يشير مصطلح (السيتوبلازما – Cytoplasm) أو “الهيولى” للسائل الذي يملأ الخلايا، شاملًا العصارة الخلوية “السيتوزول” إلى جانب خيوط وبروتينات وشوارد وبنى جزيئية كبروية، بالإضافة إلى العضيات المُعلقة في العصارة الخلوية. تشير السيتوبلازما في الخلايا حقيقية النوى إلى محتويات هذه الخلايا باستثناء النواة. تمتلك حقيقيات النوى آليات مفصلةً للمحافظة على حيز نووي متميز ومستقل عن السيتوبلازما، ويساهم النقل الفعال في نشوء هذه البنى دون الخلوية والحفاظ على الاستتباب داخل السيتوبلازما.
أما بالنسبة لخلايا بدائيات النوى، تحتوي السيتوبلازما أيضًا على المادة الجينية الأولية، نظرًا لعدم وجود غشاء نووي محدد، وعادةً ما تكون هذه الخلايا أصغر مقارنةً بحقيقيات النوى، وتكون السيتوبلازما فيها متعضية بشكلٍ أبسط.
بنية السيتوبلازما
إن السيتوبلازما غير اعتيادية، إذ أنها لا تشبه أي سائل موجود في العالم المادي، فهي تحتوي على السوائل المدروسة عادة لفهم الانتشار بعض المواد المُذابة في بيئة مائية، بالمقابل تُعد السيتوبلازما نظامًا معقدًا ومزدحمًا يحتوي مجالًا واسعًا من الجسيمات؛ من الشوارد والجزيئات الصغيرة، للبروتينات والمعقدات الضخمة متعددة البروتينات والعضيات.
تُنقل هذه المكونات عبر الخلية حسب متطلباتها، وذلك وفق هيكل خلوي مفصل، وبمساعدة بروتينات مُحرِكة متخصصة، تغير حركة جسيمات كبيرة كهذه أيضًا في الخواص الفيزيائية للعصارة الخلوية.
تتغير الطبيعة الفيزيائية للسيتوبلازما، فيطرأ أحيانًا انتشار سريع عبر الخلية ما يجعل السيتوبلازما تشبه محلولًا غروانيًا، وفي أحيان أخرى، يبدو أنها تتخذ خواصًا مشابهةً للهلام أو للزجاج، فيُقال إنها تمتلك خواص كل من المواد اللزجة والمرنة، فيتغير شكلها ببطء بتطبيق قوة خارجية، ومن ثم تكون قادرةً على استعادة شكلها الأصلي مع فقدان أقل قدر ممكن من الطاقة.
وتكون أجزاء السيتوبلازما القريبة من الغشاء الخلوي أجمد من تلك الداخلية التي تشابه السوائل حرة الانسياب، ويبدو أن هذه التغيرات في السيتوبلازما تعتمد على العمليات الاستقلابية ضمن الخلية، وتلعب دورًا مهمًا في إنجاز وظائف معينة وحماية الخلية من العوامل الضاغطة.
يمكن تقسيم السيتوبلازما لثلاثة مكونات:
1. الهيكل الخلوي مع البروتينات المُحركة المرافقة له
2. العضيات والمعقدات البروتينية الكبيرة الأخرى
3. المشتملات السيتوبلازمية والمواد المنحلة
الهيكل الخلوي والبروتينات المُحركة
يؤمن الهيكل الخلوي الشكل الأساسي للخلية، ويتألف بشكل رئيسي من ثلاثة أنواع من البوليمرات، وهي خيوط الأكتين والنبيبات الدقيقة والخيوط المتوسطة. يبلغ عرض خيوط الأكتين المسماة أيضًا بالخيوط الدقيقة، 7 نانومترات، وتتكون من بوليمرات (مضاعفة الطاق – double stranded) من الأكتين ذي النوع (F)، وتترافق هذه الخيوط مع عدد من البروتينات الأخرى التي تساهم في تجمعها وتثبيتها بقرب الغشاء الخلوي.
يساعد هذا الموقع الخيوط الدقيقة على المشاركة في الاستجابة السريعة لجزيئات التأشير من البيئة خارج الخلوية وإنتاج استجابات خلوية من خلال نقل الإشارة أو الانجذاب الكيميائي، إضافة إلى أن الميوزين، وهو بروتين محرك متعمد على الأدينوزين ثلاثي الفوسفات (ATP)، ينقل العتاد والحويصلات على طول الخيوط الدقيقة، ويشارك أيضًا في تقلص العضلات.
تُعتبر الأنيبيبات الدقيقة بوليمرات من (التوبولين – tubulin) من النوعين α وβ، وينتج عن تناوب جزيئات هذين النوعين بوليمرات يُعتبر الواحد منها خيطًا بدئيًا، وبتجمع 13 خيطًا بدئيًا بشكلٍ جانبي يتشكل أنبيب دقيق مجوف، يبلغ قطره الداخلي 12 نانومترًا، والخارجي 24 نانومترًا. تتشعب الأنيبيبات الدقيقة باتجاه محيط الخلية انطلاقًا من المراكز المنظمة لها والموجودة بقرب النواة، وتُكسِب الخلية بنيتها وشكلها.
يعاد تنظيم السيتوبلازما بشكلٍ سريع أثناء الانقسام الخلوي وتشكل الأنبيبات الدقيقة لمغزل يرتبط بالصبغيات ويفصلها لخليتين بنتين اثنتين.
كالصورة السابقة، لُوّنت الصبغيات بالأزرق والنبيبات الدقيقة بالأخضر، وتمثل النقاط الحمراء الصغيرة مواقع الحيز الحركي. تساهم الأنبيبات الدقيقة في النقل السيتوبلازمي، وفصل الصبغيات وتشكيل بنى مثل الأهداب والسياط من أجل الحركة الخلوية.
تكون الخيوط المتوسطة أكبر من تلك الدقيقة، لكن أصغر من الأنبيبات الدقيقة، وتتشكل من مجموعة من البروتينات التي تتشارك بخواص بنيوية، ورغم أنها لا تشارك في حركة الخلية، فهي تُعد مهمةً لتجمع الخلايا على هيئة نسج وبقائها مثبتةً إلى المطرس خارج الخلوي.
العضيات والمعقدات عديدة البروتين
تمتلك معظم الخلايا حقيقية النوى عددًا من العضيات التي تؤمّن حجيراتٍ ضمن السيتوبلازما للبيئات الدقيقة المتخصصة، مثلًا، تحتوي الليزوزومات على عدد من إنزيمات الهيدرولاز ضمن بيئة حمضية مثالية لنشاطها، وتُنقل هذه الأنزيمات بشكل فعال إلى داخل الليزوزوم بعد صنعها في السيتوبلازما، من جهة أخرى رغم امتلاك الميتوكوندريا (المتقدرات) جينومها الخاص
فإنها تحتاج أيضًا للعديد من الإنزيمات المُصنعة في العصارة الخلوية، والتي تُنقل بعد ذلك انتقائيًا إلى داخل هذه العضية، وتتوضع العضيات عمومًا في مواقع محددة بفضل طبيعة السيتوبلازما الفيزيائية المشابهة للهلام، وبفضل تثبيت هذه العضيات بالهيكل الخلوي.
علاوةً على ذلك، تلعب السيتوبلازما أيضًا دور المضيف للمعقدات متعددة البروتينات مثل البروتيازومات والريبوزومات، وهي معقدات كبيرة من الحمض النووي الريبوزي (RNA)، والبروتينات ضرورية لترجمة رواميز الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) لتتاليات أحماض أمينية للبروتينات، بينما تُعتبر البروتيازومات بنى جزيئية ضخمة بكتلة قدرها حوالي 20,000 كيلودالتون وقطر يبلغ 15 نانومترًا، وهي ضرورية للهدم الموجه للبروتينات التي لم تعد تحتاجها الخلية.
المشتملات السيتوبلازماية
قد تتضمن المشتملات الخلوية مجالًا واسعًا من المواد الكيميائية الحيوية، كالبلورات الصغيرة للبروتينات، والأصبغة، والكربوهيدرات، والدهون، إذ تحتوي جميع الخلايا وخصوصًا تلك الموجودة في نسج كالنسيج الشحمي، قطيرات من الشحوم بشكلها ثلاثي الغليسريد تُستخدم لإنشاء الأغشية الخلوية، وهي تُعد مخازن ممتازة للطاقة، تستطيع الشحوم توليد ضعف كمية جزيئات الأدينوزين ثلاثي الفوسفات (ATP) في الغرام الواحد مقارنةً بالكربوهيدرات.
ولكن عملية تحرير الطاقة من ثلاثيات الغليسيريد تكون زاخرةً باستهلاك الأوكسجين، ولذلك تحتوي جميع الخلايا على مخازن غليكوجين أيضًا بمثابة مشتملات سيتوبلازماية، تُعد بدورها ضروريةً بشكلٍ خاص في خلايا كالخلايا العظمية والقلبية، والتي قد يزداد طلبها للغلوكوز بشكلٍ مفاجئ. يمكن أن يُجزأ الغليكوجين بسرعة لجزيئات فردية من الغلوكوز تُستخدم في التنفس الخلوي، قبل أن تتمكن الخلية من الحصول على المزيد من مخازن الغلوكوز من الجسم.
وتُعد البلورات نوعًا آخر من المشتملات السيتوبلازماية الموجودة في العديد من الخلايا، وتمتلك وظيفةً خاصةً في خلايا الأذن الداخلية (المحافظة على التوازن)، ويبدو أن وجودها في خلايا الخصية يرتبط بالمراضة والخصوبة.
وأخيرًا تمتلك الهيولى أيضًا أصبغةً مثل الميلانين، المسؤول عن الخلايا المتصبغة في الجلد، تحمي هذه الأصبغة الخلايا وبنى الجسم الداخلية من الآثار المؤذية للأشعة فوق البنفسجية، كما تبرز في خلايا القزحية المحيطة بحدقة العين. ويؤثر كل من هذه المكونات على وظيفة السيتوبلازما بطرق مختلفة، ما يجعل منها نطاقًا ديناميكيًا يساهم في نشاط الاستقلاب العام للخلية ويتأثر به.
وظائف السيتوبلازما
تُعتبر السيتوبلازما موقع معظم التفاعلات الإنزيمية والنشاط الاستقلابي للخلية، فيبدأ التنفس الخلوي فيها مع تحلل الغلوكوز (تنفس لا هوائي)، ويؤمن هذا التفاعل الوسائط التي تستخدمها الميتوكوندريا في توليد الـ(ATP)، وتجري ترجمة الـ(mRNA) لبروتينات على الريبوزومات في السيتوبلازما غالبًا، والتي يكون بعضها معلقًا في العصارة الخلوية، والباقي مثبت في الشبكة الهيولية الباطنة.
تحتوي السيتوبلازما أيضًا على (مواحيد – monomers) تنشئ الهيكل الخلوي، الضروري للخلايا التي تمتلك شكلًا متخصصًا، بالإضافة لكونه مهمًا للنشاطات الطبيعية للخلية، فعلى سبيل المثال، تحتاج الخلايا العصبية بمحاورها الطويلة وجود خيوط متوسطة، وأنبيبات دقيقة، وخيوط أكتين لتؤمن هيكلًا (إطارًا) يتيح نقل جهد الفعل للخلية التالية، بالإضافة إلى أن بعض الخلايا الظهارية تحتوي أهدابًا أو سياطًا صغيرة لتحريك الخلية أو إزالة الجسيمات الغريبة من خلال حركات بثق منسقة للسيتوبلازما والناشئة عن الهيكل الخلوي.
تلعب السيتوبلازما دورًا في تنظيم المحتويات الخلوية مع تحديد مواقع معينة للمتعضيات المختلفة، فعلى سبيل المثال تُشاهد النواة عادةً باتجاه مركز الخلية، مع وجود الجسيم المركزي في الجوار، وتتصل كل من الشبكة الهيولية الباطنة الممتدة وشبكة غولجي بالنواة، مع انتشار الحويصلات للخارج باتجاه الغشاء السيتوبلازمي.
الجريان السيتوبلازمي
تحدث الحركة ضمن السيتوبلازما على شكل كتل، وذلك من خلال تحرك العصارة الخلوية بشكلٍ موجه حول النواة أو الفجوة، ويُعد ذلك هامًا لا سيما لدى الكائنات الحية الكبيرة وحيدة الخلية، مثل بعض أنواع الطحالب الخضراء، والتي قد يبلغ طولها 10 سنتيمترات.
بالإضافة إلى أهمية الجريان السيتوبلازمي في توضع صانعات اليخضور بالقرب من الغشاء السيتوبلازمي للحصول على التركيب الضوئي الأفضل وتوزيع العناصر الغذائية على الخلية بأكملها، وفي بعض الخلايا، مثل البيضية الفأرية، من المتوقع أن يكون للجريان السيتوبلازمي دورٌ في تشكل دوين الحجيرات الخلوية بالإضافة إلى توضع العضيات.
الوراثة السيتوبلازمية
تحمل السيتوبلازما عضيتين تمتلكان جينومهما الخاص، وهي صانعات اليخضور والميتوكوندريا، وتُورَث هاتان العضيتان مباشرةً من الخلية البيضية للأم، وبالتالي تؤلف جينات موروثة بعيدًا عن النواة، وتتضاعف بشكلٍ مستقل عنها، وتستجيب لحاجات الخلية، وبالتالي تشكل الوراثة السيتوبلازمية أو خارج النووية خطًا وراثيًا غير منقطع لم يخضع للمزج أو التأشيب مع مورثات الأب.
اقرأ أيضًا:
- نسخة جديدة من نظام تعديل الحمض النووي
- كيف تطورت الحياة متعددة الخلايا ؟
- مفاجأة: ارتباط بين الإخصاب في المختبر والاختلال العقلي لدى الأطفال
- النطاف لعلاج السرطانات النسائية؟
ترجمة: سارة وقاف.
تدقيق: نغم رابي