يشير مصطلح حرب العملات إلى الحالة التي نرى فيها عدة دول تُخفض قيمة عملاتها المحلية عن قصد من أجل تحفيز اقتصادها. إن انخفاض قيمة العملة (سواء أكان عن قصد أم بغير قصد) أمر شائع في سوق الصرف الأجنبي، ولكن ما يميز حرب العملات هو انخراط عدد كبير من الدول في محاولات لتخفيض قيمة عملاتها في نفس الوقت.

معلومات سريعة:

  •  إن حرب العملات تعني تخفيض قيمة العملة المحلية بهدف تحسين المكانة الاقتصادية العالمية للدولة على حساب دولة أخرى، وتتصاعد حدة هذه السياسات من مبدأ «العين بالعين».
  •  يتضمن تخفيض قيمة العملة اتخاذ إجراءات تضعف القوة الشرائية للعملة المحلية.
  •  قد تتبع الدول مثل هذه السياسات بهدف تقوية مكانتها في ميدان التجارة الدولية وتقليل أعباء الديون التي تؤثر على سيادة الدولة.
  •  قد تحمل سياسة تخفيض قيمة العملة عواقب تؤدي إلى الفشل.

تخفيض سعر العملة

قبل دراسة تفاصيل حرب العملات، علينا أن نعرف الفائدة وراء تخفيض دولة لسعر صرف عملتها؟

قد تبدو هذه الفكرة غير متوقعة، ولكن العملة القوية ليست من الأهداف الرئيسية للدولة.

بالنسبة للدولة، تخفيض سعر العملة المحلية يزيد من الفرص التنافسية لصادراتها في السوق العالمية، وتزيد تكلفة الواردات.

ارتفاع قيمة الصادرات يحفز النمو الاقتصادي، والواردات باهظة الثمن لها أثر مشابه، فهي تجعل المستهلك يميل نحو اختيار المنتج المحلي بدلًا من المنتجات المستوردة.

إن هذه الزيادة في حدود التبادل التجاري، تؤدي إلى تخفيض العجز في الحساب الجاري، أو زيادة الفائض في الحساب الجاري، وتؤدي أيضًا إلى معدل توظيف أعلى ونمو أسرع للناتج المحلي الإجمالي.

إن السياسة النقدية التحفيزية التي تؤدي عادةً إلى إضعاف العملة، لها أثر إيجابي على رأس المال في الدولة وأسواق الإسكان، ما يؤدي إلى تحفيز الاستهلاك المحلي وفق ما يُعرف بتأثير الثروة.

هل نعيش في حرب عملات؟

إن المرادف لمصطلح «حرب العملات» هو مصطلح «التخفيض التنافسي» أو «تخفيض قيمة العملة التنافسي».

في عصرنا الحالي، وهو عصر أسعار الصرف العائمة (أي أن قوى السوق هي التي تحدد سعر صرف العملة)، يطبق البنك المركزي عادةً سياسة تخفيض قيمة العملة بواسطة إجراءاته الاقتصادية التي تؤثر سلبيًا على سعر صرف العملة، إجراءات مثل تخفيض أسعار الفائدة وإجراءات التيسير الكمي (شراء أوراق مالية طويلة الأمد من السوق المفتوحة).

إن هذه الإجراءات في ظل أسعار الصرف العائمة أكثر تعقيدًا مقارنةً بحروب العملات التي كانت تحدث في العقود الماضية عندما كانت أسعار الصرف الثابتة هي النموذج الأكثر شيوعًا، وكان بإمكان الدولة تخفيض قيمة عملتها ببساطة من خلال تقليل الرصيد المرتبط بقيمة العملة.

لا يُتداول مصطلح «حرب العملات» المثير للجدل عادةً في عالم الاقتصاد والبنوك المركزية، لذلك يمكن القول إن وزير المالية البرازيلي السابق غيدو مانتيغا أثار توترًا وجدلًا في سبتمبر 2010 عندما حذّر أن حرب عملات دولية قد اندلعت.

ما هي حرب العملات - الحالة التي نرى فيها عدة دول تخفض قيمة عملاتها المحلية عن قصد من أجل تحفيز اقتصادها - سوق الصرف الأجنبي

ومع تخفيض أكثر من 20 دولة لأسعار الفائدة واتخاذها إجراءات أخرى لتسهيل السياسة النقدية في الفترة بين يناير وأبريل 2015، يكون السؤال الأبرز والأهم، هل نحن الآن في خضم حرب عملات؟

إن سياسة التصعيد التي تتبعها الصين والولايات المتحدة في الحرب التجارية بينهما قد تؤدي إلى حرب عملات، فبعد زيادة الرسوم الجمركية على البضائع الصينية في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انتقمت الصين بتخفيض سعر صرف عملتها أمام الدولار.

سياسة إفقار الجار

بما أنه من السهل تخفيض قيمة العملة رغبةً في النمو الاقتصادي (سواء كان ذلك علنيًا أو سرّيًا)، يمكننا أن نستنتج بسهولة أنه إن خفّضت إحدى الدول قيمة عملتها، سرعان ما سوف تتبعها دولة ثانية في اتخاذ هذا الإجراء، متبوعةً بدولة ثالثة ورابعة وهكذا سوف تتوالى الدول في تخفيض قيمة عملاتها، هذا هو جوهر التخفيض التنافسي.

تُعرف هذه الظاهرة باسم «سياسة إفقار الجار» وتدل على أن الدولة تخدم مصالحها فقط مع إقصاء كل الاعتبارات الأخرى، حتى لو أدى ذلك إلى مشاكل اقتصادية في دولة أخرى.

صعود الدولار الأمريكي

عندما حذر الوزير البرازيلي مانتيغا في سبتمبر 2010 من حرب العملات، أشار إلى الاضطراب المتزايد في سوق العملات الأجنبية، الذي أثاره برنامج التيسير الكمي (الذي كان يضعف الدولار) الذي أطلقه الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة، وإلى استمرارية الصين في كبح عملتها، وإلى عدة تدخلات من قبل بنوك مركزية آسيوية لمنع قيمة عملاتها من الارتفاع.

ولكن الدولار الأمريكي ارتفع أمام معظم العملات الرئيسية منذ مطلع عام 2011، وسجل مؤشر الدولار الأمريكي المرجح بالتجارة أكبر أرقامه منذ أكثر من عقد (مؤشر الدولار الأمريكي المرجح بالتجارة أو الموزون تجاريًّا، هو مؤشر صنعه الاحتياطي الفدرالي لقياس قيمة الدولار التنافسية في الأسواق التجارية أمام نظائره من العملات الأخرى).

في الفترة بين عامي 2014 و2015، انخفضت قيمة جميع العملات الرئيسية أمام الدولار، وانخفض اليورو والعملات الإسكندنافية والروبل الروسي والريال البرازيلي بنسبة تجازوت 20%.

سياسة الدولار الأمريكي القوي

انسجم الاقتصاد الأمريكي مع سياسة الدولار القوي بلا مشاكل كبيرة إلى الآن، وأبرز مشكلة هي تحذير عدد كبير من الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات من التأثير السلبي لسياسة الدولار القوي على أرباحها.

عبر السنين، اتبعت الولايات المتحدة سياسة الدولار القوي بدرجات متفاوتة من النجاح.

ولكن الولايات المتحدة هي حالة خاصة، نظرًا إلى أن الاقتصاد الأمريكي أكبر اقتصاد في العالم، والدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية عالميًّا.

إن سياسة الدولار القوي تزيد من جذب المستثمرين إلى الولايات المتحدة، فهي الوجهة الرئيسية للاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمار الأجنبي بالمحفظة.

تعتمد معظم الدول على الصادرات لتحفيز النمو الاقتصادي، ولكن الولايات المتحدة هي الأقل اعتمادًا على هذا المبدأ؛ بسبب سوقها الاستهلاكي الضخم الذي يُعد أكبر سوق استهلاكي في العالم حتى الآن.

الوضع الحالي

إن السبب الرئيسي لتصاعد الدولار (حتى عام 2015) هو أن وضع الولايات المتحدة الاقتصادري أفضل من غيرها، فقد تكون الدولة الوحيدة المستعدة لتفكيك سياستها النقدية التحفيزية، بعد أن كانت أول من يضع برنامجًا للتيسير الكمي، بالمقارنة مع حالة قوى اقتصادية دولية أخرى، مثل اليابان والاتحاد الأوروبي، نجد أن هذه القوى تأخرت في إطلاق برامج للتيسير الكمي.

استفاد الاقتصاد الأمريكي من عمليات التيسير الكمي التي أجراها الاحتياطي الفدرالي في هذه الفترة الريادية، حتى أن صندوق النقد الدولي توقّع نمو الاقتصاد الأمريكي في عامي 2015 و2016 بمعدل 3.1% وهو الأفضل بين مجموعة الدول السبع.

أما بخصوص دول مثل كندا وأستراليا والهند، فقد رفعت هذه الدول أسعار الفائدة بعد عامين من أزمة الركود الكبير 2007-2009، ما جعلها تضطر إلى تسهيل سياساتها النقدية بسبب الضعف الذي أصاب القوة الدافعة للنمو.

اختلاف السياسات (حتى شهر أبريل عام 2015)

بالمقارنة، نلاحظ وجود الاقتصاد الأمريكي في كفة، وباقي العالم في كفة أخرى، فالاقتصاد الأمريكي يستعد لرفع معدل الأموال الفدرالي في عام 2015، وهي أول زيادة منذ عام 2006، أما باقي الدول فتتبع بشدة سياسات نقدية تسهيلية.

إن هذا الاختلاف في السياسة النقدية هو سبب صعود الدولار أمام غيره من العملات.

تفاقمت هذه الحالة بسبب عدة عوامل، منها:

  •  تدني النمو الاقتصادي في الأعوام الأخيرة بالنسبة لمعدلاته التاريخية، أحال الخبراء هذا النمو الضئيل إلى أنه من تداعيات أزمة الركود الكبير.
  •  استخدام معظم الدول أوراقها جميعها لتحفيز النمو، ونلاحظ أن أسعار الفائدة في أدنى مستوياتها عند معظم الدول، ولا يمكن الاستمرار بتخفيض أسعار الفائدة، أما بخصوص السياسات التحفيزية المالية (والتي تختلف عن السياسات النقدية)، فلا يمكن اتّباعها نظرًا إلى شدة وكثافة التحقيقات بخصوص العجز المالي في الأعوام الأخيرة، وتبقى الأداة الوحيدة لتحفيز النمو الاقتصادي هي تخفيض قيمة العملة.
  •  أما بالنسبة لعوائد سندات الدول ذات السيادة، نلاحظ أن هذه العوائد تعاني من مشكلة الانخفاض، حتى إن عوائد السندات قصيرة الأجل ومتوسطة الأجل أصبحت سلبية في عدة دول، أما سندات الخزينة الأمريكية، كانت عوائدها 1.86% للسندات مستحقة الدفع بعد 10 أعوام، و2.52% للسندات مستحقة الدفع بعد 30 عامًا، فهي بهذه الحالة تجذب الطلب إليها بشدة، ما يؤدي إلى زيادة كبيرة في الطلب على الدولار.

الآثار السلبية لحرب العملات

إن تخفيض قيمة العملة ليس الحل الأمثل لجميع المشكلات الاقتصادية، وعلى سبيل المثال: انخفض الريال البرازيلي بنسبة 48% بين عامي 2011 و2015، ولكن هذا الانخفاض الحاد في قيمة العملة لم يحل مشاكل مثل انخفاض أسعار النفط الخام وغيره من السلع، وعلاوة على ذلك، يوجد مشاكل مثل فضائح الفساد الكبيرة في البرازيل، ولذلك فإن نمو الاقتصاد البرازيلي كان ضئيلًا جدًا عام 2014.

إذًا ما سلبيات حرب العملات؟

  •  على المدى الطويل، قد يؤدي تخفيض قيمة العملة إلى تخفيض الإنتاج، بسبب زيادة تكلفة المعدات والآلات وغيرها من مستلزمات الإنتاج التي تستوردها الدولة. أي إن الاقتصاد سوف يضعف على المدى الطويل إن كان تخفيض العملة غير مقترن بإصلاحات جوهرية في بنية الاقتصاد.
  •  قد تكون درجة تخفيض العملة أكبر من اللازم، فيؤدي إلى ازدياد معدلات التضخم وتسرب رأس المال من الدولة.
  •  قد تؤدي حرب العملات إلى تشديد سياسات الحماية الاقتصادية ووضع حواجز تعيق التجارة الدولية.
  •  قد يؤدي التخفيض التنافسي للعملة إلى زيادة تقلبات سعر العملة، فيؤدي إلى زيادة تكاليف التدابير ضد مخاطر تقلبات سعر العملة بالنسبة للشركات، وقد يؤدي أيضًا إلى إعاقة الاستثمارات الأجنبية.

الخلاصة

لا يبدو العالم اليوم في خضم حرب عملات، مع وجود العديد من الدلائل على عكس ذلك.

إن السياسات النقدية التحفيزية التي تتبعها الدول هي محاولات لتحفيز النمو بسبب النمو الضئيل والبيئة الانكماشية التي تعاني منها، وليست محاولات سرية لسرقة حصة من المنافسة الاقتصادية العالمية بواسطة تخفيض قيمة العملة.

اقرأ أيضًا:

ماذا تعني السيطرة على الأسعار؟

سعر الفائدة: تعريف وحقائق

ترجمة: كميت خطيب

تدقيق: مصطفى شحاتة

مراجعة: رزان حميدة

المصدر