يبدو كأنك البارحة قد احتضنت طفلك بين ذراعيك، وأخذت عهدًا برعايته وحبه إلى الأبد. والآن، يغادر آخر العنقود البيت، ولا تعلم ما أنت بفاعل! إنه شعور طبيعي، يُسمى «متلازمة العش الخالي». فإذا اعتراك حزن عارم جراء مغادرة طفلك للمنزل، فربما تعاني تلك المتلازمة.
يريد الأهل لأطفالهم النضج والاستقلال بحياتهم. لكنهم غالبًا ما يستشعرون الوحدة والحزن والحداد عند رحيل أطفالهم بعيدًا عنهم. فقد يشعر الأهل بالحزن والكآبة وانعدام الهدف عندما يدخل ابنهم علاقةً جديدة، أو يباشر مسيرته الجامعية. وتراود هذه المشاعر الحزينة النساء أكثر من الرجال، وقد تزداد حال كنت أمًّا بدوام كامل!
متلازمة العش الخالي ليست اضطرابًا سريريًّا أو تشخيصيًّا. بل هي فترة انتقالية في الحياة تزخر بمشاعر الوحدة والفقد.
يريد الأهل لأطفالهم تكوين شخصية مستقلة، لكن غالبًا ما تكون هذه التجربة عذبة ومريرة بنفس الوقت.
الأسباب:
إذا كانت علاقة الطفل بأهله حافلةً بالصراع والانعزال والعدوانية، فقد يعاني الطرفان أكثر عند مغادرة الطفل للبيت. وتشمل أفضل النتائج علاقة بنّاءة وداعمة بين الطرفين. فتمنح العلاقات الطيبة كل الأطراف فرصةً أفضل للتواصل السليم الضروري لليافعين في طريقهم إلى الاستقلال، وكذلك للأهل الذين يتقدمون في العمر.
أعراض وعلامات:
قد يعاني الشخص في متلازمة العش الخالي ما يلي:
1- فقدان المغزى والهدف من الحياة:
الآن، أصبحت حياتك -التي كانت فيما مضى حافلةً بتدريب كرة القدم، ودروس البيانو، واجتماعات الأساتذة، والألعاب، وحفلات أعياد الميلاد- خاليةً من كل هذا الصخب والضجيج. ولا تعرف ما أنت بنفسك فاعل. حتى مع وجود عائلتك وأصدقائك وعملك ونشاطاتك، ما تزال أيامك تبدو خاوية.
هذا الشعور طبيعي للأهل الذين غادر أحد أطفالهم العش حديثًا. فسابقًا كنت تُعرف بأمومتك/ أبوتك. والآن، لم يعد هذا دورك الأساسي.
لكن ستدرك بعد مرور بعض الوقت مقدار الغايات التي ستتكشف عنها حياتك. خاصةً إن وظفت الوقت الفائض في ممارسة هواية جديدة، أو استحداث تحد جديد. وفي غضون ذلك، من الطبيعي أن تشعر بنوع من الأسى أمام حقيقة انتهاء فصل من فصول حياتك.
2- الإحباط بسبب انعدام الرقابة:
امتلكت لسنوات خَلَت زمام السيطرة في ترتيب حياة أبنائك، ولكن ما عدت تملكها بعد الآن. ولن تعلم ماذا يفعل ابنك بعد اليوم.
قد يكون انعدام الرقابة محبطًا، في حين يحضر طفلك محاضراته، أو يذهب إلى العمل، أو يخرج في موعد عاطفي، أو يتسكع مع أصدقائه. قد تشعر أيضًا بلمحة من الهجران إذ تجهل جدول مواعيده اليومية. لا تحاول أن تُشعر ابنك بالذنب لتبقى أكثر اطلاعًا على حياته.
سيأتي التطفل بنتائج عكسية. حاول التركيز على التكيّف مع الظروف الجديدة بطرق صحية، وقد يغدو ذلك أسهل مع الوقت. وستعتاد فكرة تولي طفلك زمام حياته بنفسه، وتبدأ بناء نوع من الاستقرار بحياتك.
3- الألم العاطفي:
لا تجزع إذا ما أخذت بالبكاء أمام دعاية تجارية حمقاء، أو عند قيادتك في الطريق، لأن حياتك حساسة للغاية حاليًا. ستبدو الأحداث التي لا تتوقف أمامها عادةً أكبر من حجمها.
قد يثير فراغ عشك مجموعة متنوعة من المشاعر. فربما أنت حزين لأن طفلك أصبح راشدًا، وغاضب من نفسك لأنك لم توجد إلى جانبه كفاية، ومضطرب بشأن زواجك، وخائف من تقدمك في العمر، ومحبط لأنك لم تصل إلى حيث حلمت أنك ستصل في هذه المرحلة من حياتك.
كل هذا طبيعي. ولن يفيد إنكار ألمك أو كبت حزنك في تخطي المشكلة. اسمح لذاتك بعيش كل المشاعر التي تطرأ عليها. فقد تفيد مواجهة المشاعر العصيبة على الفور في زوالها أسرع مما لو تجنبتها.
4- توتر العلاقة الزوجية:
ينحّي العديد من الشركاء علاقتهم جانبًا خلال تربية الأطفال. ويصبح الطفل هو محور العائلة. بعد سنوات من إهمال زواجك، ستجد أن علاقتكما بحاجة إلى الإصلاح حال رحيل الأولاد.
قد تحتارون ما تفعلون إذا كانت نشاطاتكم دائمًا ما تدور حول ألعاب كرة القدم، أو حفلات البيانو، قد يبدو تعارفكما من جديد صعبًا بعض الشيء.
يكتشف بعض الأزواج اختلاف رد فعلهم إزاء خلاء العش. فقد تعاني بعض التوتر في العلاقة إذا اعتاد شريكك الحياة، أو استحبها دون وجود الأولاد في المنزل.
اجعل هدفك إعادة استكشاف الحياة معًا. واعتبر هذا الوقت فرصة لتعيد جمع واكتشاف ما قادك إلى الوقوع في حب هذا الشخص في المقام الأول.
5- القلق بشأن أطفالك:
من الطبيعي -سواءً أرحل طفلك إلى الجامعة، أم انتقل للسُكنى في بيته- أن تقلق بشأن ما يفعله الآن بعدما غادر العش. لكن من غير الطبيعي أن تشعر بالقلق المستمر حيال كيفية تدبر طفلك لأمره.
لن يجدي الاطمئنان عليه عدة مرات في اليوم، أو تخصيص ساعات في مراقبة حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي.
تجنب الاتصال به لتسأله هل نسي أن ينظف أسنانه بالخيط، أو إزعاجه حول تأدية واجباته المدرسية.
هذه فرصة طفلك كي يفرد جناحيه، ويختبر كل المهارات التي علمته إياها عندما عاش في كنفك.
وازن بين رغبتك في الاطمئنان عليه، وحاجته إلى بعض الخصوصية. ضع خطة لطريقة تواصلك معه. فقد تتصل به مرة في الأسبوع، أو تتواصل معه باستمرار بالرسائل النصية أو الإيميل، أو تخطط لعشاء أسبوعي معه إذا كان يسكن بالقرب منك.
العلاج:
قد يُنصَح بالعلاج لدى خبير رعاية صحية، إذا غمرت مشاعر الوحدة والكآبة، والحزن الشخص. ويفيد العلاج النفسي في تدبير الأعراض، وقد يوصي الخبير الصحي بوصفات دوائية.
قد يخفف البقاء على تواصل مع الطفل عنك عند مواجهة خلاء العش. ويساعدك البحث عن الدعم الاجتماعي في أوقات الوحدة والشدة. إذ يُنصَح بالمثابرة على الاعتناء بالذات، مثل الحمية الغذائية الصحية، والنوم الجيد، والتمارين الرياضية، وإمضاء الوقت في الاسترخاء.
يتأقلم البعض مع المرحلة الانتقالية بممارسة الهوايات والسفر والصداقات ووضع الأهداف على الصعيد المهني والتعليمي، بدلًا من تركيز جُلّ اهتمامهم على رحيل أطفالهم عنهم.
قد تحتاج هوية المرء إلى بعض التعديل من أب/ أم لطفل، إلى أب/ أم لراشد. ويستغرق ذلك التعديل بعض الوقت.
الخلاصة:
قد تكون هذه فترة حساسة ومخيفة في حياتك. بعد مرور 18 عامًا تحت جناحك، وبيت عامر بالأطفال.
تيقن أن المشاعر التي تعيشها حاليًا ستتلاشى عندما تعتاد بيتًا أهدأ، وحياة تخضع لرغباتك.
إذا شعرت أن حياتك فقدت مغزاها، أو اعتقدت أن اكتئابك وقلقك أسوأ من المتوقع، استشِر اختصاصيًّا.
قد تساعدك إحاطة نفسك بأشخاص اختبروا هذا الشعور، سواءً مجموعة دعم أو أصدقاء يمرون بما تمرّ به، في تخطي هذه الفترة العصيبة.
لقد أديت واجبك الأمومي/ الأبوي على أكمل وجه، والآن حان وقت الاستمتاع بالحياة مع كل ما تقدمه من حرية وفرص.
اقرأ أيضًا:
كيف نتعامل مع الفراغ الذي خلفه شخص عزيز فقدناه؟
كيف تتخطى العلاقات الأسرية المكسورة
ترجمة: سوار قوجه
تدقيق: أيمن الشطي
مراجعة: أكرم محيي الدين
المصادر: psychologytoday, verywellfamily