أحد أكثر الألغاز المحيّرة في الكون هو ببساطة «أين كل شيء؟» ما هي المادة المظلمة؟ ما هي الطاقة المظلمة؟ أين ظهرت المادة المظلمة والطاقة المظلمة ومتى؟
كل ما يمكننا رؤيته، إيجاده، أو التفاعل معه يتكوّن من جزيئات من النموذج الذرّي التقليدي، بما في ذلك الفوتونات، النيوترونات، الإلكترونات، الكواركات، والقلوونات التي تشكّل اللبنات الأساسية لذرّاتنا.
لكن عندما ننظر إلى المحيط الكوني، نجد أن كل هذا يشكّل أقل من 5٪ من إجمالي الطاقة في الكون، الباقي غير مرئي.
نحن نطلق على المكوّنات المفقودة الطاقة المظلمة (68 ٪) والمادة المظلمة (27 ٪)، ولكننا لا نعرف ما هي.
هل سنعرف حتى متى جاءت إلى الوجود؟ هذا ما يريد ألون ديفيد معرفته، فيسأل:
«اليوم، المادة الطبيعية ليست سوى 4.9٪ بينما تأخذ المادة المظلمة والطاقة المظلمة الباقي، من أين أتت؟ فلنبدأ البحث».
هناك الكثير ممّا لا نعرفه عن المادة المظلمة والطاقة المظلمة، ولكن هناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن نقول عنها بشكل قاطع.
لقد لاحظنا أن الطاقة المظلمة تؤثر على توسّع الكون، وأصبحت بارزة ويمكن اكتشافها قبل حوالي 6 إلى 9 مليارات سنة.
هي متواجدة في كل الاتجاهات، ويبدو أن لها كثافة طاقة ثابتة طوال الوقت، ولا تؤثر على المادة العادية، مبيّنة أنها متّسقة في كل مكان.
عندما ننظر إلى كيفية توسّع الكون، فإن الطاقة المظلمة مطلوبة بشكل مطلق، فيوجد حوالي 68٪ من إجمالي طاقة الكون الموجودة حاليًا على هيئة طاقة مظلمة.
من ناحية أخرى، أظهرت المادة المظلمة آثارها على كامل تاريخ الكون البالغ 13.8 مليار سنة.
تتطلب شبكة الهيكل الكونية العظيمة، من الأزمنة الأولى وحتى يومنا هذا، وجود المادة المظلمة في حوالي خمسة أضعاف من وفرة المادة الطبيعية.
المادة المظلمة تتكتّل وتتجمّع، ويمكن رؤية آثارها في تشكيل أقرب النجوم الزائفة والمجرّات وسحب الغاز.
وحتى قبل ذلك، تظهر تأثيرات الجاذبية في المادة المظلمة في الضوء الأقدم من الكون: الخلفية الميكروية الكونية، أو البريق المتوهج من الانفجار الكبير.
يتطلب نمط العيوب أن الكون يتكون من حوالي 27٪ من المادة المظلمة، بالمقارنة مع المادة الطبيعية 5٪ فقط.
ودون ذلك، سيكون من المستحيل شرح كل ما نلاحظه.
لكن هل هذا يعني بالضرورة أن المادة المظلمة والطاقة المظلمة قد ظهرت في لحظة الانفجار العظيم؟ أم هناك احتمالات أخرى؟
الشيء الصعب في الكون هو أننا لا نستطيع أن نرى سوى الأجزاء التي يمكن لنا الوصول إليها اليوم.
ولكن عندما يكون التأثير صغيرًا جدًا بحيث لا يمكن رؤيته -كما هو الحال عندما تكون التأثيرات الأخرى أكثر أهمية- يمكننا فقط أن نستخلص استدلالات دون نتائج يقينية.
هذه المشكلة خاصة بالطاقة المظلمة، مع توسع الكون تقل كثافته، إذ يزداد الحجم بينما يبقى العدد الإجمالي للجسيمات داخله على حاله، أي أن كثافة المادة (سواء العادية أو المظلمة) تنخفض.
تنخفض كثافة الإشعاع بسرعة أكبر (بما أن عدد الجسيمات لا ينخفض فقط، بل ينخفض معدّل الطاقة لكل فوتون بسبب الانزياح نحو الأحمر)، لكن كثافة الطاقة المظلمة تظل ثابتة.
قد يكون عالمنا اليوم مسيطَرًا عليه من قِبَل الطاقة المظلمة، لكن هذا حدث حديث نسبيًا.
في الماضي، كان الكون أصغر وأكثر كثافة، ما يعني أن كثافة المادة (والإشعاع) كانت أعلى من ذلك بكثير.
منذ حوالي 6 بليون سنة، كانت المادة وكثافة الطاقة المظلمة متساوية، منذ حوالي 9 مليارات سنة، كانت كثافة الطاقة المظلمة منخفضة وتأثيراتها على معدّل التوسّع في الكون لم تكن ملحوظة.
كلما استقرينا مرة أخرى في الزمن (أو حجم الكون)، أصبح من الصعب رؤية وقياس تأثيرات الطاقة المظلمة.
إلى أقصى حد ممكن، يبدو أن الطاقة المظلمة لديها كثافة طاقة ثابتة للغاية، يمكننا استخدام البيانات التي لدينا لتقييد معادلة الطاقة المظلمة للحالة، والتي نحدّدها بكمّية معروفة بحرف w.
إذا كانت الطاقة المظلمة ثابتًا كونيًا بشكل قاطع، فإن w = -1، تمامًا، ولا تتغير بمرور الزمن.
لقد استخدمنا المجموعة الكاملة للبيانات الكونية التي لدينا -من البنية واسعة النطاق، من خلفية الموجات الميكرونية الكونية، من الأجسام في المسافات الكونية العظيمة- لتقييد w بأفضل طريقة ممكنة.
القيود الأكثر صرامة تأتي من التذبذبات الصوتية من baryon، وتخبرنا بأن w = -1.00 ± 0.08، مع المراصد المستقبلية مثل LSST و WFIRST على استعداد للحصول على تلك الشكوك إلى حوالي 1 ٪.
هذا لا يعني بالضرورة أن الطاقة المظلمة كانت موجودة دائمًا بكثافة طاقة ثابتة، ويمكن أن تتغير بمرور الوقت، طالما أنها تتغير ضمن قيود المراقبة.
يمكن أن يكون هناك علاقة بين الطاقة المظلمة والتوسّع الأوّلي في مرحلة ما قبل الانفجار الكبير في الكون المعروف باسم التضخّم الكوني، والذي يعد الفكرة وراء حقول الجوهر، أو يمكن أن تكون الطاقة المظلمة تأثيرًا لم يكن موجودًا في المراحل المبكّرة من الكون، ولم يظهر إلا في أوقات متأخرة.
ليس لدينا أيّ دليل يتكلّم بطريقة أو بأخرى عن وجود الطاقة المظلمة أو غيابها خلال أول 4 مليارات سنة من تاريخ الكون.
لدينا أسباب وجيهة لنفترض أنه لم يتغير، لكن ليس اليقين في الملاحظة لدعمه.
من ناحية أخرى، يجب أن تكون المادة المظلمة موجودة منذ العصور الأولى.
إن نمط التقلّبات التي نراها في CMB هو أقدم دليل لدينا على المادة المظلمة في الكون، والتي يرجع تاريخها إلى ما يقرب من 380000 سنة بعد الانفجار الكبير.
ومع ذلك، فإن هذا النوع من الصور المطبوعة بالفعل في نمط القمم والوديان في تقلبات الزوايا، يعد دليلًا دامغًا على المادة المظلمة، في تلك النسبة الحرجة 5 إلى 1 مع المادة العادية.
لم تكن المادة المظلمة توفّر بذور البنية فقط، والتي تسبّب سقوط المزيد والمزيد من المادة المظلمة في المناطق المتراكمة (وتفقد من المناطق الأقل حدة)، ولكنها كانت تفعل ذلك منذ المراحل الأولى في الكون.
إلا أن ذلك لا يعني أن المادة المظلمة كانت موجودة في لحظة الانفجار الكبير، ويمكن أن تكون المادة المظلمة قد نشأت منذ اللحظة نفسها التي انتهى فيها التضخم، إذ من الممكن أن تكون قد نشأت من تفاعلات عالية الطاقة حدثت بعد ذلك مباشرة، ويمكن أن تكون قد نشأت من جسيمات عالية الطاقة في مقياس GUT أو أن تكون قد نشأت من تماثل مكسور (مثل التناظر الشبيه بـ Peccei-Quinn) بعد ذلك بقليل، التي قد تكون أتت من النيوترونات الديراكية اليمنى عندما اكتسبت كتلًا ثقيلة جدًّا من آلية الرؤية الكونية، وكان من الممكن أن تظل غير مكتملة إلى أن ينكسر التماثل الكهروكيميائي الذي يمكن أن يرتبط بالمادة المظلمة.
من دون معرفة ماهية المادة المظلمة بالضبط- بما في ذلك ما إذا كانت جسيميةً أم لا- لا يمكننا القول بأي حال من الأحوال بالضبط متى تكون قد نشأت.
لكن من قياسات البنية الواسعة للكون، يمكننا أن نكون متأكدين تمامًا من أن المادة المظلمة نشأت في المراحل المبكرة جدًا بعد الانفجار الكبير، وربما في بداية كل ذلك.
قد تكون الطاقة المظلمة طوال الوقت، أو قد تكون ظهرت في وقت متأخر فقط.
هناك استكشاف جوهري لفكرة أنه فقط عندما تتشكل بنية معقدة، تنشأ الطاقة المظلمة وتصبح مهمة في الكون.
جزء من التحدي الكبير لعلم الكونيات الحديث هو كشف طبيعة هذه المكونات المفقودة من الكون.
إذا استطعنا فعل ذلك بالضبط، سنبدأ في فهم متى وأين نشأت المادة المظلمة والطاقة المظلمة.
ما يمكن أن نقوله مؤكدًا هو أن الإشعاع في المراحل المبكرة جدًا هو العنصر المهيمن في الكون، مع وجود كمّيات ضئيلة من المادة الطبيعية دائمًا.
قد تكون المادة المظلمة قد نشأت في البداية، أو ربما تكون قد نشأت في وقت متأخر قليلًا، ولكن لا تزال مبكّرة للغاية.
ويُعتقد في الوقت الحاضر أن الطاقة المظلمة كانت موجودة دائمًا، ولكنها أصبحت مهمة جدًا وقابلة للاكتشاف فقط عندما كان عمر الكون يبلغ من العمر مليارات السنين، تحديد البقية هو مهمّة لمستقبلنا العلمي.
- ترجمة: مولود مدي
- تدقيق: علي فرغلي
- تحرير: تسنيم المنجّد
- المصدر