توصّلت دراسة إلى أن إصابة الأطفال بمرض التوحد تتعلّق بالتغيّرات التي تحدث داخل أمعائهم، فقد أكّدت النتائج -التي كانت أدق تفصيلًا من غيرها- إلى وجود صلة بين مرض التوحد وما يسكن داخل الأمعاء.

شمل التحليل الجديد في دراسته كل ما يمكن العثور عليه داخل السبيل الهضمي من بكتيريا وفطريات وعتائق وفيروسات.

أجرى الفريق بقيادة باحثين من جامعة هونغ كونغ الصينية فحصًا شاملًا لتأكيد وجود العلاقة بين التغيّرات التي تحدث في تركيب ميكروبيوم الأمعاء وتشخيص اضطراب طيف التوحد.

مع أنّنا غير مدركين لهذا الارتباط حتى الآن، فإن هناك أدلّةً مُعتمَدة تقترح طرقًا جديدة لتشخيص مرض التوحد وفهمه أكثر.

قال عالم الأعصاب بهيسماديف تشاكرابارتي من جامعة ريدينغ في المملكة المتحدة، غير المشارك في البحث: «ما يثير الاهتمام في هذه الدراسة أنها تفتح مجالًا للبحث والتقصّي أكثر حول مسارات كيميائية وحيوية نوعية وتأثيرها في مظاهر التوحد المختلفة. في حال أُثبِت دور العلامات الميكروبية في إظهار قدرة الاختبارات الجينية والسلوكية في اكتشاف مرض التوحد فإن ذلك سيفتح أفاقًا وطرقًا جديدة للكشف عنه وتشخيصه، وبالتالي يمكن للمنصة المستقبلية بالجمع بين التقييمات السلوكية البسيطة والجينية والميكروبية أن تساعد على معالجة هذه الثغرة».

حصل الفريق على أدلة كثيرة -وما تزال تتزايد باستمرار- فيما يخص الارتباط بين تكوين ميكروبيوم الأمعاء المتغير ومرض التوحد، مع أنه لا يوجد إثبات لذلك حتى الآن. ولكننا في نفس الوقت، لا نملك الإلمام الكافي بتأثير ميكروبيوم الأمعاء -بكل ما تحويه من متعضيات مجهرية دقيقة تعيش في طول سبيلنا الهضمي- في مزاجنا وأفكارنا وحتى بكيفية اتخاذنا لقراراتنا.

اقتصر تركيز الأبحاث السابقة المتعلقة بالعلاقة بين الميكروبيوم ومرض التوحد على الاختلافات في البكتيريا فقط، ومن أجل استكشاف تفاصيل هذه الظاهرة بدقة، وسّعت اختصاصية الأمراض الهضمية سيو إن جي -من الجامعة الصينية في هونج كونج مع زملائها- مجال تركيزهم ليشمل التبدّلات التالية للجينوم في جميع المستعمرات الجرثومية الموجودة داخل الأمعاء.

أخذوا سلسلة عينات من البراز لدى 1627 طفلًا، منهم مصابون بمرض التوحد ومنهم غير المشخّص به بعد، تفحّصوا ودققوا كل ما يمكن العثور عليه فيها من ممالك مكيروبية مختلفة. فكشف هذا التحليل عن وجود اختلافات واضحة في ميكروبات الأطفال المصابين بالتوحد.

حدد الباحثون 14 نوع عتيقة و 51 نوعًا جرثوميًا و 7 أنواع فطور و18 فيروسًا و27 جينًا ميكروبيًا و 12 مسارًا استقلابيًا تختلف بين الأطفال من ذوي الأنماط العصبية والأطفال من مرضى التوحد.

بإمكان أي فئة من هذه الأنواع أن تعطي دقة تشخيصية أفضل من التشخيص العشوائي بإدخال بياناتها في خوارزمية التعلم الآلي، إنها ليست تلك النتائج المدهشة لهذا الحد، لكنها تعطي معدل دقة تشخيصية أعلى بكثير عند تقييم تعدد الأنواع الشامل لـ 31 علامة، يتراوح المعدل ما بين 79.5٪؜ و88.6٪؜ بناءً على الفئة العمرية.

تعد الدراسة من أوسع الدراسات التي أجريت حتى الآن وأكثرها شمولًا، وإن نتائجها لا تؤكد فقط ارتباط الأمعاء بمرض التوحد فحسب، بل وتقدم أيضًا طرقًا للمضي قدمًا للتعمّق بالدراستين أكثر لمعرفة الآليات الكامنة وراء التوحد، وفحصه عند الأطفال بطريقة دقيقة وبسيطة نسبيًا وغير باضعة.

يقول تشاكرابارتي: « لقد صُمّم هذا المشروع ونُفّذ على أكمل وجه وقد أخذ بعين الاعتبار شتّى العوامل المربكة وأثبت النتائج في عينات عديدة ومستقلة. ونتيجةً لهذه الدراسة فإن نظرتنا للكائنات الحية الدقيقة المؤثرة في مرض التوحد قد توسّعت حتمًا، وأصبح هناك إمكانية لاستخدام علامات ميكروبية متعددة الممالك للمساعدة على تشخيصه».

اقرأ أيضًا:

تأثير المتفرج: التوحد قد يجعل الناس أكثر مناعة ضد هذه الظاهرة

كيف نهيئ المراهقين المصابين بالتوحد للعمل أو الدراسة في الكلية؟

ترجمة: رغد شاهين

تدقيق: لين الشيخ عبيد

المصدر