تمثّل الحشرات أهمّيةً كبيرةً، إذ أن ما يصل إلى 30 مليون فصيلة منها يجعلها نوعًا مهمًّا من الكائنات الحية في دراسات العلوم البيئية، والذي لا نعرف عنه سوى القليل ذلك لأن أغلب كتب البيولوجيا تهملها، وتشكّل حوالي 80% من الكائنات الحيّة، أي ما يضع عددها قرب الكوينتيليون. وهي أكثر الحيوانات وفرة على سطح الارض وليس من السهل أبدًا معرفة كل التفاصيل عنها من كتب البيولوجيا، إذ أن الفقّاريات تجتاح حيّزًا كبيرًا في هذه الكتب، لذلك لا بد من أن نسلّط الضوء على هذه الكائنات، والتي تُعدّ الأقلّ شهرةً في مملكة الحيوان.
وفي دراسة حديثة، أحصيت حوالي 88 دراسةً نشرت في الفترة ما بين 1906 و2016، إذ لم تكن المعلومات فيها تعكس وفرتها على الأرض فقط، بل أهمّيتها أيضًا في علم البيئة. تقول (جينيفر لاندين – Jennifer Landin) -عالمة الأحياء بجامعة ولاية كارولينا الشمالية: «إن وجود الحشرات في نظامنا البيئي أمر مهم، إذ أنها تؤدي أدوارًا عديدةً في كل شيء، بدءًا من الزراعة حتى صحة الإنسان، ولكن حسب تحليلنا فإن العديد من الطلاب المبتدئين الذين يتلقون دروسًا في البيولوجيا لا يتعلّمون عنها إلا القليل».
الغريب في الأمر أن ذلك التقصير في علم الأحياء بدأ في الازدياد منذ عام 1960، إذ أن التطرّق لموضوع الحشرات لم يعد كما كان، وهذا ما يراه الباحثون مشكلةً في حدّ ذاتها. وتقول لاندين: «نحن لا نعيش في معزل عن الطبيعة، الحشرات والإنسان لديهما تأثير مباشر على بعضهما البعض، وذلك لم يعد يقدَّم بوضوح في التعليم». هذا وقد قام الباحثون بإحصاء وعمل تمشيط للكتب المدرسية، وكان الهدف من ذلك اكتشاف محتوى كتب البيولوجيا وتغييرها مع مرور الوقت، وسُجِّلت جميع المعلومات، والتي احتوت كلمات أو أرقامًا أو رسومًا توضيحية عن الحشرات، ومقارنتها بسنوات النشر لهذه الكتب، إذ كانت النتيجة انخفاضًا ملحوظًا في نسبة الصفحات المدرسية التي ركّزت على تشريح الحشرات وحياتها وعلاقتها بالبيئة مقارنة بباقي الحيوانات
الحشرات الصالحة ل الاكل ، هل ستحل محل لحوم الابقار في المستقبل ؟
منذ قرن، يمكن القول أنه تم تخصيص حوالي 32.6 صفحات في المتوسط عن الحشرات، وهذا يمثّل حوالي 8.8% من مجموع ما خصص عن الكائنات الحية.
وبالتقدّم السريع للكتب المنشورة بين عامي 2000 و 2016، انخفض هذا العدد إلى 5.67 صفحةً لتصبح النسبة 0.59% من مجموع ما نشر عن الكائنات الحية الحيوانية.
وما يزيد الأمر سوءًا أن فريق البحث وجد اختلالًا كبيرًا في فئات هذه المفصليات ذات الأهمية الكبيرة.
(مستقيمات الأجنحة – Orthoptera) مثل الجراد والصراصير، بالرغم من أنها تشكّل 2% فقط من أنواع الحشرات، فإنها تمثّل ما يصل إلى الربع بالنسبة لما ذُكِر عن الحشرات. أمّا الخنافس، والتي هي من رتبة (مغمدات الأجنحة – Coleoptera)، على الرغم من أنها تشكل 37% من جميع أنواع الحشرات فقد مثّلت أيضًا حوالي ربع تلك الصفحات.
الكثير من صفحات كتب البيولوجيا -والتي تتطلب كثيرًا من الوقت للدراسة- تحتوي على أعداد كبيرة من المجموعات الحيوانية وباقي الكائنات الحية ، والتي قد تكون فعلًا أقل أهمّيةً من الحشرات، لذلك اختيار محتوى توضيحي مناسب هو أمر يحتاج أن يكون أكثر دقةً. وأيضًا بالإضافة إلى التقييم الكمّي، قام الفريق بفحص أنواع الكلمات المستخدمة لوصف الحشرات، وتبيّن أنها موصوفة من قِبل مبتدئ في علم حشرات. لذلك بينما يمكن أن تكون كلمة وباء مفهومة ومنصفة بالنسبة لخبير، فإنه من الممكن في متوسط السنوات الدراسية الأولى للطالب أن يكون فيها غير مدرك تمامًا لمعناها ودور الحشرات فيها.
الحلقة العشرون من سلسلة الإسعافات الأولية كيف تتعامل مع لسعات الحشرات؟
جميع ما نُشر قبل عام 1960 يحتوي على وصف أكثر بحوالي 8.7 مرات، شاملًا الجانب الإيجابي والسلبي، مقارنةً بما نُشر بعد عام 2000. وفي حين أنه قد تكون بعض الكلمات ذات إيجابية، فإنها ليست كذلك في أيامنا هذه، إذ أن جميع الدلالات قد لا تبدو لصالح الحشرة. لذلك نحن لسنا فقط أقل تحدّثا عن النمل والعث والذباب، بل أيضًا أقل إيجابيةً (أو أقل إطراءً) في وصفها.
وأضافت لاندين: «لقد لاحظنا أيضًا علاقة المجتمع بمحتوى النصوص التي تُنشر، فمثلًا في حين أن جمع الفراشات هواية منتشرة عند مجتمع ما، فإن المعرفة عن الفراشات تكون أكثر أهمّيةً وانتشارًا مقارنةً بالحشرات الأخرى، وفي حين أن الأمراض المنتشرة عن طريق الحشرات أمرًا واسعًا، وجدنا أن البعوض والذباب احتلّا مساحةً واسعةً في الكتب». لذلك قد يؤثر المجتمع فعلًا بمحتوى الكتب المدرسية، لكن هذا أمرًا أقل أهميةً مقارنةً بما يقلقنا في العقود المقبلة، إذ أن أعداد الحشرات قد تنخفض بسبب التغيّرات المناخية.
وفي النهاية، لا نريد من علماء الأحياء في المستقبل أن يصنّفوها فقط بنسبة 80% من جميع أنواع الحيوانات، بل نريدهم أكثر شغفًا بها، نريد أن يضمنوه في كتب البيولوجيا ويدرسوها للتلاميذ، فربما نتمكن من إنقاذها مستقبلًا مع باقي الحيوانات
ترجمة أريج المالطي – تدقيق علي فرغلي