يواجه المصاب بالوسواس القهري كثيرًا من التحديات في الحياة، خاصة إذا كان الوسواس من نوع يقل ذكره كالهوس الجنسي، وذلك بسبب وصمة العار التي تحيط بمثل هذه المواضيع الحساسة ذات الطبيعة الجنسية. سنتعرف في هذا المقال على أمثلة وأنواع من الأفكار الجنسية المتطفلة (المقتحمة للعقل والطاغية بسيطرتها) وكيفية التعامل معها.

ما هو الوسواس القهري؟

يعد الوسواس القهري بصفة عامة نوعًا من أنواع اضطراب القلق، فإذا كان أحدهم مصاب باضطراب القلق لربما عانى بعض السلوكيات المتكررة غير المرغوب فيها، كالتنظيف المتكرر وغسل اليد باستمرار وتخزين الأشياء (خشية احتياجها لاحقًا) وهوس الحساب وترتيب الأشياء وفقًا لنظام معين وترديد بعض الكلمات مرارًا وتكرارًا في ذهنه.

يرى خبراء الصحة النفسية أن الهوس هو نتيجة الأفكار المندفعة الخارجة عن السيطرة التي تقتحم عقل الفرد. عادة ما تمثل هذه الأفكار مخاوف مترسخة قد يبالغ عقل المصاب بالهوس في تقديرها. وتتحول هذه المخاوف إلى هوس إذا امتدت إلى الأمور اليومية وتجاوز القلق حيال أحداث سلبية غير شائعة الحدوث الحد الطبيعي.

تنقلب المخاوف على صاحبها عادةً وتثقل كاهله، فيبدأ بالبحث عن طرق تمكنه من التخفيف من حدة قلقه، متبنيًا سلوكيات وطقوس قهرية، إذ تمنح الطقوس شعورًا من الراحة والألفة يجعله يؤمن بأنه يتخذ موقفًا ضد مخاوفه.

يكتسب الفرد قناعة أنّ سلوكه القهري ما هو إلا استجابة لأفكاره الوسواسية ومخاوفه؛ ويترتب عليه الاضطراب الوسواسي القهري. فقد يطور أحدهم مثلًا سلوكيات قهرية بوصفها رد فعل على خوفه المرضي تجاه الأمراض والجراثيم، تتمثل في هوس بالنظافة وغسل اليدين باستمرار.

ما هو الهوس القهري الجنسي؟

صُنف الوسواس القهري على نطاق واسع إلى أربعة أنواع، مقسمة بناءً على طبيعة الأفكار المتطفلة التي تراود المصاب به. وتتضمن الآتي:

  •  وسواس النظافة: يطور صاحب هذا النوع سلوكيات نظافة قهرية خشية من الجراثيم أو عدم النظافة.
  •  وسواس السلامة: يتمثل في سلوك قهري غرضه التحقق من أن كل شيء على ما يرام، خشية من أي مخاطر محتملة.
  •  وسواس الترتيب والنظام: يتمثل في سلوكيات تتضمن النقر المتكرر ولمس الأشياء وترتيبها بدافع الشعور بعدم الكمال، والرغبة المُلحة في أن يكون كل شيء مُنظم ومتناسق.
  •  وسواس الأفكار والسلوكيات المحظورة: وهي الأفكار الوسواسية المرتبطة بمواضيع محرمة كالدين والعنف والجنس أو التوجه الجنسي. يتمثل هذا النوع في الأفكار الهوسية فقط، لأن معظم المصابين به لا يمارسون أي نوع من الطقوس أو العادات لمواجهته أو التعامل معه. وإنما يميلون لاختبار دوافع نفسية ورغبة ملحة في تلقي الطمأنينة. ويرجع هذا لقابلية اصطدام مبادئهم وقيمهم مع أفكارهم المتطفلة (كما في ازدراء الأديان والتحرش الجنسي، فيسعون بالنتيجة إلى محاولة إبقاء أفكارهم تحت السيطرة وكبتها بدلًا من التصرف بما يمليه الوسواس عليهم. إذا كانت الأفكار المتطفلة ذات طبيعة جنسية فيطلق عليها الهوس الجنسي.

ما هي الأفكار الجنسية المتطفلة؟

لا تعد الأفكار الجنسية المتطفلة أو الهوس الجنسي نزوات جنسية، وإنما مخاوف صادقة للفرد تتعلق بميوله الجنسية قد تتمثل في عدة صور، منها:

  •  زنا المحارم (ممارسة الجنس مع أفراد العائلة).
  •  البهيمية (ممارسة الجنس مع الحيوانات).
  •  العنف أو الاعتداء الجنسي والتحرش.
  •  البيدوفيليا (استغلال الأطفال جنسيًا).
  •  الجنس التجديفي أو المزدري للأديان (كممارسة الجنس في مكان عبادة).
  •  التفضيلات الجنسية المنحرفة كالسادية أو الماسوشية أو الاستعباد الجنسي.
  •  السلوكيات الجنسية غير المقبولة اجتماعيًا (مثل العلاقات غير الشرعية).
  •  التفضيلات الجنسية المتعارضة مع التوجه الجنسي للفرد (كالتفكير في علاقة جنسية مثلية لدى شخص مغاير أو العكس لدى شخص مثلي).

ما هي الفئة الأكثر عرضة لاختبار الأفكار الجنسية المتطفلة؟

قد تراود هذه الأفكار أي فرد بغض النظر عن جنسه وفئته العمرية، وتعد الأفكار الجنسية المتطفلة أمرًا طبيعيًا، وقد يكون الهوس الجنسي أكثر انتشارًا مما نعتقد.

من المرجح أن نحو 6% إلى 24% من مصابي الوسواس القهري يختبرون شكلًا من أشكال الهوس الجنسي، من الجدير بالذكر أن هذه النسبة لم تتضمن الأشخاص الذين قرروا الاحتفاظ بأفكارهم الجنسية المحظورة لأنفسهم.

ما التأثير الذي تخلفه الأفكار الجنسية المتطفلة؟

على النقيض مما تضفيه النزوات الجنسية من متعة إلى حياة الفرد، يتسبب الهوس الجنسي بافتعال مشاعر سلبية مثل الذنب والرهبة والفزع وازدراء النفس.

فما يزال الفرد قادرًا على القلق حيال هذه الأفكار وإصدار الأحكام على نفسه في الوقت ذاته لأنها تراوده. غالبًا ما يبقى مريض الوسواس القهري في حالة من الذعر خشية من انتصار الأفكار المتطفلة عليه يومًا ما.

على غير المتوقع، يظل مصابو الوسواس القهري أقل الناس عرضة للتصرف وفقًا لما تمليه عليهم أفكارهم الجنسية المتطفلة، يرجع هذا لحقيقة شعورهم بالاشمئزاز والنفور من أفكارهم الخاصة. ينظر مرضى الوسواس القهري إلى هذا السلوك بأنه غير أخلاقي ويحاولون باستمرار تثبيط أفكارهم المتطفلة، ليس بنية الشعور بالرضا عن أنفسهم وإنما لوضع حد لمخاوفهم.

يميل مرضى الوسواس القهري الجنسي للانخراط في ممارسة الاستمناء ومشاهدة الأفلام الإباحية بوصفها وسيلة للتفريغ عن قلقهم حيال الأفكار الجنسية غير المرغوب فيها.

كيف يمكن التخلص من الأفكار الجنسية المتطفلة؟

قد تبدو الأفكار الجنسية المتطفلة طاغية وتجعل ضحيتها في حالة من اليأس، ما قد يدفع المريض إلى تبني سلوك اجتنابي، فيتحاشى رعاية الأطفال خشية من أن تراوده أفكار جنسية حيالهم، ويبتكر طقوس ذهنية لتحل محل الأفكار الجنسية المحظورة، وينتابه القلق حيال الاستثارة عند ظروف لا تصح فيها الاستثارة. ومخاوف الفرد حيال عدم قبوله اجتماعيًا وما يختبره من مشاعر عار وذنب قد تفسد عليه علاقاته الحميمة وتعيقه عن عيش حياة مرضية.

بوسع مريض الوسواس القهري اتباع بعض الأساليب والممارسات في المحاولة للسيطرة على الأفكار المتطفلة، وذلك بالبحث عن مصادر إلهاء وممارسة تمارين التنفس وغير ذلك، ولكن يجب التماس المساعدة من مختصين إذا أخذت هذه الأفكار بالاستيلاء على حياة الفرد في مختلف نواحيها -ومن ضمنها علاقاته-.

كيف يمكن علاج الوسواس القهري الجنسي؟

بعد أن يتعرف مختص الصحة النفسية على أعراض الوسواس القهري ويشخصه، يشرع بمعالجة مخاوف الفرد ومساعدته على التعامل مع طبيعة الوسواس الذي يراوده وتهدئة قلقه. تتيح الاستشارات لدى مقدم الرعاية النفسية للمريض فرصة إدراك أن هذا الهوس ما هو إلا مجموعة من الأفكار، لا سلطة لها عليه. على النقيض، ما يأخذه المريض من موقف تجاه هذه الأفكار هو ما له تأثير في مدى قوتها وما تبعثه عليه من قلق وهواجس. بوسع المريض إذن تعلم تجنبها وكيفية التعامل معها.

تتضمن الوسائل العلاجية للهوس الجنسي العقاقير (مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية)، والعلاج المعرفي السلوكي. ينقسم العلاج المعرفي السلوكي إلى عدة أنواع، تتضمن العلاج بالتعرض ومنع الاستجابة، والعلاج المعرفي المعتمد على اليقظة الكاملة.

قد يُطلب من المريض خلال العلاج بالتعرض ومنع الاستجابة وصف أفكاره الجنسية وتسجيلها صوتيًا، وبعد ذلك يُطلب منه الاستماع إلى ذاك التسجيل عدة مرات لأن تلك الأفكار لم تعد تثير قلقه. وقد يرشح الطبيب أنواع أخرى من ممارسات التعرض وفقًا لطبيعة كل نوع من الهوس الجنسي.

يجب على المريض الالتزام بالاستشارات والحفاظ على الشفافية بينه وبين مقدم الرعاية النفسية، ويُنصح بالمثابرة في جهده للتغلب على هذه الأفكار. ومن الهام إدراك المريض بأنه ليس وحده في هذا الأمر، وأنه يجب ألا يخجل من طلب المساعدة وأن يكون صبورًا مع نفسه وإن بدا الأمر صعبًا في البداية، لتحقيق نوعية حياة أفضل على المدى الطويل.

اقرأ أيضًا:

الوسواس القهري أكثر انتشارًا مما نعتقد

ما يجب أن تعرفه عن الممارسات الجنسية الآمنة

ترجمة: سامية الشرقاوي

تدقيق: لين الشيخ عبيد

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر