معلومات عن الاقتصاد الكلي
لعلكم تتذكرون من مقالاتنا السابقة بأن الاقتصاد يقسم إلى: اقتصاد مصغر واقتصاد كلي. في هذه المقالة، سنركز على الاقتصاد الكلي بشكل أساسي. إذا ما هو الاقتصاد الكلي؟ موضوعات مثل: هل من المفترض أن تحصل على وظيفة عندما تتخرج؟ هل على الحكومة أن تقطع الضرائب؟ يتناولها علم الاقتصاد الكلي بشكل أساسي. باختصار، هو دراسة الإقتصاد بأكمله، يقوم على دراسة الأشياء الكبيرة، مثل الناتج الاقتصادي، البطالة، التضخم، معدلات الفائدة، وسياسات الحكومة.
إن علم الاقتصاد الكلي في الواقع هو علم جديد. حيث أدرك الإقتصاديون بعد الكساد العظيم الذي حصل في الولايات المتحدة عام 1930 أهمية وجود طريقة منظمة لقياس الاقتصاد الكلي, إضافة لحاجتنا إلى نظريات حتى تقود عملية وضع القوانين وإصلاح مشاكل محتملة. من حوالي مئة عام, لم يتواجد بيانات شاملة حول النشاط الاقتصادي, لذلك لم يكن علم الاقتصاد الكلي ممكنا. في الوقت الحاضر, المعلومات الاقتصادية متوافرة, ولكن هذا لا يعني بأن الاقتصاديين قد يتوافقوا على أين يتواجد الاقتصاد؟ إلى أين يذهب؟ أو ماذا يجب أن نتصرف حتى نساعد؟ يضع علماء الاقتصاد الموسع توقعات بناء على بيانات, نماذج نظرية, ونزعات تاريخية, ولكن في النهاية إن هذه التوقعات مجرد توقعات. إذا ما سألت ثلاثة علماء اقتصاد السؤال نفسه، ستحصل غالبًا على ثلاثة أجوبة مختلفة. الحقيقة هنا تكمن في أن الاقتصاد ليس علما تقليديًا لأنه من المستحيل التحكم بكل المتغيرات. مثل كل العلوم الإجتماعية، الاقتصاد يدرس الناس، ويبدو لنا بأن الناس أحيانا لا يمكن توقعهم. لكن بنفس الوقت هذا لا يعني بأن الاقتصاد هو علم تخميني.
بشكل عام, يمتلك واضعو القوانين ثلاثة أهداف إقتصادية:
1- الحفاظ على نمو الإقتصاد مع الزمن.
2- خفص معدلات البطالة.
3- المحافظة على استقرار الأسعار.
هنالك ثلاثة إجراءات يقوم الإقتصاديون بتحليلها لمعرفة ما إذا كانت الدول تحقق كل هدف من الاهداف السابقة:
1- الناتج المحلي الإجمالي (GDP)
2- معدل البطالة
3- معدل التضخم.
لعل القياس الأهم للاقتصاد هو الناتج المحلي الإجمالي. GDP هو القيمة الكلّية لكل المنتجات النهائية والخدمات ضمن حدود دولة ما خلال مدة زمنية محددة، سنة عادة. هناك بعض الملاحظات من المهم ذكرها:
لا يتضمن الناتج المحلي كل تبادل حاصل في الاقتصاد. على سبيل المثال, إذا ما اشتريت سيارة مستعملة محلية، لا تحتسب هذه العملية فيه لأنه لا يوجد شيء جديد تم إنتاجه في هذه الحالة. نفس الأمر يطبّق مثلا في حالة قيام شركة بشراء شركة أخرى. يقاس الناتج المحلي بالدولار الأمريكي. ولا يقاس بعدد المنتجات لأنه ولو افترضنا أن دولة تنتج سيارات ودفاتر، سيكون انتاجها ل 100 دفتر يعادل إنتاجها ل 100 سيارة.الجدير بالذكر أن هناك مشكلة في استخدام الدولار وهو التضخم. إذا افترضنا وجود دولتين كل منهما تنتج نفس الكمية من السيارات، ولكن واحدة تبيعها بأسعار أكبر، سيكون الناتج المحلي الاسمي فيها أعلى. لذلك، ومن أجل الحصول على نظرة افضل للإقتصاد، يستخدم الإقتصاديون ال الناتج المحلي الحقيقي, أي الناتج المحلي المضبوط للتضخم بعبارة أخرى، الذي يأخذ التضخم بعين الاعتبار.
لعلك سمعت بالمشاكل الإقتصادية التي تحدث في اليونان. دعونا نربط ما نناقشه بهذه المشاكل. ماذا يستطيع ال الناتج أن يخبرنا عن اليونان؟ شهد ناتج اليونان المحلي انحسارا منذ عام 2008 حتى 2014. حيث بلغ 300 بليون دولار عام، مقابل 242 بليون دولار في عام 2013.
الآن دعونا ننظر إلى العامل الآخر المهم في الاقتصاد الكلي: البطالة. تقاس البطالة بما يدعى معدل البطالة. يتم حساب هذا المعدل ببساطة من خلال حساب عدد الناس غير العاملين وتقسيمهم على عدد الناس المتواجدين ضمن القوى العاملة ثم ضرب المقدار ب 100. إن هذه النسبة توضح لنا عدد الناس الذي يبحثون عن وظيفة ولكن لا يستطيعون إيجادها. تتضمن القوة العاملة التي ذكرناها الناس في السن القانونية الذين يعملون وفقا للقانون أو الذين يسعون لإيجاد عمل، وبذلك لا يحتسب الأطفال ضمن هذه القوة ولا حتى الناس الذين لا يستطيعون العمل، ولا الناس الذين اختاروا ألا يعملوا. إذا ماذا عن الناس الذين كانوا يبحثون عن أعمال ومن ثم استسلموا؟ الجواب هو أنهم لا يعتبرون بعد الآن من القوة العاملة، ولا حتى من فئة الناس غير العاملين. لا يراعي معدل البطالة الناس العاطلين عن العمل جزئيا. أي كمثال: يعتبر العامل الذي يعمل 5 ساعات أسبوعيا في وظيفة جزئية موظفا كاملا حتى ولو كان يبحث عن وظيفة أفضل. في كلتا هاتين الحالتين, يقدّر معدل البطالة الرسمي المشاكل في سوق العمل بشكل تبسيطي عما هي عليه في الواقع.
واحدة من الأخطاء الشائعة هي الاعتقاد بأن الهدف يكمن في خفص نسبة البطالة إلى 0%. حتى في الاقتصاد القوي السليم لن تتخلص من البطالة أبدًا. يشير علماء الإقتصاد بأنه يتواجد ثلاثة أنواع من البطالة أو ثلاثة أسباب لعدم عمل بعض الاشخاص.
1- البطالة الإنتقالية: تتواجد هذه الحالة عندما يكون الناس غير عاملين لفترة مؤقتة. إذا, في حال كنت قد قدمت استقالتك وتبحث عن عمل، أو كنت في مرحلة انتقالية ما بين عملك القديم والجديد, فأنت تعتبر عاطل عن العمل انتقاليا.
2- البطالة الهيكلية: تحدث عندما يكون العمال غير موظفين لعدم تواجد عمل متاح لهم في اختصاصهم.
النقطة المهمة هنا بأن كل من البطالة الهيكلية والانتقالية ستتواجدان بشكل دائم. إذا أصبحت 0% نسبة بطالة أمرًا مستحيل. ما يمكن فعله هو الحد من نسبة النوع الثالث من البطالة:
3- البطالة الدورية: سبب هذه البطالة هو الانحسار. تحدث عندما يتوقف الناس عن الإنفاق فيقوم رؤساء الأعمال بالاستغناء عن بعض الموظفين؛ وبما أن هؤلاء الموظفين السابقين سيقلّ دخلهم ، أو يتوقف تمامًا، سيتوقفون عن شراء الأشياء أيضا، هذا يعني بدوره أن مزيدا من الناس سيفقدون أعمالهم.
يعتبر الإقتصاد في حالة توظيف تام عندما يتواجد فيه بطالة هيكلية وانتقالية فقط لا غير. يدعى هذا بمعدل البطالة الطبيعي.
الآن دعونا نربط كل من الناتج المحلي ومعدل البطالة. يتناسب معدل البطالة بشكل عكسي مع الناتج المحلي. هذا يعني بأنه عندما يرتفع ال GDP سينخفص معدل البطالة, والعكس صحيح.
الآن دعونا ننتقل إلى الهدف الاقتصادي الثالث: استقرار الأسعار. الهدف بشكل عام هو إبقاء الأسعار مستقرة، وذلك لتجنب التضخم السريع، أو غلاء الاسعار، ولكن بنفس الوقت، علينا تجنب الانكماش الاقتصادي أو بمعنى آخر انخفاض الاسعار.
يقاس التضخم بملاحظة اسعار مجموعة من المواد التي يتم شرائها بشكل اعتيادي, أو ما يطلق عليه الاقتصاديين: سلة سوق. يكون معدل التضخم هنا عبارة عن نسبة التغير في سعر تلك السلة خلال مدة معينة من الزمن. يعتبر التضخم الكبير سيئا للإقتصاد لأنه يضعف من القدرة الشرائية, أي معنى آخر ستتمكن من شراء مواد أقل بنفس كمية النقود والذي بدوره يخلف نتائج سلبية كثيرة على الإقتصاد.
ننتقل الآن إلى الانكماش الإقتصادي. على الرغم من أن معظمنا ستعجبه فكرة شراء الاشياء بأسعار أرخص من المعتاد، انخفاض الاسعار ليس بالشيء الجيد
؛ ولكن لماذا؟ تحفّز في الحقيقة الأسعار المنخفضة الناس على عدم إنفاق المال لأنهم يتوقعون بأن الأسعار ستستمر بالإنخفاض دوماً. إنفاق أقل في الإقتصاد يعني انخفاض في GDP يعني ارتفاع في البطالة, والذي يصبح مع الوقت أكثر انتشارا. يجب الانتباه هنا إلى أن الانحسار أو الركود يختلفان عن الانكماش الاقتصادي. فالانكماش يعني انخفاض في الاسعار والذي يرافقه انحسار كبير أي انخفاض كبير في GDP. ففي الحقيقة الانحسار الخفيف قد يؤدي إلى انخفاض في التضخم فقط أما شدته فتؤدي إلى انكماش أي تضخم سلبي.
قرأنا في هذه المقالة كيف يمكن للإقتصاد بأن يسرع أو يبطء في مسيرته، والهدف الأساسي هو ضبط هذه السرعة. يقول بعض الإقتصاديون بأنه على الحكومة أن يكون لها دور في ضبط الإقتصاد. أي مثلا عندما يحدث انحسار, يجب على الحكومة أن تزيد من الإنفاق، أو أن تخفض من الضرائب، بحيث يمتلك الأفراد نقودا أكثر لإنفاقها. يقول بعض الإقتصاديين بأن هذه الطريقة ستعيد الإقتصاد إلى حالة التوظيف التام. ولكن هناك سلبية أساسية: الدَّين, على الرغم من أن بعض الإقتصاديين يقولون بأنها ليست سيئة أبدا.
وصلنا الآن إلى ختام مقالنا هذا, انتظرونا في المقالات القادمة لنناقش المزيد من قضايا الإقتصاد الشيقة.