تعد معركة السوم إحدى أكثر معارك الحرب العالمية الأولى دموية، فقد شارك فيها خمسة ملايين جندي من الطرفين، انتهى الأمر بمليون منهم بين قتيل وجريح.
بدأت معركة السوم في يوليو 1916 بهجوم الحلفاء على القوات الألمانية في الجبهة الغربية واستمرت حتى نوفمبر من ذلك العام، تكبدت فيها القوات البريطانية خسائر تُقدّر بأكثر من 57 ألف إصابة منها مقتل 19 ألف جندي في اليوم الأول من المعركة فقط، فأمسى ذلك اليوم أكثر الأيام كارثية في تاريخ الجيش البريطاني.
وقد استمرت معركة السوم التي خمسة أشهر، ويُطلق عليها أحيانًا تسمية معركة السوم الأولى.
1 يوليو: بداية المعركة
قبل أن يهجم الحلفاء، بدؤوا بقصف مدفعي شديد استعملوا فيه نحو 1.75 مليون قذيفة لتدمير الأسلاك الشائكة في دفاعات الألمان ومواقعهم الحصينة، وفي صباح 1 يوليو تقدمت 11 فرقة من الجيش البريطاني الرابع على خط جبهة طوله نحو 24 كيلومترًا شمال نهر السوم بفرنسا، وكان كثير من الجنود متطوعين لم يشاركوا في قتال من قبل. وفي الوقت نفسه، تقدمت 5 فرق فرنسية من الجنوب على خط جبهة طوله نحو 13 كيلومترًا حيث كانت الدفاعات الألمانية أضعف.
ظن قادة الحلفاء أن القصف المدفعي دمر الدفاعات الألمانية وأن قواتهم ستتقدم بسهولة لكن الأسلاك الشائكة -في الحقيقة- كانت ما تزال سليمة في العديد من المواضع وأن مواقع الألمان -وكثير منها عميق تحت الأرض- كانت أقوى من المتوقع.
وعلى طول الجبهة، حصدت نيران رشاشات الألمان وبنادقهم آلاف الجنود البريطانيين المهاجِمين في المنطقة بين الجيشين، فقُتل نحو 19240 جندي بريطاني وجُرح نحو 38000 منهم مع نهاية اليوم الأول، وتذكرنا هذه الأعداد بعدد من سقط من البريطانيين أو أُسِر حين خسر الحلفاء معركة فرنسا في الحرب العالمية الثانية (مايو-يونيو 1940).
حرب الخنادق والاستنزاف
كان نجاح القوات البريطانية والفرنسية في الجبهة الجنوبية أكبر، رغم أنها كانت محدودة مقارنة بالخسائر الهائلة التي شهدها يوم المعركة الأول، لكن أصر هايغ على متابعة الهجوم فأطلق البريطانيون سلسلة من الهجمات الصغيرة على خطوط دفاع الألمان خلال الأسبوعين اللاحقين، وتسبب ضغطهم بسحب الألمان بعض الأسلحة والجنود من فردان ليساندوا قواتهم.
وفي الصباح الباكر من يوم 15 يوليو أطلقت القوات البريطانية وابلًا جديدًا من قذائف المدفعية تبعتها بهجوم عظيم على ثغرة بازنتين شمالي نهر السوم، ففوجىء الألمان بالهجوم فتقدم البريطانيون نحو 5.5 كيلومتر في أراضي العدو واحتلوا قرية لونغوفال، لكن كل تقدم بسيط قابلته خسائر كبيرة، إذ خسر الألمان نحو 160 ألفًا من جنودهم وخسر البريطانيون والفرنسيون نحو 200 ألف بحلول نهاية يوليو.
ومع نهاية أغسطس، تضاءلت معنويات الألمان نتيجة خساراتهم للأرض في السوم وفردان، واستُبدل بالجنرال الألماني «إريك فون فالكينهاين» «بول فون هيندربرغ» و«إريك لوديندروف». وأنبأ تغير القيادة بتغير في الاستراتيجية الألمانية؛ إذ سيتوجه الألمان نحو بناء خط دفاع جديد خلف جبهة السوم مع أنهم سيفقدون بعض الأراضي، لكن الخسائر التي سيوقعونها في صفوف العدو ستكون أكبر.
مشاركة الدبابات في المعركة
في 15 سبتمبر إبان هجوم على فلير كورسيليت، وبعد قصف للمدفعية البريطانية، تقدمت 12 فرقة من المشاة ترافقها 48 دبابة من نوع مارك 1، وكانت هذه أول مشاركة للدبابات في المعركة. لكن الدبابات كانت ما تزال بدائية فتعطل العديد منها قبل أن تصل إلى الجبهة، فلم يتقدم البريطانيون إلا نحو 2.5 كيلومترًا مقابل خسائر وصلت لنحو 29 ألف جندي.
ومع بداية أكتوبر، أعاق المناخ السيء هجومًا آخر للحلفاء فواجه الجنود صعوبة في عبور الأرض الوحلة وفوقهم يصب وابل من قصف المدفعية الألمانية والطائرات المقاتلة. وجرى آخر تقدم للحلفاء في المعركة في منتصف نوفمبر حين هاجموا المواقع الألمانية في وادي نهر آنكري، ومع قدوم الشتاء الحقيقي أوقف هايغ الهجوم في 18 نوفمبر فأنهى معركة الاستنزاف على نهر السوم، حتى السنة التالية على الأقل. خلال 141 يومًا تقدم البريطانيون 11 كيلومترًا فقط وفشلوا في كسر جبهة الألمان.
تراث معركة السوم
يتذكر الناس معركة السوم -وخصوصًا يومها الأول المدمّر- برمزيتها للوحشية والمذبحة العقيمة التي كانت صفة صراع الخنادق -عمومًا- في الحرب العالمية الأولى. وانتُقِد الضباط البريطانيون -وخصوصًا هايغ- لإصرارهم على الهجوم رغم الخسائر المدمرة.
كانت معركة السوم أول معركة يشهدها العديد من الجنود البريطانيين المشاركين بها، الذين كانوا قد تطوعوا للخدمات العسكرية في سنتي 1914 و1915، وكان كثير منهم أعضاء في «كتائب الزملاء» أو وحدات تكونت من أصدقاء وأقارب وجيران يعرفون بعضهم.
ومثال على خسائر المجتمع المحلي ما جرى للكتيبة الحادية عشرة – شرق لانكشاير، التي تُعرف أيضًا باسم «زملاء أكرينغتون»، حين سقط 584 رجلًا بين قتيل وجريح من أصل 720 رجلًا شاركوا في القتال.
مع أن الفشل كان نصيب هجوم الحلفاء عند السوم، إلا أن المواقع الألمانية في فرنسا تضررت كثيرًا نتيجة ذاك الهجوم حتى أن الألمان دُفعوا دفعًا لينسحبوا اسنحابًا تكتيكيًا إلى خط هايندينبرغ في مارس 1917 بدلًا من الإصرار على القتال في نفس مواقعهم القديمة في الربيع.
يدور جدال حول الأعداد الدقيقة لخسائر الألمان عند نهاية معركة السوم، لكن العدد يتجاوز -على الأرجح- خسائر البريطانيين ويُقدر بنحو 450 ألف جندي مقابل 420 ألفًا على الجانب البريطاني. إضافة إلى ذلك، اكتسبت القوات البريطانية التي شاركت في معركة السوم خبرة ثمينة ساعدتها لاحقًا في تحقيق النصر على الجبهة الغربية.
اقرأ أيضًا:
الأسباب الخمسة الرئيسية لاندلاع الحرب العالمية الأولى
كل ما تود معرفته عن معركة ستالينغراد
ترجمة: الحسين الطاهر
تدقيق: نور عباس