إذا كنت صغيرًا، فالروائح هي وسيلة جيدة لتبرز. وقد أثبت فريق من الباحثين بقيادة المعهد الهولندي للبيئة (نيو كناو – NIOO-KNAW) لأول مرة أن نوعين مختلفين من الكائنات الدقيقة – البكتيريا والفطريات – يستخدمان العطور المعروفة باسم (تربين – terpenes) لإجراء المحادثات.
وهذا ليس كل شيء. «فنحن في الواقع نعتقد أن التربين هي الوسيلة الكيميائية الأكثر شعبية على كوكبنا للتواصل».
ما هي اللغة الأكثر استخدامًا في العالم؟ فكر مرة أخرى، ربما هي التيربين.
فقد أظهرت الأبحاث التي أجراها علماء البيئة الميكروبيون من معهد نيو وزملاؤهم أن مجموعتين مختلفتين جدًا من الكائنات الحية الدقيقة تستخدمان العطور للتواصل مع بعضهما البعض، والنوع الأكثر شيوعًا هو التربين.
ففي غرام واحد فقط من التربة مليارات الكائنات الحية الدقيقة تزدهر، وهذا ما يخلق الكثير من المتحدثين.
وعلاوة على ذلك فإن هذه الاتصالات الكيميائية ربما تعمل في مجموعة كاملة من أشكال الحياة الأخرى كذلك.
وهذا هو ما اكتشفه فريق البحث في «Scientific Reports»، وهي دورية جديدة نسبيًا من عائلة الطبيعة.
محادثة ثابتة
أثبت الباحثون أن البكتيريا والفطريات تستجيب في الواقع لبعضها البعض.
وبعبارة أخرى يمكنهم إجراء المحادثات. وتوضح رئيسة المجموعة (باولينا غاربيفا- Paolina Garbeva): «أن (سيراتيا-(Serratia هي من بكتيريا التربة، يمكنها أن تشم رائحة التيربين العطرة التي تُنتِجها (الفوساريوم –Fusarium)*(1)، وهي فطريات مسببة للأمراض النباتية، واستجابتها تكون من خلال أن تصبح متحركة وتُنتِج تربين من تلقاء نفسها».
وقد توصَّل الباحثون لهذا من خلال دراسة الجينات التي نشطت عن طريق البكتيريا، والتي بدأت تُنتج البروتينات والعطر.
أو بلغةٍ أكثر تخصصًا: باستخدام تقنيات «transcriptomic, proteomic, metabolomic».
فمثل هذه العطور -أو المركبات العضوية المتطايرة- ليست مجرد منتجات ثانوية أو نفايات، فهي أدوات تستهدف على وجه التحديد الاتصالات لمسافات طويلة بين هذه الفطريات الدقيقة والبكتيريا.
ولكن ما مدى انتشار لغة الروائح هذه؟ إن فطريات التربة المسببة للأمراض مثل الفوساريوم لها تأثير أيضًا فوق الأرض، حيث أنها تسبب المرض للنباتات.
وهل يمكنها التواصل مع تلك النباتات؟ وتُعلِّق غاربيفا على ذلك قائلةً: «لقد عرفنا لبعض الوقت أن النباتات والحشرات تستخدم التربين في التواصل مع بعضها البعض، ولكننا بدأنا للتو ندرك أنه في الواقع أوسع من هذا بكثير، وهناك مجموعة أكبر بكثير من (متحدثي التيربين): الكائنات الدقيقة».
فالفطريات، الطلائعيات، البكتيريا، وحتى الحيوانات الأعلى. كلها يعمل تيربين فيها بمثابة الفيرومونات*(2) -الإشارات الكيميائية التي تستخدمها الحيوانات- مما يجعلها عنصرًا منتظمًا من العطور.
لذلك فمن المحتمل أن لغة التيربين في الواقع تُشكِّل شبكةً واسعةً من الاتصالات الكيميائية.
تعدُّد اللغات
التربين هي بأي حال من الأحوال، المركبات العضوية المتطايرة الوحيدة المستخدمة لإجراء محادثة جيدة.
فقد وجد الباحثون موادًا أخرى، كما أضاف طالب الدكتوراه (روث شميت- Ruth Schmidt) من جامعة غاربيفا، وهو المؤلف الأول للمقال: «الكائنات الحية متعددة اللغات، ولكن التيربين هو الأكثر استخدامًا».
ومن يدري، ربما دون أن ندرك نكون من الناطقين بها أيضًا؟
*(1) الفوساريوم –Fusarium: المغزلاوية، وهي جنس من الفطريات الخيطية والتي تنتشر بشكل كبير في التربة أو
بشكل مترافق مع النبات.
*(2) الفيرومونات- pheromones: كيماويات تتركب من جزيئات عضوية معقدة. تستعمل لنقل الإشارة من حيوان
لآخر، وهي أكثر تخصصًا من الروائح بحيث يستطيع الكائن المستهدف استكشافها بكميات ضئيلة جدًا وهي
محمولة بالهواء، وعادةً تكون مخففة جدًا ونوعية التأثير على الأحياء.
ترجمة: محمد الموشي
تدقيق: هبة فارس
تحرير: محمد سمور
المصدر