يستحيل أن نحدد بدقة موعد انتهاء جائحة كوفيد-19 التي عصفت بالعالم مع بداية عام 2020. توجد طريقتان لوصف نهاية جائحة ما: الأولى هي «الاستبعاد»، تتمثل بانخفاض أعداد الحالات الجديدة إلى رقم صغير جدًا، ومن الأفضل أن يكون صفرًا. والثانية هي «الاستئصال» التي تعني الفناء النهائي للعامل المسبب للوباء (الفيروس).
مع اكتسابنا الكثير من المعرفة حول قدرة الفيروس على الانتشار بين الناس، وكيفية إصابته للخلايا، وتعرض ضحاياه لمجموعة من المشكلات الصحية، فإن تقديرنا لمدة انتشاره عالميًا يعتمد على سلوك كل شخص فينا، وهو أمر يصعب التحكم فيه.
نستطيع وضع سيناريوهات تساعدنا على توقع مستقبلنا مع هذه الجائحة وفقًا لسلوكنا كما تتأثر التوقعات حول التغير المناخي بسلوكنا الحالي.
ماذا لو كنا نعيش في عالم مثالي؟
بالنظر إلى نموذج نيوزيلاندا وفيتنام، نستنتج فعالية التباعد الاجتماعي في الحد من انتشار فيروس كوفيد-19، وهذا يُثبت إمكانية إبادة الفيروس محليًا على الأقل.
تتنوع وتتعقد الأسباب التي تفسر امتناع بعض المجتمعات عن الالتزام بالتباعد الاجتماعي، إذ تتأثر بعض الأسباب بقيم شخصية وسياسية وأخلاقية، ويتأثر بعضها الآخر بالقرارات الاقتصادية وغياب الخدمات الاجتماعية لدعم التباعد الاجتماعي.
في عالم مثالي يَتَّبع التباعد الاجتماعي بصرامة لإنهاء حالات الانتشار المحلي على مستوى العالم، ستكون أجيال الفيروسات الحالية آخر الأجيال لأنها ستباد كافةً، ثم ستتفكك جزيئات فيروس كوفيد-19 المحمولة في الهواء خلال ساعات، وكذلك الجزيئات الموجودة على الأسطح في غضون أيام قليلة.
يصعب تحديد مدة بقاء الفيروس في الجسم البشري، فقد أثبتت دراسة جديدة أن الفيروس يبقى حيًا في الجسم مدة 9 أيام بعد ظهور الأعراض الأولى، وتبقى بقاياه مدةً تصل إلى شهر.
في أفضل السيناريوهات، يكفينا شهر أو شهرين من العزلة العالمية ليختفي الفيروس تمامًا من جميع البشر.
عالمنا بعيد تمامًا عن المثالية، فما الحل الأكثر منطقية؟
في غياب الانعزال الاجتماعي للتخفيف من انتشار الفيروس، تُصبح مناعة القطيع الحل الأفضل البديل، يعتمد هذا الحل على المدة الزمنية التي تستمر فيها المناعة عند الفرد العادي وهو عامل ما يزال غامضًا، فقد تبقى خلايا الذاكرة المناعية التي تُنتِج الأجسام المضادة فعالةً مدة أشهر أو عدة أعوام أو أكثر. قد يساعد إنتاج لقاح وتوزيعه في فترة زمنية قصيرة على خفض عدد الأشخاص الذين قد يحملون العدوى من شخص مصاب إلى درجة تكفي لمنع الفيروس من استمرار انتشاره.
كان إنتاج اللقاحات لفيروسات كورونا السابقة صعبًا، لكننا اليوم نشهد تقدمًا ملحوظًا في تطوير لقاح لفيروس كوفيد-19، فالجهود الأولية واعدة، ويمكننا التفاؤل حول إنتاج لقاحات معتدلة الفعالية في الفترة الممتدة بين نهاية 2020 وبداية 2021.
إذا تمكّنا من إنتاج الجرعات بكميات كافية -وهذا أمر معقد لوجستيًا وعمليًا- سيظل علينا العمل لضمان وصول اللقاحات إلى أطراف العالم كافة، وبعدها سنطرح سؤالًا: ما أعداد الناس الذين سيصل إليهم اللقاح؟ وكم منهم سيقبل أخذه؟
توجد سوابق عدة يمكننا النظر إليها، إحداها الجهود الدبلوماسية لمنظمة الصحة العالمية في برنامجها لإبادة الجدري الذي نجح أخيرًا في أواخر سبعينيات القرن الماضي، إذ استغرق برنامج الجدري العالمي نحو عشرين عامًا للوصول إلى هدفه، ولكنه عانى أيضًا محدودية اللقاحات ونقص التمويل.
مع الحصول على التمويل والتعاون الكافيين، نستطيع عمليًا إبادة كوفيد-19 خلال سنوات بدلًا من عقود.
هل سيستمر فيروس كورونا إلى الأبد؟
تقول أحلك الوقائع إن كوفيد-19 موجود ليبقى في المستقبل القريب على الأقل، خاصةً أن وجوده بيننا محمي عبر المجتمعات الموصولة ببعضها عالميًا.
من المحتمل أن تستمر اللقاحات في التحسن من ناحية جودتها وأعدادها، ولكن السلوك البشري الحالي الذي يجعل من اللقاحات حاجةً أكثر إلحاحًا، سيقلل من احتمالية وصول اللقاح إلى الناس بكمياته الكافية.
ستساعد الأدوية الجديدة على تخفيف أعداد الوفيات والآثار الصحية الضارة الأخرى، وستتغير السياسات والاتجاهات الاجتماعية وطرق إدارة الأعمال حتى الحياة المنزلية لتعكس القيم الفردية تجاه الانتشار الوبائي.
تاريخيًا، تضمحل الأوبئة تدريجيًا مع هبوط أعداد الوفيات والإصابات، أو أننا نعتاد شيئًا فشيئًا على المرض المستجد بمده وجزره.
يستطيع العلم أن يقدم ما سبق ذكره، أما الباقي فهو مسؤوليتنا نحن البشر؛ نحن الذين أصبحنا يومًا بعد يوم أكثر خوفًا من بعضنا، وأقل خوفًا من الفيروس القاتل.
اقرأ أيضًا:
كيف أثرت إجراءات الوقاية من كورونا في معدل الإصابات بالأمراض المعدية الأخرى؟
ماذا تعني الإصابة بفيروس كورونا مرة ثانية؟ هل يجب أن نصاب بالذعر؟
ترجمة: زهراء حدرج
تدقيق: راما الهريسي