نعم فعلًا!
سمحت صدفة صغيرة جرت في تجربة تخص فيزياء الكم بمراقبة كيفية تصرف الجزيئات كموجات فعلياً لأول مرة.
اتفقت النتائج بقوة مع نظريات الظواهر الكمومية المعقدة، لذلك لا نتوقع أية فيزياء جديدة هنا.
ولكن ما يجعل رأسنا يدور – كما هو الحال مع معظم التجارب الكمومية – هو الآثار المترتبة على رؤية مثل هذه النظرية المضادة للبديهي.
وقد تعاون باحثون من جامعتي فيينا وتل أبيب مؤخرًا على تحويل الفكرة القديمة التي استمرت لعقدين إلى واقع، حيث تحل جزيئات عضوية كبيرة محل الجسيمات الصغيرة، فيما يشابه تجربة الشق المزدوج التي أجراها كلينتون دافيسون وليستر جيرمر سنة 1927 لاختبار حدود القانون الذي يحكم سلوك هذه الجسيمات.
يقول الباحث كريستيان براند من مركز فيينا لعلوم وتكنولوجيا الكم في جامعة فيينا: « الفكرة معروفة منذ أكثر من عشرين عامًا».
وأضاف: «لكننا الآن نملك الوسائل التكنولوجية لتوحيد جميع المكونات وبناء تجربة قادرة على اختبارها بجزيئات ضخمة».
في الربع الأول من القرن العشرين، تصارع العلماء حول صنفين مختلفين تمامًا من القوانين الفيزيائية.
كان أحدهما يمثل الكون النيوتني، حيث يتحرك التفاح والنجوم بطريقة متماثلة بعيدًا عن الحجم.
أما الثانية فولدت عندما اقترح ألبرت أينشتاين أن الرياضيات التي اُخترعت لشرح كيفية امتصاص وانبعاث الضوء ليست مجرد وسيلة مريحة لكسر الأرقام، حيث أن الضوء في الحقيقة يتكون من وحدات منفصلة تسمى (كمّات – Quanta).
وهنا يأتي دور الأمير لويس دو بروجيل.
فبما أن فكرة الضوء المكون من وحدات منفصلة لم تكن غريبة بما فيه الكفاية، أقرَّ هذا الفيزيائي الفرنسي المقدام طريقةً جديدة لفهم أحدث النماذج من الذرة لوصف الإلكترونات – تلك المجالات الصغيرة حول النواة – على أنها موجات أيضًا.
ووجدت أسماء مشهورة مثل فيرنر هيزنبرغ وإروين شرودنجر طرقًا مختلفة للتنبؤ بكيفية تصرف بِنية الذرة، أحدها يصور الإلكترونات كموجات مستمرة، والآخر يصورها كوحدات أو موجات منفصلة.
وما يثير الجنون في الأمر، أن كلتا النظريتين صلبة ومدعومة بالدلائل.
ولكن لا يمكن أن يكون شيءٌ ما موجةً وكرة في نفس الوقت، أليس كذلك؟
ثم استلهم الفيزيائيان الأميركيان كلينتون دافيسون وليستر جيرمر من تجربة سابقة كانت قد أظهرت أن الضوء هو موجة.
وأظهرت نسختهم أنه عند مرور شعاع من الإلكترونات عبر زوج من الشقوق المتوازية فإنه ينتج نمطًا مشابهًا لما أنتجه الضوء باعتباره موجة، مما دعم فرضية دي بروجل.
ومنذ ذلك الحين، تواصل إجراء أشكال مختلفة من تجربة الشق المزدوج، والتي بيَّنت أن الجسيمات الصغيرة مثل الإلكترونات والفوتونات يمكن أن تتصرف كجسيمات أو أمواج كحدٍ سواء، اعتمادًا على كيفية قياسها.
والأسوأ من ذلك، ان هذا لا يحدث على النطاق الصغير فقط.
ففي عام 2012، أظهر جزيء ضخم ذو 800 ذرة خصائص الموجة.
ولا يزال الباحثون يحاولون استخدام الجسيمات الكبيرة العائمة التي يبلغ وزنها 515 وحدة كتلة ذرية، أو ما يقرب من 42 ذرة كربون في الحجم.
وكان هدفهم فهم الحدود لهذه الظاهرة عن طريق تمرير هذه الجزيئات الضخمة من خلال أعداد مختلفة من الفتحات.
ومن المغري تصور تلك الموجات على شكل مجالات كروية تقفز صعودا وهبوطا مثل البراغيث على موقد.
بدلاً من ذلك، شيء مثل الإلكترون، الفوتون، جزيء، أو – فقط لتفجير عقلك – جدتك، يمكن النظر إليها على أنها مزيج من خصائص لها حالات مختلفة في وقت واحد.
احتمالات تلك الحالات هي وصف لموقع وطاقة الشيء في الزمان والمكان، وهو ما نسميه الموجات.
حقاً، يجب عليك التوقف عن محاولة تخيل ذلك بالمعنى الكلاسيكي، لأنك عقلك سينزف من أنفك.
يمكن استنتاج هذا الاحتمال بالنسبة للجزيئات الصغيرة بتطبيق قانون «بورن».
وتتطلب الأنظمة الأكثر تعقيدًا، مثل الجزيئات (أو الجدات) تمديدًا لهذه الصيغة.
قبل ما يزيد عن 20 عامًا، قرر عالم الفيزياء الذي يُدعى رافائيل سوركين أنك تحتاج فقط إلى قياسات من مسارين فقط – مثل تلك التي تم التقاطها من خلال الشقوق المزدوجة – لتطبيق قانون بورن.
ولا ينبغي أن يكون هناك أي فرق عند وجود شق ثالث أو رابع أو مائة.
وبفضل نتائج هذه التجربة، يمكننا أن ننام في سلام بعد معرفة أن ما أسماه سوركين بـ«حد المسارين» ينطبق على الجزيئات كبيرة الحجم.
يقول الباحث جوزيف كوتر من جامعة فيينا: «هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إجراء اختبار صريح من هذا النوع بجسيمات ضخمة».
ويضيف: «لقد اجتازت الاختبارات السابقة الحدود مع الفوتونات والموجات الدقيقة، وفي تجربتنا، وضعنا حدودًا أوسع على تداخلات أعلى مع الأجسام الضخمة«.
في حين أن كل هذا شيء جيد للفيزياء، لكنه أيضًا يمثل قطعة من الأدلة التي تبين غرابة ميكانيكا الكم.
كحقيقة، أن التواجد كموجة وجزيء في ذات الوقت لا ينطبق على الجسيمات الأولية فقط.
- ترجمة: رتاج إبراهيم
- تدقيق: محمد عبدالحميد ابوقصيصة
- تحرير: ناجية الأحمد
- المصدر