القوة النووية الضعيفة وتحلل جسيم بيتا! تُعد القوة النووية الضعيفة إحدى أربع قوى أساسية تحكم شكل المادة في الكون (القوى الثلاث المتبقية هي الجاذبية، والقوة الكهرومغناطيسية، والقوة النووية الشديدة)، تعمل القوى الثلاث الأخرى على ربط عناصر المادة ببعضها بعضًا، بينما تلعب القوة النووية الضعيفة دورًا مهمًا في تدمير بنيان الأشياء أو تفتيتها. وتحملها بوزونات (Z) و(W).
تُعد القوة النووية الضعيفة، أو التفاعل الضعيف، أقوى من الجاذبية، ولكنها فعالة ضمن مسافات قصيرة جدًا. تؤثر هذه القوة على المستوى دون الذري، وتلعب دورًا هامًا في إمداد النجوم بالطاقة وإنشاء العناصر، وهي -وفق مسرع توماس جيفرسون الوطني- Jefferson National Accelerator Facility (مختبر جيفرسون)، مسؤولة عن وجود أغلب الإشعاع الطبيعي في الكون.
قدّم عالم الفيزياء الإيطالي (إنريكو فيرمي- Enrico Fermi) عام 1933 نظريةً تشرح تحلل ( جسيم بيتا- beta decay)، وهي العملية التي يتغير فيها النيوترون الموجود في النواة إلى بروتون ليُطلق إلكترونًا، وهو ما يعرف بـ (جسيم بيتا).
يكتب المؤرخ الفيزيائي الإيطالي غويلو مالتيسي في مقال (جسيمات الإنسان) الذي نُشر عام 2013 في مجلة Lettera Matematica: «حدد فيرمي نوعًا جديدًا من القوى، المعروفة باسم التفاعل الضعيف والمسؤولة عن التحلل؛ العملية التي تقوم بتحويل النيوترون إلى إلكترون، وبروتون ونيوترينو الذي حُدد لاحقًا أنه نيوترينو مضاد».
اعتقد فيرمي أساسًا -وفقًا لمالتيسي- أن هذا النوع من القوى يتضمن مسافةً صفريةً وقوة جذب تفرض على الجسيمين أن يتلامسا؛ كي تعمل هذه القوة، ومنذ ذلك الحين اُعتُقِد أن القوة النووية الضعيفة هي قوة جاذبة، تعمل ضمن مسافة صغيرة جدًا تُقدر بـ (0.1) من قطر البروتون، وفقًا لموقع (HyperPhysics) الذي أنشأته جامعة ولاية جورجيا.
النموذج المعياري
تُعد القوة النووية الضعيفة جزءًا من النظرية الحاكمة لفيزياء الجسيمات؛ النموذج المعياري هو الذي يصف البنيان الأساسي للمادة باستخدام سلسلة من المعادلات المذهلة، وفقًا لمركز سيرن المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (The European Organization for Nuclear Research). وفقًا للنموذج المعياري، إن الجسيمات الأولية -تلك التي لا تنقسم إلى أجزاء أصغر- هي حجر الأساس لبناء الكون.
إن إحدى هذه الجزيئات هو الكوارك، ولم يرَ العلماء أية إشارة على وجود أي شيء أصغر من الكوارك، لكنهم يواصلون البحث، وللكواركات ست نكهات، هي: (فوقي، وتحتي، وغريب، وخادع، وسفلي، وعلوي) بترتيب تصاعدي حسب الكتلة.
تشكِّل هذه النكهات بتركيبات مختلفة، أنواعًا متغيرةً جدًا من الجسيمات دون الذرية، وفقًا لمركز بيتسبرغ للحوسبة المتقدمة (Pittsburgh Supercomputing Center).
تتألف كل من البروتونات والنيوترونات -الجزيئات الكبيرة في نواة الذرة- من حزمة من ثلاثة كواركات، ويتألف البروتون من كواركين فوقيين وكوارك تحتي، ويتألف النيوترون من كواركين تحتيين وكوارك فوقي، ويؤدي تغيير تركيبة الكوارك إلى تحويل البروتون إلى نيوترون، ومن ثم تغيير العنصر إلى عنصر مغاير.
إن أحد الأشكال الأخرى للعناصر البدائية هي البوزونات، وتتكون هذه الجزيئات الحاملة للقوة من حزم من الطاقة، وللبوزونات شكلان؛ هما الفوتونات والغلونات، ينتج كل شكل من أشكال القوى جرّاء التبادل بين الجسيمات الحاملة للقوة، إذ تُحمل القوة النووية الشديدة على الغلونات، وتُحمل القوة الكهرومغناطيسية على الفوتونات، ويُعد جزيء الغرافيتون -نظريًا- حاملَ قوة الجاذبية، ولكنه لم يُكتشف بعد.
بوزونات (Z) و(W)
تُحمل القوة النووية الضعيفة على بوزونات (Z) و(W)، وقد تنبّأ بوجود هذه الجزيئات في ستينيات القرن الماضي (ستيفن واينبرغ)، و(شيلدون سلام)، و(أبدوس جلاشو)، الحائزون على جائزة نوبل، واُكتشِفت عام 1983 في مركز سيرن (CERN).
تتحدد بوزونات (W) المشحونة كهربائيًا بعنصرين؛ بوزون (W) موجب الشحنة، وبوزون (W) سالب الشحنة، تُغير بوزونات (W) شكل الجسيمات، وتُغير القوة النووية الضعيفة تركيب الكوارك عن طريق حقن بوزون مشحون كهربائيًا، ما يؤدي إلى تحول البروتون إلى نيوترون أو العكس، ويُحفز هذا التحول النجومَ على الاحتراق، وفقًا لمركز سيرن (CERN).
يُنشئ الاحتراق عناصرَ أثقل، تُقذَف إلى الفضاء في النهاية على شكل انفجارات مستعرة عظمى؛ لتكوّن أساسيات الكواكب، إضافةً إلى النباتات والبشر، وكل شيء على الأرض.
إن شحنة بوزونات (Z) هي شحنة حِيادية، وتحمل هذه البوزونات تيارًا حياديًا ضعيفًا، يصعب التقاط تفاعلها مع الجزيئات، وقد قادت التجارب للعثور على بوزونات (W) و(Z) إلى نظرية تجمع القوة الكهرومغناطيسية مع القوة النووية الضعيفة؛ لتُوَحِدَها في قوة جامعة تُسمى (كهروضعيفة)، وذلك في ستينيات القرن الماضي.
تتطلب النظرية -مع ذلك- أن تكون الجسيمات الحاملة للطاقة عديمة الوزن، ويعلم العلماء أن البوزونات (W) و(Z) النظرية، يجب أن تكون ثقيلةً؛ لتُؤخذ بعين الاعتبار بالنسبة لمداها القصير، وقد قدّم العلماء، وفقًا لمركز سيرن، طريقةً لحساب كتلة بوزون (W) عن طريق آلية مخفيّة، يُطلق عليها (آلية هيغز-Higgs Mechanism)، التي نتج عنها وجود بوزون هيغز.
لقد أعلن مركز سيرن عام 2012، ملاحظة العلماء، باستخدام أضخم مصادم للذرات في العالم، لجسيم جديد متوافق مع ظهور بوزون هيغز.
تحلل جسيم بيتا
تُسمَى العملية التي يتحول فيها النيوترون إلى بروتون والعكس، بـ (تحلل جسيم بيتا-Beta decay)، إذ يحدث هذا التحلل، وفقًا لمختبر لورانس بيركلي الوطني – Lawrence Berkeley National Laboratory، عندما يتحول أحد البروتونات أو النيوترونات، في ذرة مليئة بالبروتونات والنيوترونات، إلى شكل آخر، ويحدث هذا التحلل في أحد اتجاهين، إما أن يتحول النيوترون في تحلل جسيم بيتا السالب، الذي يُشار إليه برمز(β^-)، إلى بروتون وإلكترون ونيوترينو مضاد، أو أن يتحول البروتون في تحلل جسيم بيتا الموجب، الذي يُشار إليه برمز (β^+)، إلى نيوترون وبوزترون ونيوترينو.
ويمكن أن يتغير عنصر ما إلى عنصر آخر عندما يتحول أحد نيوتروناته تلقائيًا إلى بروتون من خلال تحلل جسيم بيتا السالب، أو عندما يتحول أحد بروتوناته تلقائيًا -أيضًا- إلى نيوترون من خلال تحلل جسيم بيتا الموجب.
أسر الإلكترون
تتحول البروتونات إلى نيوترونات عبر عملية تُسمى: (أسر الإلكترون)، يُشار إليها اختصارًا (K-capture)، عندما يكون هناك فائض في عدد البروتونات نسبةً إلى عدد النيوترونات؛ فإن الإلكترون الموجود في المدار الإلكتروني الداخلي سيسقط باتجاه الذرة.
تكتب البروفيسورة (جاكلين يانش- Jacquelyn Yanch) من قسم الهندسة النووية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في ورقة بحثية نُشرت عام 2002 بعنوان (آلية التحلل): «تُمسك النواة الأم، خلال عملية أسر الإلكترون، الإلكترونَ المداري، وينتج عن ذلك نواة جديدة ونيوتروينو، ينخفض العدد الذري للنواة الناتجة بمقدار واحد، بينما يبقى العدد الإجمالي للبروتونات والنيوترونات على حاله».
الاندماج النووي
تلعب القوة النووية الضعيفة دورًا هامًا في الاندماج النووي، ويمد هذا التفاعل الشمس والقنابل الهيدروجينية (القنابل النووية الحرارية) بالطاقة اللازمة كي تعمل.
إن الخطوة الأولى في الاندماج الهيدروجيني هي تحطيم بروتونين بطاقة كافية للتغلب على التنافر المتبادل بسبب القوة الكهرومغناطيسية، ويمكن للقوة النووية الشديدة، إذا اقترب جسيمان من بعضهما كفايةً، ربطهما سويًا، ويُنشئ هذا الربط شكلًا غير مستقر من الهيليوم (2He) الذي يمتلك نواة تحتوي على بروتونيين، وهو نظير للهيليوم المستقر (4He) الذي يمتلك بروتونيين ونيوترونيين.
يأتي دور القوة النووية الضعيفة في الخطوة التالية. بسبب الوفرة الزائدة في البروتونات فإن أحد الأزواج سيخضع لتحلل جسيم بيتا، ويحدث بعد ذلك تحولات أخرى تتضمن تشكل واندماج نظير هيليوم (3He) لتؤدي بالنهاية إلى نظير هيليوم (4He).
اقرأ أيضًا:
أفضل سيناريو للوجه الذي ستبدو عليه الحرب النووية
القنبلة النووية العملاقة: تعرف على أكبر تجربة نووية في العالم
ترجمة: مازن سفّان
تدقيق: أسماء العجوري