العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية عالية الفعالية، هو مجموعة من العلاجات الدوائية التي تُستخدم لعلاج مرض الإيدز. اعتُمد الاسم في أواخر التسعينيات، لكن تراجع استخدام هذا المصطلح حاليًا نظرًا إلى أن «مضادات الفيروسات القهقرية» الحديثة لا توصف فقط بكونها «عالية الفعالية»، بل هي قادرة أيضًا على إيصال المصابين بالإيدز إلى عمر قريب من متوسط العمر الطبيعي للإنسان السليم، وتعطيهم صحةً طويلة الأمد وخاليةً من الأمراض.
مع ذلك، ما زال العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية عالية الفعالية يُعد نقطة تحول أساسية في رحلة إيجاد علاج للإيدز، وهو الأساس الذي بُني عليه العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية الحديثة.
قبل ظهور العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية عالية الفعالية، اختصارًا (HAART)، استُخدم دواء أو اثنان من مضادات الفيروسات القهقرية، لكنهما أعطيا تحكمًا محدودًا في المرض، ما أدى إلى فشل علاجي سريع وتطور آليات عديدة لمقاومة العلاج.
عام 1995، ومع اكتشاف زمرة جديدة من الأدوية تُعرف بمثبطات البروتياز، استطاع الباحثون جمع ثلاثة أدوية أو أكثر بطريقة تمنع فيروس الإيدز من التكاثر في مراحل مختلفة من دورة حياته.
مع ظهور العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية عالية الفعالية، تراجعت نسب الوفيات بسبب الإيدز في الولايات المتحدة وأوروبا إلى 50% في غضون ثلاث سنوات.
ظهرت هذه النتائج أيضًا في أجزاء أخرى من العالم، لا سيما أن الأمم المتحدة تخطط لإمداد المصابين بالإيدز حول العالم بالعلاج بمضادات الفيروسات القهقرية، والقضاء على هذا المرض بفعالية بحلول عام 2030.
كيف تعمل مضادات الفيروسات القهقرية؟
لا تقتل مضادات الفيروسات القهقرية فيروس الإيدز، بل تكبح تطوره في مراحل مختلفة من دورة حياته، التي تشمل بداية ارتباطه بالخلية، وتصنيعه نسخًا جديدة من نفسه، حتى إصابة خلايا أخرى.
تعمل مجموعة الأدوية معًا مثل »فريق إشارات» بيولوجي، لكبح مجموعة متنوعة من متغيرات فيروس الإيدز التي قد تكون منتشرةً عند قطاع محدد من السكان، لذلك إن لم يتمكن أحد الأدوية من كبح نوع من الفيروس، سيفعل ذلك دواء آخر.
بكبت التنوع الفيروسي تمامًا، فسيوجد عدد أقل من الفيروسات المنتشرة في مجرى الدم، وفرص أقل للفيروس ليتحور إلى شكل مقاوم للدواء.
الأصناف الدوائية:
سابقًا، كان العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية عالية الفعالية يتضمن ثلاثة أدوية، ومع تطور علوم الحركيات الدوائية، أصبحت بعض العلاجات تتضمن دوائين فقط.
حاليًا، توجد ستة أصناف من أدوية مضادات الفيروسات القهقرية، بإمكانها علاج الإيدز، كل منها يثبط مرحلةً معينة من دورة حياة الفيروس:
- مثبطات الدخول أو الارتباط.
- مثبطات النسخ العكسي غير النوكليوزيدية.
- مثبطات النسخ العكسي النيوكليوزيدية.
- مثبطات البروتياز.
- مثبطات الإنتغراز.
- معززات حركية الدواء «الأدوية المعززة».
بحلول عام 2021، أصبح يوجد 26 نوعًا فرديًا من مضادات الفيروسات القهقرية مرخصة من إدارة الغذاء والدواء، إضافةً إلى 22 دواءً مركبًا ذا جرعة ثابتة، يتضمن كل منها اثنين أو أكثر من العوامل المضادة للفيروسات القهقرية.
عادةً، تتطلب مضادات الفيروسات القهقرية جرعات يومية. عام 2021، اعتمدت إدارة الغذاء والدواء عقار كابينوفا «كابوتيغرافير + ريلبيفيرين»، الذي يؤخذ بالحقن ولا يتطلب سوى جرعتين شهريًا لكبت الفيروس تمامًا.
فوائد
مضادات الفيروسات القهقرية:
إضافةً إلى منع تطور المرض عند المصابين بالإيدز، قد يؤدي الاستخدام واسع النطاق لمضادات الفيروسات القهقرية إلى خفض معدلات الإصابة عند المجموعات السكانية المعرضة لخطر الإصابة. يُعرف ذلك بنهج «العلاج بالوقاية»، الذي يهدف إلى تخفيف «الحمل الفيروسي» على المجتمع، ما يصعب انتشار العدوى الفيروسية.
وفقًا لدراسة نُشرت في مايو 2019، فإن خفض الحمل الفيروسي من شأنه أن يقلل خطر انتقال عدوى فيروس الإيدز وقد يقضي عليه تمامًا.
مع الالتزام بالاحتياطات الملائمة، يصبح بإمكان الأزواج إنجاب الأطفال بأمان تام، وإن كان أحد الشريكين مصابًا بالإيدز.
أيضًا، تنخفض نسبة الإصابة بالأمراض الخطيرة المرتبطة بالإيدز والأمراض غير المرتبطة به أيضًا –مثل السرطانات وأمراض القلب- بنسبة تصل إلى 72% عند بدء العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية مبكرًا، وفقًا لبحث نُشر في (The New England Journal of Medicine). تؤكد هذه النتائج أهمية التشخيص المبكر للمرض وبدء العلاج.
خاتمة:
غيّر العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية عالي الفعالية مسار مرض الإيدز في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، لم تشمل فوائده مرضى الإيدز فقط بل امتدت أيضًا إلى المجتمع المحيط.
اليوم، يمكن استخدام مضادات الفيروسات القهقرية على غير المصابين لتقليل احتمال إصابتهم بالعدوى، بوسع الأصحاء تقليل خطر إصابتهم بالفيروس بنسبة تصل إلى 99%، بأخذ حبة من الدواء يوميًا.
يُنصح حاليًا باعتماد أسلوب «الوقاية قبل التعرض» للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالعدوى، ومنهم الأزواج متباينو الجنس ومن يتعاطون المخدرات بالحقن ومن يمارسون الجنس الشرجي أو المهبلي.
اقرأ أيضًا:
الفيروسات القهقرية الراجعة ERV وعلاقتها بالتطور وإثبات السلف المشترك
لقاح الإيدز أصبح أقرب بعد نتائج واعدة على القرود
ترجمة: ميس مرقبي
تدقيق: رغد أبو الراغب
