يميل البالغون نسبيًا إلى اضطهاد من هم أصغر سنًا، ويصف مصطلح «تسلط البالغين» هذا النوع من التحيز، وطبعًا يحتاج الأطفال إلى إرشادات من البالغين مناسبة لعمرهم، وهنا لا نقصد هذا النوع الجيد من التحيز.
ولتوضيح الأمر، لا يسيء كل أبوين إلى صغارهما، بل إن معظم الآباء ليسوا متسلطين. يحدث تسلط البالغين على الصغار عندما يُضطهد صغار السن فقط لأنهم أصغر منا نسبيًا. تتضمن أفكار من يُقْدمون على هذه الإساءات أن البالغين أعلى شأنًا من الأطفال، أو أن حقوق البالغين أهم من حقوق الصغار. بعضها الآخر يتضمن أن الصغار يجب أن يرضخوا لإرادة البالغين، حتى لو نتج عن ذلك أذى أو اعتداءات.
وجدت الدراسات عن تسلط البالغين أن أكثرها ترتكز حول الأطفال، ولكن قد يتعرض لها أيٌ كان بسبب صغر سنه مقارنةً بالآخرين. فيحدث ذلك ضمن الأسرة، عندما يسيء الكبار من الإخوة معاملة الصغار، وقد يحدث في مكان العمل عندما يسيء العمال الأكبر للمبتدئين الأصغر سنًا.
يتعرض الأفراد لتسلط البالغين في سن مبكرة، وقليلون هم من يتجاوزون طفولتهم دون المرور بمواقف تُساء فيها معاملتهم. فإذا أُهمِلت رغباتك واحتياجاتك ولم تُحترم فقط لأنك طفل، فقد عانيت تلك الإساءة.
تصف بعض العبارات أفكار هؤلاء البالغين، مثل «يجب رؤية الأطفال، لا سماعهم»، أو «لا تزال صغيرًا على فهم هذا»، أو «ما بك لا تنضج».
ويمكن طرح العبارات السابقة، دون المساس بمشاعر الصغار، فبدلًا من قول: »يجب رؤية الأطفال، لا سماعهم«، قل: »أنا منشغلٌ بأمرٍ آخر الآن ولا يمكنني الإصغاء إليك»، وهنا عليك تحديد وقتٍ آخر تسمح فيه للطفل بالتعبير عما يجول في خاطره.
وبدلًا من: «لا تزال صغيرًا على فهم هذا»، أجب الطفل على سؤاله واشرح له ما يحدث بطريقة تناسب عمره. في حال استحال ذلك، يمكن أن تدّعي عدم امتلاك وقت للشرح.
وبدلًا من: «ما بك لا تنضج»، يمكن القول ببساطة: «لا تكرر فعل هذا لو سمحت».
عندما نعامل الصغار بسوء باستمرار، فسيتعلمون أن آراءهم وتفضيلاتهم واحتياجاتهم بل حتى سلامتهم لا تهم البالغين حولهم. وتثبت لديهم فكرة علو شأن البالغين ووجوب الخضوع لهم. هكذا، يرى الصغار أنفسهم في قاع هرم السلطة ويشعرون أنهم غير مهمين. إذا استمرت هذه الرسائل المدمرة، وإذا لم تخفف عبر تجارب أخرى تكسب الأطفال شعورًا بالقوة والإرادة في أنفسهم، فسيدخلون مرحلة الشباب حاملين معهم أفكار الطفولة من استخفاف بالذات وضياع إرادتهم وحاجاتهم في الحياة.
نتيجة لتسلط البالغين، يتعلم الناس قبول الاضطهاد، ويُفتح المجال أمام أشكال أخرى من الإساءات. إذا تلقينا أفكارًا تشير إلى دنو شأننا منذ الطفولة، وأننا ننتمي إلى قاع الهرم حيث لا يهتم بنا أحد، فلن نلقي بالًا إذا أساء رؤساؤنا في العمل معاملتنا، أو عوملنا بعنصرية، أو أُسيئت معاملتنا بسبب جنسنا، فنصمت لأننا نظن أن أصواتنا لن تُسمع. وبدورنا، قد نتبنى الأفكار التي تربينا عليها، ونطبق تسلط البالغين مكملين دورة المعاملة السيئة.
يستخدم الناس أحيانًا مصطلح التفرقة العمرية لوصف التعصب ضد صغار السن من الناس، وهذا ليس خاطئًا، ولكننا نفضل استخدام مصطلح التفرقة العمرية عادةً لوصف التحيز ضد كبار السن، بينما تسلط البالغين يكون ضد الصغار. بعد فصل المصطلحين، يمكننا دراسة كل من الظاهرتين على حدة. يقلل الفصل اللغوي بين الظاهرتين من المساهمة في الصراع عبر الأجيال الذي يجعل الشباب وكبار السن يتنافسون على من يعاني أكثر أو أسوأ من التمييز التفريقي العمري.
علينا ألا نغفل أن كلًا من الصغار وكبار السن معرضون لأشكالٍ من التعظيم الزائد فيُرون أنهم مثاليون. فمثلًا، قد يرى بعض الناس براءة الأطفال أمرًا مثاليًا، فلا يضعون لهم الحدود ويقولون: »دع الأولاد يكونون أولادًا«. والنظرة المثالية إلى الشباب تأتي من رؤيتهم متحمسين ومبدعين، وكثيرًا ما يظن الناس خطأً أن الشباب هم وحدهم من يحوزون تلك الصفات.
أما النظرة المثالية إلى الشيوخ وكبار السن فتأتي من رؤية حكمتهم التي يفترض أن تبنى مع الوقت. يصر الأكبر سنًا على وجوب تلقيهم معاملة فضلى، بصرف النظر عن تصرفاتهم التي قد تؤذي الآخرين. إضافةً إلى أنهم يحوزون غالبًا مناصب القيادة بناءً على أن من يملك التجربة يعني أنه خبير، وهذا افتراض لا تشترط صحته دومًا.
من المهم أن نلقي اهتمامًا لكل أنواع التفرقة المعتمدة على العمر، وحتى الآن قليلٌ هو الاهتمام المعطى للطرق التي يُضطهد فيها الشباب من قبل كبار السن.
إذا أردنا إنشاء مجتمعٍ يُمكّن مواطنيه من ممارسة استقلاليتهم وحريتهم، ويحثهم على الاهتمام بالناس من مختلف الأعمار، والوقوف ضد الظلم، فعلينا الانتباه لمفهوم تسلط البالغين وتأثيره طويل الأمد.
اقرأ أيضًا:
التربية القاسية تدفع للتنمر وكذلك التربية المتساهلة
كيف تؤثر التربية القاسية على الاداء الاكاديمي للاطفال ؟
ترجمة: ليلى حمدون
تدقيق: نايا بطاح
مراجعة: حسين جرود