وفقًا للمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي، فإن «دورات ميلانكوفيتش» تصف التغيرات القليلة النسبية في حركة الأرض والتي بدورها تؤثر في مناخ الكوكب، وقد سميت الدورات بهذا الاسم نسبة لـ« ميلوتين ميلانكوفيتش» -عالم الفيزياء الفلكية الصربي- الذي بدأ في بدايات القرن الماضي في البحث عن سبب ظهور العصور الجليدية القديمة في كوكب الأرض.
وأيضًا وفقًا لمتحف علم الحفريات في جامعة كاليفورنيا، فقد شهدت الأرض أحدث عصر جليدي لها خلال العصر الجيولوجي «البليستوسين»، والذي استمر من 2.6 مليون سنة إلى 11700 سنة مضت. وعبر آلاف السنين، وحتى في أكثر الأماكن اعتدالًا في العالم إذ كانت مغطاة بالأنهار الجليدية أيضًا.
ولتحديد كيف واجهت الأرض تغييرات واسعة في المناخ على مر الزمان، دمج ميلانكوفيتش بيانات حول تغيرات في موضع كوكب الأرض إضافة إلى الجدول الزمني للعصور الجليدية خلال عصر البليستوسين، فقد درس التغيرات الأرضية لآخر 600 ألف عام وقد حسب التغير في كمية الإشعاع الشمسي الذي تتلقاه بسبب التغيرات المدارية للأرض.
وبذلك، كان قادرًا على الربط بين الكميات المنخفضة للإشعاع الشمسي في دوائر العرض الشمالية العليا بالعصور الجليدية القديمة في أوروبا، وفقًا للمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي.
أدت حسابات ومخططات ميلانكوفيتش والتي نشرت في عشرينيات القرن الماضي وما زالت تُستخدم حتى الآن في فهم مناخ الماضي والمستقبل إلى استنتاج وجود ثلاث دورات موضعية مختلفة وهي دورات ميلانكوفيتش ، لكل منها طول خاص بها، تؤثر من خلاله على مناخ الأرض وهي:
- انحراف مدار الأرض: (شكل مدار الأرض حول الشمس)
- الميل المحوري للكوكب: (التغيرات في الزاوية بين محور دوران الأرض حول نفسها مع مستوى مدار الأرض حول الشمس).
- المبادرة المحورية: (التغيير في اتجاه محور دوران الأرض).
انحراف مدار الأرض:
تدور الأرض حول الشمس في شكل بيضاوي يدعى «القطاع الناقص» أو «الإهليجي» في واحدة من نقطتي الارتكاز (البؤر).
وفقًا لجامعة (سوينبرن- Swinburne)، الإهليجية هي مقياس للشكل البيضاوي وتُعرّف عبر النسبة بين المحور القصير (طول أقصر محور للإهليج) إلى المحور الكبير (طول أطول محور للإهليج).
بينما الدورة المثالية – عند التقاء بؤرتين في مركز واحد – تمتلك شكلًا إهليجيًا يساوي 0 (أي أقل انحرافًا)، والإهليج الذي يُضغط ليتحول إلى خط مستقيم له مقدار من الانحراف يقترب من الواحد الصحيح (اي الأكثر انحرافًا).
وفقًا لوكاله ناسا، يتغير انحراف مدار الأرض قليلًا بمرور 100 أ0لف عام ما يقرب من 0 إلى 0.07 درجة ليعود إلى وضعه مجددًا.
وعندما يكون مدار الأرض أكثر انحرافًا، فإن سطح الكوكب يتلقى إشعاعًا شمسيًا أكثر بنسبة تتراوح بين 20 و 30 بالمئة، (خلال أقصر مسافة بين الأرض والشمس لكل دورة) من أن يصبح السطح بعيدًا عن الشمس (اي أطول مسافة بين الأرض والشمس لكل دورة).
وعندما يصبح مدار الأرض أقل انحرافًا، يوجد اختلاف ضئيل جدًا في كمية الإشعاع الشمسي الذي تتلقاه الأرض بين فترتي (الحضيض الشمسي) (أي عند أقرب نقطة للأرض من الشمس) و(الأوج الشمسي) (أي عند أبعد نقطة للأرض عن الشمس).
واليوم، انحراف مدار الأرض في حالة قربها من الشمس يصل إلى 0.017 درجة، والذي يحدث تقريبًا في 3 يناير من كل عام. وسطح الأرض يتلقى مقدارًا أكبر من الإشعاع الشمسي يقدر بحوالي 6 بالمئة أكثر عندما تكون الأرض في أبعد نقطة عن الشمس، ويحدث تقريبًا في يوم 4 يوليو من كل عام.
دورات ميلانكوفيتش والميل المحوري للكوكب:
إن ميل محور الأرض بالنسبة إلى مستوى مداره يعد سببًا لرؤيتنا فصول السنة الأربعة.
وفقًا لجامعة إنديانا (بلومنجتون)، فإن التغيرات القليلة في ميل المحور تؤدي لتغير في كمية الإشعاع الشمسي الساقط على مناطق معينة من الأرض.
وعلى مدى حوالي 41 ألف عام، يتراوح ميل محور الأرض والذي يعرف أيضًا «بالانحراف» بين 21.5 و 24.5 درجة.
وعندما يكون المدار في أقل درجات ميله، فإن كمية الإشعاع الشمسي لا تتغير كثيرًا بين فصلي الصيف والشتاء في جزء كبير من سطح الأرض. وبالتالي، تكون تلك الفصول أقل شدة أثناء حدوثها.
هذا يعني أن الصيف في القطبين يصبح أكثر برودة، ما يسمح للثلج والجليد بالبقاء خلال فصلي الصيف والشتاء، وفي النهاية فإنه يتراكم ليكون طبقات كبيرة من الجليد.
يميل محور الأرض اليوم بـ 23.5 درجة، وتتناقص تدريجيًا ببطء وفقًا لمجلة (EarthSky).
دورات ميلانكوفيتش والمبادرة المحورية:
تمايل دوران الأرض حول محورها، شبيه بما يحدث عندما يبدأ الخذروف أو البلبل بالتباطؤ تدريجيًا. هذا التمايل – الذي يعرف بمبادرة الاعتدالين يحدث عن طريق الجاذبية الناتجة عن الشمس والقمر اللذين يؤثران على المنطقة الاستوائية للأرض، وهنا لا يغير التمايل من ميل محور الأرض، ولكن من اتجاهها.
وفقًا لجامعة ولاية واشنطن، بعد مرور 26 ألف سنة، ستميل الأرض في دائرة كاملة.
الآن، وبمرور آلاف السنين، توجه محور الأرض شمالًا نحو (بولارس) أو ما يُعرف بنجم الشمال، ولكن تمايل الأرض التدريجي يعني أن بولارس لن يكون نجم الشمال دائمًا. وبمرور ما يقرب من 5 آلاف سنة، ستتوجه الأرض ناحية نجم أخر، يُدعى (ثوبين). وبعد قرابة 12 ألف سنة، سوف يتحرك المحور أكثر حول دائرة مبادرة الاعتدالين وسيتوجه نحو النجم (فيجا) والذي سيصبح هو نجم الشمال الجديد.
مع إتمام الأرض لدورة مبادرة الاعتدالين، يتغير اتجاه الأرض تبعًا للحضيض والأوج الشمسي، فإذا كان نصف الكرة الارضية موجهًا بالقرب من الشمس في فترة الحضيض الشمسي (أي أقرب مسافة بين الأرض والشمس)، فستكون موجهة بعيدًا خلال فترة الأوج الشمسي (أي أبعد مسافة بين الأرض والشمس)، والعكس صحيح بالنسبة لنصف الكرة الأرضية الآخر.
فنصف الكرة الموجه قرب الشمس في فترة الحضيض الشمسي والذي يكون بعيدًا في فترة الأوج الشمسي يواجه تناقضات موسمية شديدة مقارنة بنصف الكرة الآخر.
أما حاليًا، يحدث فصل الصيف لنصف الكرة الجنوبي أثناء فترة الحضيض الشمسي وفصل الشتاء في فترة الأوج الشمسي، هذا يعني أن النصف الجنوبي من الكرة الأرضية يواجه مواسم أكثر شدة من نصف الكرة الشمالي للأرض.
اقرأ أيضًا:
ما هو الشكل المستقبلي لمدار الأرض حول الشمس ؟
ترجمة: عمر ونيس
تدقيق: عون حداد
مراجعة: رزان حميدة