في النظام الشمسي الخارجي، بعيدًا عن ضوء الشمس ودفئها، تصبح الأمور غريبة جدًا. فهناك تدور مجموعات من الصخور في حلقات غير مألوفة، ويرجعها بعض علماء الفلك إلى وجود كوكب عملاق غير مرئي يختبئ على أطراف النظام الشمسي.
حتى الآن، لم تُسفر عمليات البحث عن الكوكب التاسع الافتراضي عن أي اكتشافات، ولعل أحد أقوى التفسيرات هو أن الكوكب التاسع قد لا يكون موجودًا على الإطلاق. ولكن إذا كانت هذه هي الحال، فكيف نفسر تلك المدارات الغريبة؟ حسنًا، هناك ورقة بحثية جديدة تقدم حلاً محتملاً: نجم غريب.
لا بكل تأكيد، لا يوجد نجم هناك الآن. لكن منذ مليارات السنين، ربما مرّ جسم ضخم بالقرب من النظام الشمسي، ما أثار مدارات الأجرام السماوية بفعل جاذبيته، فتسببت في تلك المدارات الشاذة. وقد ينتهي المطاف ببعض هذه الأجرام إلى الاقتراب من الشمس، لتصبح اليوم أقمارًا غريبة أسرتْها الكواكب العملاقة.
هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه فريق من علماء الفيزياء الفلكية بقيادة سوزان بفالزنر من مركز أبحاث يوليش في ألمانيا، الذين أجروا محاكاة حاسوبية لدراسة تأثيرات النجوم ذات الكتل والمسافات المتفاوتة في النظام الشمسي في أثناء مرورها.
يقول عالم الفيزياء الفلكية أميث جوفيند من مركز أبحاث يوليش: «أفضل تطابق للنظام الشمسي الخارجي الذي وجدناه من خلال عمليات المحاكاة هو نجم أخف قليلاً من شمسنا بنحو 80% من كتلتها … مر هذا النجم بالقرب من شمسنا على مسافة تقدر بحوالي 16.5 مليار كيلومتر، أي بنحو 110 ضعف من المسافة بين الأرض والشمس وأقل بقليل من أربعة أضعاف مسافة أبعد كوكب: نبتون».
تدور معظم الأجسام داخل النظام الشمسي في تكوين قرص مسطح إلى حد ما، وهو ما يُعد بقايا من طريقة تشكيل النظام الشمسي؛ فعندما كانت الشمس نجمًا صغيرًا يدور منذ 4.6 مليار سنة تقريبًا، كانت المادة من السحابة المحيطة بها تدور حولها ما أغذى نموها. ومع مرور الوقت، تسطحت هذه المادة الدوارة بشكل قرص تمامًا مثل كرة من عجينة البيتزا التي تتسطح أثناء دورانها.
ما لم تلتهمه الشمس تحول إلى النظام الشمسي بكل كواكبه وكويكباته وأقماره. ولأن النظام الشمسي لم يتعرض لأي شيء مدمر، بقيت تلك الكواكب والكويكبات والأقمار في ذلك القرص.
لكن النظام الشمسي الخارجي يختلف تمامًا، إذ توجد أسراب من الصخور التي تدور حول الشمس في مدار نبتون -الأجرام وراء نبتون، أو TNOs- بزوايا ميلان غير عادية، وبعض هذه الزوايا مائلة لدرجة تجعل الجسم يدور تقريبًا حول أقطاب الشمس، بدلًا من خط استوائها.
ويشير بعض العلماء إلى أن هذه المدارات تتفق مع تأثير جاذبي لكوكب يصل إلى خمسة أضعاف كتلة الأرض. لكن الفضاء ليس فارغًا ومع إنه لا توجد نجوم قريبة من الشمس الآن، فمن المحتمل أنها كانت موجودة في الماضي. فعادة ما تولد النجوم في سحب كثيفة، حيث يتولد كثير من النجوم الأخرى، وتبدأ حياتها في بيئات مزدحمة جدًا.
أجرت بفالزنر وزملاؤها أكثر من 3000 محاكاة، وفيها تعديلات كثيرة لمختلف النجوم ومدى قربها من النظام الشمسي، ولاحظوا النتائج وقارنوها بالمدارات الشاذة المعروفة لمجموعات الأجسام وراء نبتونية. فوجدوا أن مرورًا سريعًا لنجم أصغر قليلًا من الشمس عبر النظام الشمسي الخارجي قد يكون ما سبب الفوضى غير المنتظمة الموجودة اليوم.
وقد تكون هذه المدارات الغريبة نتاج تأثير قريب من نجم لعدد من الأجسام مثل (2008 KV42) و(2011 KT19) التي تدور في الاتجاه المعاكس للكواكب بميل عمودي تقريبًا.
يقول سيمون بورتيغيز زوارت من جامعة ليدن في هولندا: «التقطت الكواكب العملاقة هذه الأجسام لتصبح أقمارها، وهذا قد يفسر سبب وجود نوعين مختلفين من الأقمار لدى الكواكب الخارجية لنظامنا الشمسي».
ما تزال الدراسة بعيدة كل البعد عن الحسم، إذ توجد أسباب كثيرة قد تجعلنا لا نرصد الكوكب التاسع، ومنها حقيقة أنه قد يكون خافتًا جدًا وبعيدًا جدًا. ومن المحتمل أيضًا أننا لا نعمل ببيانات كافية، فكل شيء بعيد عن الشمس تصعب رؤيته، لذا قد تكون البيانات التي نستطيع الحصول عليها ناتجة عن تحيز اختيار ومقصورة فقط على ما نستطيع رؤيته بتقنياتنا الحالية.
لكن فكرة المرور النجمي ليست غير معقولة، بل توفر حلًا جذابًا، تقول بفالزنر: «يكمن جمال هذا النموذج في بساطته. إذ يجيب كثيرًا من الأسئلة المفتوحة حول نظامنا الشمسي بسبب واحد فقط».
اقرأ أيضًا:
علماء يجدون أدلة على وجود الكوكب التاسع مختبئا في نظامنا الشمسي
دراسة علمية تجد أدلة قوية على وجود الكوكب التاسع خلف كوكب نبتون
ترجمة: لور عماد خلیل
تدقيق: مؤمن محمد حلمي
مراجعة: محمد حسان عجك