معضلة الأجسام الثلاثة هي لغز فيزيائي حير العلماء منذ زمن إسحاق نيوتن. لكن ما هي هذه المعضلة؟ ولماذا يصعب حلها؟ وهل من الممكن أن تكون سلسلة الخيال العلمي التي تحمل الاسم نفسه ممكنةً حقًا؟

إطلاق صاروخ، أقرب جار نجمي لنا، عرض على نتفليكس؛ كل هذه الأشياء لديها شيء مشترك: يجب أن تتعامل مع (معضلة الأجسام الثلاثة). لكن ما هو بالضبط هذا اللغز الفيزيائي المعقد؟

تصف معضلة الأجسام الثلاثة نظامًا يحتوي على ثلاثة أجسام تؤثر في بعضها بعضًا بقوى الجاذبية. وعلى الرغم من أن الأمر قد يبدو بسيطًا إلا أنه مشكلة مشهورة بصعوبتها، وهو أول مصدر قلق حقيقي لِنيوتن، وفقًا لقول بيلي كوارلز؛ عالم الديناميكا الكوكبية في جامعة ولاية فالدوستا في جورجيا، لِموقع Live Science .

في نظام يحتوي على جسمين فقط، مثل كوكب ونجم، يُعد حساب كيفية تحركهما حول بعضهما بعضًا أمرًا بسيطًا نسبيًا. ففي معظم الأحيان يدور هذان الجسمان حول مركز كتلتيهما بشكل دائري تقريبًا، ويعودان إلى النقطة نفسها في كل مرة. لكن عند إضافة جسم ثالث، مثل نجم آخر تصبح الأمور أكثر تعقيدًا. إذ يجذب الجسم الثالث الجسمين الآخرين اللذين يدوران حول بعضهما، ويُخرجهما عن مساراتِهما المتوقعة.

تعتمد حركة الأجسام الثلاثة على حالتها الابتدائية؛ مواقعها وسرعاتها وكتلها. إذا تبدّل أحد هذه المتغيرات، حتى لو بشكل طفيف، فقد تكون الحركة الناتجة مختلفةً تمامًا.

يشرح شين روس؛ عالم الرياضيات التطبيقية في جامعة فرجينيا تك لِموقع Live Science: «فكر في الأمر وكأنك كنت تمشي على سلسلة من التلال الجبلية. مع تغيير بسيط واحد قد تسقط إما إلى اليمين أو إلى اليسار. هذان موقعان ابتدائيان قريبان جدًا، وقد يؤديان إلى حالتين مختلفتين تمامًا».

يضيف روس: «لا توجد قيود كافية على حركات الأجسام لحل معضلة الأجسام الثلاثة باستخدام المعادلات، لكن عُثر على بعض الحلول لمعضلة الأجسام الثلاثة».

على سبيل المثال، إذا كانت الظروف الابتدائية مناسبة تمامًا، يمكن لثلاثة أجسام متساوية الكتلة أن تتبع بعضها في نمط يشبه الرقم ثمانية. لكن تبقى هذه الحلول المنظمة هي الاستثناء عندما يتعلق الأمر بالأنظمة الحقيقية في الفضاء.

يمكن لبعض الظروف أن تجعل معضلة الأجسام الثلاثة أسهل في الفهم. فكر في كوكب تاتوين الخيالي من (حرب النجوم)؛ كوكب واحد يدور حول نجمين. يشكل هذان النجمان والكوكب نظامًا ثلاثي الأجسام. لكن إذا كان الكوكب بعيدًا بما فيه الكفاية ويدور حول النجمين معًا، فمن الممكن تبسيط المشكلة.

يقول كوارلز: «عندما يتعلق الأمر بحالة كوكب تاتوين؛ طالما كنت بعيدًا بما يكفي عن الثنائي المركزي، فإنك تفكر في هذا الجسم كأنه نجم ضخم جدًا». إذ لا يمارس الكوكب قوةً كبيرةً على النجوم لأنه أقل كتلةً بكثير، لذلك يصبح النظام مشابهًا لمسألة الجسمين التي يمكن حلها بسهولة أكبر.

حتى الآن، وجد العلماء أكثر من عشرة كواكب تشبه تاتوين، بحسب قول كوارلِز لِموقع Live Science.

لكن غالبًا، لا تستقر مدارات الأجسام الثلاثة أبدًا، وتُحل معضلة الأجسام الثلاثة بانفجار ضخم. فقد تتسبب القوى الجاذبية في تصادم جسمين من الأجسام الثلاثة أو يمكنها قذف أحد الأجسام خارج النظام إلى الأبد، وهو مصدر محتمل لـ «الكواكب الجوالة» التي لا تدور حول أي نجم، على حد قَول كوارلِز.

في الواقع، قد تكون الفوضى الناجمة عن الأجسام الثلاثة شائعةً جدًا في الفضاء. إذ يقدّر العلماء أن عدد الكواكب الجوالة قد يكون أكثر بـ 20 مرةً من عدد النجوم في مجرتنا.

عندما تفشل جميع المحاولات، يمكن العلماء استخدام الحواسيب لتقريب حركات الأجسام في نظام الأجسام الثلاثة. هذا يجعل من الممكن التنبؤ بحركة صاروخ يُطلق في مدار حول الأرض أو التنبؤ بمصير كوكب في نظام يحتوي نجومًا متعددةً.

مع كل هذا الاضطراب، قد تتساءل عما إذا كان بإمكان أي شيء البقاء على قيد الحياة على كوكب مثل ذاك الذي ظهر في مسلسل (3 Body Problem) على نتفليكس، الذي يكون محصورًا في مدار فوضوي حول ثلاثة نجوم في نظام ألفا سنتوري؛ أقرب جار نجمي لنا.

يقول روس: «لا أعتقد أن في مثل هذا النوع من الأوضاع قد تتشكل بيئة مستقرة لتطور الحياة». هذا هو أحد جوانب المسلسل الذي يظل ثابتًا في مجال الخيال العلمي.

اقرأ أيضًا:

دراسة جديدة تقترح أن الثقوب الدودية قد تحل معضلة متعلقة بالثقوب السوداء

حسابات جديدة قد تحل معضلة الفيزياء الكونية

ترجمة: حمداش رانية

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر