكس أو وسيط. بالإضافة إلى أنَّ نقطة الانصهار العالية لأكسيد البريليوم تجعله مادة مفيدة للتطبيقات النووية وصناعة السيراميك.
هل تعلم؟
-الزمرد والمورغانيتي والزبرجد هي أشكال ثمينة من البريل. تم تطوير بعض من أقدم مناجم الزمرد من قبل الرومان في الصحراء الشرقية في مصر منذ حوالي 2000 عام، وفقًا لما ذكرته هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.
-تُستخدم المواد المحتوية على البريليوم في الهواتف الخلوية والأجهزة المحمولة الأخرى والكاميرات، وفقًا لرابطة بيريليوم للعلوم والتكنولوجيا.
-يوجد البريليوم أيضًا في أجزاء من المعدات التحليلية المستخدمة لاختبار الدم لفيروس الإيدز وأمراض أخرى، وفقًا لتقرير لرابطة بيريليوم للعلوم والتكنولوجيا.
-لعب البريليوم دورًا في اكتشاف النيوترون، عندما قذف جيمس تشادويك البريليوم بجسيمات ألفا واكتشف الجسيمات دون الذرية بدون شحنة كهربائية.
-كان البريليوم المكوِّن الأساسي الذي استُخدِم لصناعة المرايا في تيليسكوب (جيمس ويب- James Webb) الفضائي التابع لناسا وفقًا لوكالة ناسا الفضائية.
-وضعت المفوضية الأوروبية البريليوم ضمن لائحة المواد الخام العشرين الأكثر أهمية للاتحاد الأوروبي.
-تُصنِّف وزارة الدفاع الأميركية البريليوم على أنه مادة استراتيجية بالغة الأهمية، كما يمكن أن توجد في المنتجات التي تعتبر ضرورية للأمن القومي.
-الولايات المتحدة هي مصدر ومُنتج البريليوم الأوّل في العالم. في الواقع، يشكِّل منجم واحد فقط في جبل سبور، يوتا، مصدر أكثر من 85% من البريليوم المُستخرَجة في جميع أنحاء العالم في عام 2010، وفقًا لتقرير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.
-البريليوم شفاف بدرجة عالية للأشعة السينية، ولذلك فهو يستخدم في نوافذ أنابيب الأشعة السينية.
-لويس نيكولاس فاكولين -الكيميائي الذي اكتشف البريليوم اكتشف أيضًا عنصرًا آخر- وهو الكروم.
البحث الحالي
لطالما كان البريليوم موضع اهتمام الباحثين الذين اخبروا تأثيراته الضارة على صحة الأشخاص الذين يتعرضون له بشكل يومي ولفترات طويلة من الزمن. ومع ذلك، لا ينطبق هذا الخطر على عموم السكان الذين لا يتعاملون بالفعل مع البريليوم، بحسب بيبير.
أضاف أيضًا: « يُصبح البريليوم ضارًا، عندما يتولد في جزيئات محمولة جوًا… والتي تُستنشَق ثم تنزلق إلى داخل الرئتين، والذي من الممكن أن يسبب رد فعل مناعي عند بعض الأشخاص»
يمكن لهذه الاستجابة المناعية والتي يُطلق عليها «حساسية البريليوم» أن تتطور إلى مرض البريليوم المزمن، والذي يتسبب في تندُّب النسيج الرئوي ومن الممكن أن يكون مميتًا. لا يوجد حاليًا أي علاج لهذا المرض، لكن يمكن إبطاء تطور المرض عن طريق الأدوية والعلاج بالأوكسجين وزرع الرئة في الحالات الشديدة، وفقًا لمركز سان فرانسيسكو الطبي في جامعة كاليفورنيا.
ومن المثير للاهتمام، أنّه لا يعاني جميع الذين يتعرضون لمستويات خطرة من البريليوم من الحساسية، والتي قد تكون مميتة أحيانًا.
وبحسب بيبر: «يلعب الاستعداد الوراثي دورًا هامًا في التحسس للبريليوم، أي أن الحساسية لا تتطور عند جميع الأشخاص الذين يتعرضون للبريليوم (تطور الحساسية يتحول للشكل المزمن الذي يُدعى مرض البريليوم المُزمن).»
أضاف أيضًا: «يعتمد حدوث المرض على الاستعداد الوراثي في معظم الحالات.»
حوالي 85% من الأشخاص الذين تطور عندهم مرض البريليوم المزمن بعد التعرض له لديهم بروتين مناعي ذاتي معروف باسم HLA-DP2 وفقًا لدراسة جديدة نُشِرت في تموز عام 2014 في مجلة Cell. وفقًا لهذه الدراسة وجد الباحثون أنَّ أجسام الأشخاص الذين يملكون هذا البروتين تُشَكِّلُ جيوبًا جزيئية فريدة من نوعها، وهذه الجيوب هي التي تلتقط أيونات البريليوم والتي تُطلِق بدورها تفاعلًا التهابيًا في الرئتين.
«الجهاز المناعي لا يرى البريليوم بالفعل» وفقًا لمُؤلف هذه الدراسة (جون كابلر-John Kappler) باحث في منظمة الصَّحة اليهودية الوطنية والذي صرَّح أيضًا: « يغير البريليوم شكل الببتيدات الذاتية البريئة -وهي ببتيدات تنتجها أنسجة الجسم- لذلك تتعرف عليها الخلايا التائية -وهي خلايا دموية بيضاء أساسية في الجهاز المناعي- على أنها أجسام غريبة ومُهددة للجسم.»
تأريخ الأحداث الجيولوجية باستخدام البريليوم
باستخدام تقنية تُدعى (التأريخ بالنُوَيدات كونيَّة المنشأ-cosmogenic nuclide dating)، استطاع الباحثون تحديد مدّة تعرُّض الصخور للهواء بقياس مستوياتها من البريليوم-10، وهو نظير مُشعّ للبريليوم.
تُستخدم هذه التقنية غالبًا في تحديد تاريخ الأحداث الجيولوجية الهامة مثل تقدُّم الأنهار الجليدية أو تراجعها والانزلاقات الصخرية وتأثيرات النيازك وتدفُّق الحمم البركانيّة.
على سبيل المثال، بعد الانهيارات الصخرية، تلك الصخور الضخمة (الجلمود) التي هبطت واستقرت في قمة الركام سيتعرض سطحها للسماء للمرة الأولى. تبدأ الجسيمات المحمولة مع الأشعة الكونية (إشعاع عالي الطاقة من الفضاء الخارجي) بضرب هذه الأسطح الصخرية المكشوفة حديثًا، مما يُشكّل البريليوم-10 وكلما زادت مساحة السطح زادت كمية البريليوم-10 وفقًا لجامعة ولاية يوتا.
في دراسة حديثة، توصّل باحثون من جامعة يوتا إلى أوّل تحديد دقيق لوقت حصول انزلاق أرضي حدث منذ آلاف السنين والذي هو الآن منتزه (صهيون-Zion) الوطني في ولاية يوتا. يعتقد الباحثون لبعض الوقت أن أرضية المنتزه المسطحة كانت بالأصل بحيرة سابقًا تشكَّلت عندما انزلق جلمود ضخم وسدَّ نهر”Virgin” لكن ظلَّ وقت حدوث هذا الإنزلاق مبهمًا. ولاكتشاف ذلك، قام الباحثون بقياس مستويات البريليوم في 12 جلمود صخري أخذت من المنطقة.
خلصت النتائج إلى أنَّ الانهيار الصخري حدث منذ 4800 سنة كحدث واحد، مع مجال للشك حوالي 400 سنة، وفقا لجامعة يوتا. وتم نشر أعمالهم عام 2016 في GSA Today، مجلة الجمعية الجيولوجية الأمريكية.
تدقيق: بدر الفراك
المصدر