إذا كنت تعتقد أن وحدات قياس المسافات بالسنوات الضوئية والفراسخ محيرة، فانتظر حتى تجد نفسك مضطرًا للتعامل مع المسافات المقاسة بانزياح الطيف الأحمر.

توجد فجوة بين الطريقة التي يصف بها العلماء عادة المسافات الفلكية، والوحدات التي تكون منطقية لغير المتخصصين بعلم الفلك، وكما أخبرنا دوغلاس آدامز بكل ثقة أن الفضاء واسع حقًا، وهذا يعني أننا بحاجة إلى وحدات كبيرة لوصفه. يمكنك قياس المسافة من الأرض إلى مجرة أندروميدا بالسنتيمترات إن أردت ذلك حقًا، لكن سينتهي الأمر بالكثير من الأصفار المربكة وغير المجدية.

وحدات الفضاء الكوني التي يعرفها العامة أكثر هي السنوات الضوئية، وهذه، كما يوحي الاسم، هي المسافة التي يقطعها الضوء عبر الفراغ في الوقت الذي تستغرقه الأرض في الدوران حول الشمس، صحيح أن هذا الأمر يتجاوز نطاق قدرة معظم الناس على تصوره، ولكن الاسم مألوف على الأقل، علاوة على ذلك، فإن أقرب نجم إلينا، بخلاف الشمس، يبعد ما يزيد قليلاً عن أربع سنوات ضوئية، لذلك يعطي إحساسًا بالقياس عند الحديث عن النجوم الأبعد.

تخبرنا السنوات الضوئية أيضًا على الفور بشيء مثير للاهتمام، إن لم يكن مفيدًا دائمًا، وهو المدة التي استغرقها الضوء للوصول إلينا، وبالتالي، عندما نقول إن المستعر الأعظم الذي رأيناه للتو يقع على بعد 21 مليون سنة ضوئية، فإننا لا نحتاج إلى إعادة الحسابات لمعرفة أنه انفجر قبل 21 مليون سنة مضت.

في الواقع، السنوات الضوئية هي وحدات مفيدة جدًا بحيث يكون من السهل أحيانًا استخدام مشتقاتها، وقياس المسافة بين النجوم بالأشهر الضوئية، أو المسافة إلى مركبة فويجر الفضائية بالساعات الضوئية.

هذه هي وحدة القياس التي تُستخدم غالبًا في بعض المواقع العلمية، لكن في الأوراق العلمية فهذه الوحدة نادرة الإستخدام.

بدلاً من ذلك، فإن الوحدات الثلاث الأكثر استخدامًا لقياس المسافات الفلكية هي: الوحدة الفلكية (AU)، والفرسخ الفلكي (pc)، وانزياح الطيف الأحمر (z).

قبل شرح هذه الوحدات، تجدر الإشارة إلى مدى استناد كل هذه القياسات إلى الأرض، لن تستخدم أي حضارة فضائية هذه الوحدات (باستثناء انزياح الطيف الأحمر)، لأن كوكبها سيكون على مسافة مختلفة من نجمه وسيستغرق زمنًا مختلفًا لإكمال مداره، وبعبارة أخرى، فإن ظروفنا المحلية مرتبطة بالطريقة التي نقيس بها الكون، وبالتالي نادرًا ما تكون رؤيتنا للكون موضوعية، فهي تتشكل حسب المكان الذي أتينا منه.

تُستخدم الوحدة الفلكية لقياس المسافات داخل نظامنا الشمسي، وأحيانًا داخل أنظمة نجمية أخرى. الوحدة الفلكية (AU) تساوي متوسط المسافة بين الأرض والشمس: 150 مليون كيلومتر، أو 93 مليون ميل، أو 8.3 دقيقة ضوئية. وهذا له العديد من المزايا. قد لا يعرف معظمنا بالضبط مدى بعدنا عن الشمس، لكنها ما تزال أداة قياس مفيدة لتقييم ما إذا كان الجسم العابر يمثل تهديدًا، أو فهم سبب كون الكواكب الأخرى أكثر سخونة أو برودة. وفي الوقت نفسه، فإن السنوات الضوئية كبيرة جدًا فلا يمكنها وصف هذه المسافات بشكل مناسب، مثل محاولة استخدام الأميال لقياس عرض الإصبع.

الفرسخ الفلكي هي وحدة أكثر تعقيدًا، الفرسخ الفلكي هو المسافة التي يجب أن يكون عندها النجم على بعد ثانية قوسية واحدة، وهذا يعني أنه يبدو أنه يتحرك بمقدار 3600 جزء من الدرجة بالإتجاه المعاكس للنجوم الأبعد، بينما تتحول الأرض بين طرفي نقيض من مدارها.

هذا الوصف بالكاد غير موجز، ولا يوجد سبب واضح أيضًا لتكون هذه الوحدة أفضل من السنة الضوئية، فالفرسخ الفلكي الواحد يساوي 3.26 سنة ضوئية، لذلك لا يبدو أنه أكبر أو أصغر بما يكفي ليكون طريقة أفضل بكثير لوصف مسافات معينة، والواقع أن فهم وحدة الفرسخ الفلكي محدود للغاية.

على الرغم من ذلك، تشير معظم الأوراق البحثية إلى النجوم القريبة بالفرسخ الفلكي، والمسافات داخل المجرة بالكيلو فرسخ فلكي، والمسافات بين المجرات القريبة بالميجا فرسخ فلكي. التحويل إلى سنة ضوئية يتضمن فقط القسمة على 3.26.

يبدو أن السبب الذي يجعل علماء الفلك يفضلون الفرسخ الفلكي هو اعتيادهم عليها ليس إلا، ولا علاقة له بأي ميزة يتفوق بها على السنة الضوئية. قد يجادل البعض بسخرية بأن هذا الأمر من بقايا الأيام التي كان يعتقد فيها أن تعقيد المصطلحات العلمية أمام العامة يعلي من شأن العلم، وليس عائقًا أمام فهم العامة وتقديرهم للعلم.

أسباب استخدام انزياح الطيف الأحمر أكثر وضوحًا، لكنها ما تزال الوحدة الأكثر إرباكًا على الإطلاق.

انزياح الطيف الأحمر هو ناتج عن توسع الكون، فمع نمو الكون، تتحرك المجرات بعيدًا عن بعضها، ما يؤدي إلى تحول الضوء الصادر عنها إلى أطوال موجية أطول، بالنسبة للمجرات القريبة، يكون هذا التحول صغيرًا ويمكن أن تطغى عليه عوامل محلية، فتتحرك بعض المجرات نحونا.

كلما كانت المجرة أبعد، زاد طول موجة الضوء الصادر عنها، أو بتعبير آخر تزداد انزياحًا نحو الطيف الأحمر، العلاقة بين انزياح الطيف الأحمر والمسافة ليست معروفة تمامًا، اعتمادًا على مقياس ما يزال غير مؤكد يعرف باسم ثابت هابل، نظرًا لأنه في معظم الحالات يمكننا قياس انزياح الطيف الأحمر، فمن المنطقي وصف المجرة بهذه الطريقة، بدلاً من بعدها بالسنوات الضوئية أو الفرسخ الفلكي فأي وصف بديل سيكون غير دقيق.

الأمر الأكثر إرباكًا، هو أن تحويل انزياح الطيف الأحمر إلى سنوات ضوئية ليس بالأمر السهل، إذ يعتمد الأمر على مجموعة متنوعة من الافتراضات حول الكون، التي لم يُتفق عليها عالميًا، لذلك نحصل على إجابات مختلفة عند تحويل الانزياح نحو الطيف الأحمر إلى سنوات ضوئية.

ونتيجة لذلك، عندما تتحدث المقالات العلمية الشائعة عن المسافات التي تفصل بين المجرات والكون المبكر، توجد عدة مستويات من عدم اليقين بما يتعلق بالأرقام.

اقرأ أيضًا:

هل تتغير طريقة قياس الوقت؟ قد نجد تعريفًا جديدًا للثانية بحلول عام 2030

باحثون ينجزون تشابكًا كميًا قياسيًا

ترجمة: يوسف الشيخ

تدقيق: بسام موسى

المصدر