عام 1974 عثر فلاحون بينما كانوا يحفرون بئرًا قرب مدينة تشان في مقاطعة شانكسي في الصين، على مخبأ يحوي تماثيل مصنوعة من الصلصال بأحجام حقيقية لجنود فيما عرف لاحقًا بأنه مجمع دفن الإمبراطور الأول من سلالة «تشين شي هوانغ» التي حكمت بين عامي 259 و 210 قبل الميلاد.
كان للإمبراطور الذي حكم الصين في فترة (221 إلى 207) قبل الميلاد الفضل في إنجاز سلسلة من مشاريع الأشغال العامة، بما في ذلك البدء ببناء السور العظيم وكتابة لغة موحدة وتأسيس نظام من القوانين ونظام من الأوزان.
عمل ما يقارب 700000 عامل في إنشاء المقبرة في مدينة «تشان»، ودُفِن 8000 جندي تقريبًا من أجل حراسة الإمبراطور في الحياة الثانية.
تابع علماء الآثار منذ الاكتشاف الأول للمقابر في مدينة «تشان» إخراج القطع الأثرية القريبة من المقبرة، والتي تقدم معلومات عن الصين القديمة. أصبح الموقع الأثري أيضًا عامل جذب سياحي لهم.
عندما أصبح «تشين شي هوانغ» إمبراطورًا عام 221 قبل الميلاد، كانت الصين قد خرجت للتو من نزاع إقليمي عُرِف باسم «فترة المقاطعات المتحاربة» ودام أكثر من 200 عام.
كان الفضل للإمبراطور «هوانغ» في توحيد هذه المقاطعات تحت إمرة حكومة مركزية وتأسيس عاصمة في مدينة «تشان يانغ».
مع حصول الوحدة وُجِدت السلطة لتوجيه قوة يد عاملة هائلة قادرة على إنجاز مشاريع بناء رائعة تتضمن عدة قصور ومنتزه ضخم للصيد، ووسائل الاستجمام الأخرى، وبناء أولي من سور الصين العظيم، أُنشئَت جدران ضخمة لحماية حدود الصين الشمالية، وكان المشروع الرئيسي الآخر مجمع دفن الإمبراطور، الذي شُيد خلال حياة الإمبراطور، واستغرق 700000 عامل ثلاثة عقود في بنائه.
في آذار عام 1974، عثر فلاحون يعملون في حقل على بعد 20 ميلا شرق مدينة «تشان» على موقع دفن، وحُدِد لاحقًا على أنه مجمع دفن الإمبراطور الأول، وعُدّ هذا الاكتشاف من أهم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين.
بدأ الحفر في المنطقة مباشرة، وقدّرت عمليات الحفر والكشوف الأولية أن الموقع يشمل 20 ميلًا مربعًا، إضافةً إلى تل هرمي يحدد قبر الإمبراطور، وبقايا قصر ومكاتب ومخازن وإسطبلات مع عظام خيول وقش حقيقي ومذابح قرابين وقبور للعمال الذين قتلوا ليحموا القبر من اللصوص.
اكتُشِفت أربع حفر، ثلاث منها تحتوي على آلاف التماثيل بأحجام حقيقية معظمها مقطعّة، وكانت الحفرة الرابعة فارغة، ما جعل العلماء يقترحون أن موقع الدفن تُرِك قبل إنهائه.
واكتشف الباحثون نحو 8000 تمثال لجنود من الصلصال مرتبين في وضعية المعركة، دون وجود تشابه بين هذه التماثيل، إضافةً إلى أحصنة طينية وعربات برونزية وأسلحة وقطع أثرية أخرى في الموقع.
استمر العمل المتعب الناتج عن كشف هذه القطع الأثرية الرائعة وحمايتها وتخزينها إلى أوائل القرن الحادي والعشرين.
اكتشف الباحثون أن المجمع قد سُرِق على الأغلب بعد وفاة الإمبراطور بفترة قصيرة وخُرِّبت العديد من التماثيل الطينية، وعلى الرغم من ذلك، فإن السارقين لم يدنسوا قبر الإمبراطور.
بدأ المرممون بجمع التماثيل مع بعضها وبناء الأجسام، وتبديل الرؤوس، وإصلاح السطوح المطلية، وتجميع العديد من العربات وعدة مئات من الأحصنة وفرسانهم، وكشفت عملية الترميم كيف صُنِعت التماثيل، وذلك بتسخير قوة عاملة مكونة من 700000 عامل وسجين، واستخدم الحرفيون الذين يجيدون تصنيع أنابيب الصرف الطينية، مهاراتهم في صنع التماثيل باستخدام قوالب وخط إنتاج لتجميع أجزاء أجسام التماثيل، وعندما ينتهي تجميع التماثيل، تنقش سمات مميزة على سطح التمثال باستخدام الطين.
تقول الباحثة فرانسيس وود في دراستها «إمبراطور الصين الأول ومحاربي الصلصال» عام 2007: «إن التماثيل تشكل المثال الأكثر إدهاشًا في العالم على الإنتاج الإبداعي بكميات ضخمة».
يعمل الباحثون في مجمع الدفن منذ السبعينيات، ومع ذلك بقيت غرفة دفن الإمبراطور مغلقة.
تفاقمت المخاوف من إلحاق الأذى بالقطع الأثرية وبجثة الإمبراطور، كما حدث في أعمال أثرية غير متقنة في الصين، لذلك كان الخوف من أن يكون فتح الغرفة خطيرًا.
وُصِف القبر ومحتوياته منذ القرن الأول قبل الميلاد في «سجلات الكاتب الكبير»، إذ يدّعي الباحث أن الغرفة زُينت، بأحجار كريمة في السقف للإشارة إلى أجسام سماوية، وبجداول من الزئبق في الأرضية لتدل على أنهار محلية.
أثبتت أبحاث حديثة أن الأرضية حول غرفة المدفن تحتوي على مستويات خطيرة من الزئبق، ولذلك يستمر النقاش حول إذا كانت الطريقة التي سيُحفر بها سوف تحافظ على محتويات القبر وعلى حياة الأشخاص الذين سينفذون الحفر.
جذب اكتشاف مجمع الدفن وجيشه الطيني اهتماما عالميا بمدينة تشان، مع الحاجة إلى التحضير من أجل الزوار.
بحلول نهاية السبعينيات، فُتِح جزء من الموقع أمام السياح وبُنيت المتاحف قرب الموقع لعرض التحف، ومع انتعاش السياحة، افتتحت مدينة «تشان» فنادق ومطاعم ومحلات هدايا أكثر، أصبحت المنطقة واحدة من مناطق جذب السياح الرئيسية في وقت قصير. عام 1987 وُضِع مجمع الدفن على لائحة اليونيسكو العالمية.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: بديع عيسى
تدقيق: عبد الرحمن داده