في عالمنا الرقمي المعاصر، أصبح الاشتراك في خدمات البث أو الصحف الإلكترونية أمرًا بالغ السهولة، لكن إلغاء هذه الاشتراكات المدفوعة قد يتحول إلى رحلة معقدة تتطلب أحيانًا مكالمات هاتفية، أو إرسال رسائل مكتوبة، أو البحث في قوائم معقدة ضمن التطبيقات. وفي حال نسي المستخدم إلغاء الاشتراك، فإنه يُحمّل رسوم الخدمة تلقائيًا. إن صعوبة الإلغاء هذه لطالما كانت سببًا في استياء المستهلكين.

ولكن بفضل قرار جديد أصدرته لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية، قد يصبح إلغاء الاشتراكات المدفوعة أسهل من أي وقت مضى، إذ يهدف هذا القرار إلى تسهيل عملية الإلغاء لتكون بمثل سهولة الاشتراك، إذ تطلق عليه اللجنة اسم (انقر للإلغاء)، ويقوم على مبدأ أن يتمكن المستخدم من إلغاء الاشتراك بنقرة واحدة.

جاء هذا القانون الجديد، الذي سيدخل حيز التنفيذ في 14 أبريل 2025، ليحقق تحديثًا لقانون قديم يعود إلى عام 1973، يعرف باسم (قانون الخيار السلبي).

في ذلك الوقت، كان القانون ينظم الاشتراكات للخدمات التي تُرسل للمشتركين منتجات ملموسة، مثل المجلات أو الكتب، وكان ينص على أنه في حال لم يتخذ المستهلك أي إجراء لإيقاف الاشتراك، يحق للشركة تجديد الاشتراك تلقائيًا وفرض رسوم على المستهلك. أما الآن، ومع اتساع نطاق الاشتراكات المدفوعة لتشمل المحتوى الرقمي، أصبحت الحاجة لتحديث القوانين أمرًا ضروريًا.

اقتصاد الاشتراكات المدفوعة: نمو هائل ومشاكل متزايدة

بحسب مؤشر اقتصاد الاشتراكات لعام 2021، شهد اقتصاد الاشتراكات نموًا هائلًا بنسبة 437% منذ عام 2012. ومع تزايد أنواع الاشتراكات المدفوعة، بات من الصعب على المستهلكين تتبعها جميعًا، خاصة وأنها تعتمد كثيرًا على خاصية الدفع التلقائي. تشمل خدمات الاشتراكات اليوم كل شيء من الصحف والمجلات إلى شفرات الحلاقة وألعاب الفيديو وبرامج الحاسوب ووجبات الطعام، بل وحتى بعض شركات صناعة السيارات.

واجهت شركة بي إم دبليو موجةً من الانتقادات عندما فرضت لفترة وجيزة رسومًا شهريةً على استخدام ميزة المقاعد المدفأة في سياراتها، وذلك قبل أن تتراجع عن القرار تحت ضغط الاعتراضات. يعكس هذا التحول اتجاه الشركات نحو ما أطلق عليه الباحثون مصطلح (الاشتراكية) للأصول، إذ يتحول المنتج إلى أداة تجني من خلالها الشركات دخلًا مستمرًا.

الاعتماد على الكسل الاستهلاكي: كيف تحقق الشركات أرباحًا من الاشتراكات المدفوعة؟

في عالم الأعمال، تُعد الاشتراكات مصدرًا مثاليًا للدخل المستمر، ويُطلق على هذا النهج (الاعتماد على الكسل الاستهلاكي)، إذ يعتاد المستهلك على الاشتراك، ويستمر في دفع الرسوم دون عناء التفكير في إلغائه. فعلى سبيل المثال، قبل انتشار خدمات البث الرقمي، كان المستهلك العادي ينفق نحو 45 دولارًا سنويًا على الموسيقى، بينما تبلغ تكلفة الاشتراك في خدمات مثل سبوتيفاي نحو 120 دولارًا سنويًا. حتى وإن لم يستخدم المستهلك الخدمة بانتظام، فإن الشركة تجني ربحًا من هذه الرسوم المتواصلة.

لم تقتصر هذه الاشتراكات المدفوعة على الشركات الإعلامية فقط، فقد انتشرت أيضًا في صناعة السيارات الكهربائية، إذ يحتاج المالك أحيانًا إلى الاشتراك للوصول إلى ميزات معينة، مثل مدى بطارية أطول أو ميزات القيادة الذاتية.

التجارب المجانية ورفع الأسعار: استراتيجيات لاستمرار الاشتراكات المدفوعة

مع سهولة الاشتراكات المدفوعة ومرونتها، فإن هنالك العديد من الاستراتيجيات التي تجعل من إلغائها أمرًا صعبًا، فالشركات تمنح المشتركين فترات تجريبية مجانية، وذلك لإدراكها أن كثيرًا منهم سينسى إلغاء الاشتراك قبل انتهاء الفترة، ما يؤدي إلى تجديد الاشتراك وفرض رسوم جديدة. تستغل بعض الشركات أيضًا ثبات تكلفة الاشتراك الأولي لزيادة الرسوم دون إعلام المشتركين، وذلك مثلما يحدث مع خدمة (اشترك ووفّر) من أمازون التي تتيح زيادة الأسعار تلقائيًا دون إشعار.

وفقًا لاستطلاع، يرى 69% من الأمريكيين أن عدد الاشتراكات المتاحة حاليًا كبير جدًا، ومع ذلك، تتسابق الشركات إلى إضافة المزيد من الخدمات المدفوعة. فعلى سبيل المثال، أطلقت استوديوهات الأفلام مثل باراماونت خدمات بث خاصة بها، إضافةً إلى أن شركة هيوليت باكارد تقدم اشتراكات لتزويد الطابعات بالحبر. وتتطلب التطبيقات التي تهدف لمساعدة المستهلكين في إدارة اشتراكاتهم، مثل (روكيت موني)، اشتراكًا خاصًا بها.

هل سينجح قانون (انقر للإلغاء) في كبح انتشار الاشتراكات المدفوعة؟

يبدو أن الاشتراكات المدفوعة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد الحديث، إذ تتنافس الشركات على خلق خدمات تسهّل حياتنا ولكنها في الوقت ذاته تزيد من التزاماتنا المالية. وبينما يشكل قانون (انقر للإلغاء) خطوةً إيجابيةً لتسهيل إلغاء الاشتراكات غير المرغوب فيها، فإنه قد يكون مجرد إجراء بسيط في مواجهة اقتصاد يستند على الدفع المتكرر بصفته وسيلةً أساسية لتحقيق أرباحه. ومع تزايد انتشار هذه الخدمات، يجب على المستهلكين توخي الحذر وإدارة اشتراكاتهم بوعي أكبر، وذلك لضمان أنهم يدفعون مقابل ما يحتاجون إليه فعلًا، وليس مقابل ما يعرض عليهم فقط.

اقرأ أيضًا:

هل ستصبح العملات الرقمية صديقة للبيئة؟

هل يمكن للمستثمرين الاستفادة من الركود الاقتصادي؟

ترجمة: دياب حوري

تدقيق: نور حمود

مراجعة: باسل حميدي

المصدر