ما حقيقة وجود حواجز مائية تحول دون امتزاج مياه البحرين ؟ الادّعاء: توجد حواجز مائية تفصل بعض بحار الأرض عن بعضها وتمنع امتزاج مياهها. يستند هذا الادّعاء على بعض الصور التي انتشرت على الشبكة العنكبوتية والتي غالبًا ما تُفسّر بمنطق ينافي العلم.
سوف نوضّح لكم في هذا المقال لماذا يُعتبر هذا الادّعاء مجرد هراء لا أساس له من الصّحة ولا يدعمه أيّ سند علمي، باختصار لا يوجد سر ولا يوجد “بحرين”!
1- تعود الحالة الأولى والأكثر انتشارًا لأسطورة خليج ألاسكا “عندما يلتقي المُحيطان”:
تنتشر على الإنترنت صورٌ للعديد من الظواهر الطبيعيّة التي تُستغلّ لترويج أفكار مُعيّنة تُسقط العلم من حساباتها، ولعل أشهرها صورة خليج ألاسكا التي تُظهر التقاء مساحتين مائيّتين يبدو كلٌ منهما بلون مختلف.
توثّق هذه الصورة لحظةً من عُمر إحدى الظواهر الطبيعيّة التي يشهدها خليج ألاسكا، حين تلتقي المياه القادمة من الأنهار والوديان الجليديّة المثقلة بالرّواسب مع مياه المُحيط المفتوح أثناء جريانها نحوه، وقبل أن يختلط الماءان؛ يبدو الفرق جليّاً بين الأزرق الفاتح الذي يكسو مياه المحيط الخفيفة، وذلك الداكن الذي تحمله المياه الأخرى المحمّلة بكمّيّة أكبر من الأملاح.
أصبحت هذه الصورة تُدعى بشكلٍ عُرفي «مكان التقاء المُحيطين» التّسمية التي تنأى تماماً عن الحقيقة، ورغم بساطة تفسير الظاهرة التي تشي بها هذه الصورة، إلّا أنّ الكثير من المعتقدات الخاطئة تُعزى إليها، وعلى رأسها هذا العنوان السّاحر، الأمر الذي شاع مؤخّرًا عبر موقع مشاركة الروابط رديت – Reddit، فكثُر تداول المستخدمين لصورٍ تُظهر التقاء أي مُسطحين مائيين، مثل البحر الأسود وبحر البلطيق، وإرفاقها بتعليقات واثقة كلّ الثقة أنّ هذه المياه لم تختلط ببعضها البعض قطّ ولن تفعل أبدًا، كما لو كانت مجرّد مياهٍ مرسومة على خارطة ما!
ربّما تكونون قد شاهدتم صورة شبيهة تصف الظاهرة ذاتها على خليج ألاسكا أيضًا، كان قد التقطها المُصوّر الفوتوغرافي الشهير كينت سميث عام 2010 في إحدى رحلاته، أخذت هذه الصورة نصيبًا أقل من التأويلات الخاطئة بعد الشرح الذي عمّمه المصوّر حول حقيقة الصورة، التي كانت قد تداولها خلال عدّة سنوات أكثر من 860 ألف مستخدم على موقع رديت-Reddit وحده.
التقطت الصورة الأصلية لهذه الظاهرة خلال الرحلة البحريّة التي انطلق فيها علماء المحيطات عام 2007 لدراسة الحديد الموجود بمياه خليج ألاسكا، وكيف ينتقل هذا الحديد إلى شمال المُحيط الهادئ، ودراسة كيفيّة انتقال الدوامات ذات الأقطار الكبيرة بطيئة الحركة من شاطئ الخليج إلى عمقه.
عندما تتكون هذه الدوامات؛ تحمل معها كميات كبيرة للغاية من الرّواسب الجليديّة، التي تصل الخليج بواسطة الأنهار التي تغذّيه، ومن تجمّع هذه الرواسب وتماسكها يتكوّن الحديد الذي يترسّب داخل مياه الخليج، وتقوم الأنهار الجليديّة في فصل الصيف بدور شديد الأهمّيّة، إنّها تنحت قواعد المُرتفعات والجبال، وهذا ما يرفدها بالمزيد من المعادن المُذابة في المياه، والتي تسمّى “الدّقيق الجليدي”.
حال وصول هذه الأنهار الجليدية ودخولها في المسطّحات المائية الأكبر؛ تلتقطها التّيارات القويّة، التي تذرع المحيط شرقًا وغربًا، مسبّبةً انتقال رواسب الحديد من الأنهار إلى منتصف خليج ألاسكا.
الفارق الذي يظهر دائمًا في الصور بين مُسطحين مائيّين، يكون سببه التقاء منطقتين يختلف فيهما تركيز الرّواسب لا سيّما الحديد منها، ولكنّهما يختلطان في النهاية، نعم يختلطان، وهذا يعتمد علىى التدرّج في نسبة تركيز الرواسب في كليهما، كلّ ما في الأمر أنّ هذه الصور تُلتقط في مرحلة زمنيّة تسبق اختلاط الماءين!
2- أمّا الحالة الثانية فيمثّلها “التقاء المياه في البرازيل دون اختلاط”:
هذا ما تراه عند التقاء نهري “سوليموس” و”ريو نجرو” على بعد ما يقارب 10 كيلومترات من المدينة الدّاخلية “ماناوس” شمال البرازيل، تجتمع المياه عندما يلتقي اثنان من أكبر روافد نهر الأمازون، حيث يتدفق النهر الأصغر في النهر الأكبر، دون أن يخالطه مطلقًا.
يظهر نهر سوليموس بلونٍ يشبه القهوة بالحليب، ومردّه للرّواسب الغنيّة القادمة من فُتات جبال الأنديز، وما تحويه من رملٍ وطينٍ وطمي، ويمتد نهر سوليموس المعروف باسم “نهر المياه البيضاء” مسافة 1600 كيلومتر.
أمّا اللون الداكن فيعود لنهر”“ريو نيجرو” الذي يحصل على تدرجه اللوني الأشبه بالشّاي الأسود من أوراق النّبات والمواد النباتية التي تتفتت وتذوب في المياه، ورغم أنّ مياهه تبدو غامقة وعكرة إلّا أنّها تحمل كمية ضئيلة تكاد تكون معدومة من الرّواسب، وتعتبر وفقاً لموقع وكالة الفضاء الأوروبية، أحد أنقى المياه الطبيعيّة في العالم، قد يكشف وضوح مياه هذا النهر في الأيام الصافيّة عمقًا يصل إلى 9 أمتار.
يتدفق نهرا سوليموس ويو نيجرو جنباً إلى جنب مسافة 6 كيلومترات دون أن يختلطا، وذلك بسبب التباين الكبير في درجة الحرارة والسرعة وكثافة المياه ما بين النهرين، فنهر سوليموس أسرع وأشدّ برودةً وكثافة، وتبلغ سرعة مياهه 6 كم/ ساعة عند 22 درجة مئوية، أمّا مياه نهر ريو نيجرو الأكثر دفئًا وبطئًا فتتدفق بروية بسرعة 2 كم/ ساعة، وتحافظ على حرارة 28 درجة مئوية.
على بُعد عدّة كيلومترات؛ يتلقي النهران في نهاية المطاف بفضل دفعة قويّة من المياه البيضاء التي تتحرك بسرعة، لتصبح جزءًا من قاع الأمازون.
في الواقع، تحدث هذه الحالة في أكثر من مكان، عند التقاء نهرين مع بعضهما، أو عند التقاء نهرٍ ببحر عند مصبه، انظر الأمثلة أدناه:
شاهد الفيديو:
- إعداد: مازن عماد، أحمد الريس
- تدقيق: ملك عفونة
- تحرير: عيسى هزيم
- المصدر الأول
- المصدر الثاني