كثيرةٌ هي القرارات التي نتَّخِذُها خلال يومٍ «عادي»، بدءًا من اختيارِ ما نأكُلُه مرورًا بتكوينِ رأيٍ حول موضوعٍ معيَّن وصولًا إلى تغيير موقعِ عَمَلِنا على سبيل المثال.
ولكن هل جميع القرارات التي نتَّخِذُها صائبة؟ وما الذي يؤثِّرُ علينا حينما نتَّخِذُ هذه القرارات والتي لن تكونَ صائبةً دائمًا، حتَّى وإن بَدَت كذلك؟
إليكم عشرون انحيازًا معرفيًّا (Cognitive bias) يُوَجِّهُونَنَا لا إراديًّا حينما نتَّخذُ قراراتنا بل ومن الممكن أن يفسدوها أيضًا :
1. إنحيازُ الارتساء (Anchoring bias): يَظْهَرُ هذا الانحيازُ حينما يَتِمُّ الاعتمادُ و«الارتساءُ» بشكلٍ كبيرٍ جدًّا على أولِّ معلومةٍ نتلقَّاها، ويلعبُ هذا الانحيازُ دورًا هامًّا في التفاوضِ على الراتبِ مثلًا، فالذي يُقدِّمُ العرضَ الأوَّلَ يكونُ الطرفَ الأقوى إذ يضعُ مجموعةً من الاحتمالاتِ «العقلانيَّةِ» في عقلِ الطرفِ الآخر الذي يجدُ نفسَه مجبرًا على التفاوضِ على أساسِها مستقبلًا.
2. إرشاديَّةُ التَوَفُّر (Availability heuristic): يَتَبَلورُ هذا الانحيازُ حينما نبالغُ في تقديرِ المعلوماتِ المتاحةِ لنا، فَمِنَ الممكنِ أن يسعى أحدٌ مِنَّا لاثباتِ عَدَم وجودِ تأثيرٍ سلبيٍّ للتدخينِ لمجرَّدِ معرفتِه لشخصٍ يستهلكُ ثلاثَ علبِ سجائرَ يوميًّا ولكنَّه يبلغُ مئة عام وَيَمتَّعُ بصحَّةٍ جيِّدة!
3. تأثير «القطيع» أو تأثير «القافلة» (Bandwagon effect): فاحتمالُ تبني الواحدُ منَّا لفكرةٍ مُعَيَّنَةٍ تَزدادُ مع ازديادِ عددِ الذين يَتَبَنُّونَ هذه الفكرة. ويُعتَبَر هذا التأثيرُ شكلًا بارزًا من أشكال التفكيرِ الجماعي (Groupthinking). وانطلاقًا من هذا الانحياز، فإنَّ أغلبَ الاجتماعاتِ تكونُ غيرَ مثمرةٍ على اعتبارِ أنَّ أغلبَ المجتمعين وافقوا على اجراءاتٍ محدَّدة ٍبناءً على تأييد «الآخرين» لها على الرغمِ من عدم وعيِهم الكافي لها!
4. إنحياز «النقطة العمياء» (Blind- spot bias): يعني عدم اعترافِ الواحد مِنَّا بانحيازاتِه المعرفيَّةِ، وهذا انحيازٌ بحدِّ ذاتِه! إذ أنَّنا نلحظُ، وبسهولةٍ، الانحيازاتِ المعرفيَّةَ والتحفيزيَّةَ التي تتحكَّمُ بالآخرين أكثرَ مِمَّا نلحظُ تلكَ التي تتحكَّمُ بِنا!
5. إنحياز «دعم الخَيار» (Choice supportive bias): يعني أنَّنا نميلُ لدعمِ وتعزيزِ إيجابيَّاتِ خيارِنا وتجاهلِ سلبيَّاتِه لِمجرَّدِ أنَّه خيارُنا، فيعتقدُ الواحدُ مِنَّا أنَّ الكلبَ الذي يقتنيه رائعًا ومِثاليًّا على الرغم من أنَّه يعضُّ أصدقاءَه في بعضِ الأحيان!
6. التكتل الوهمي (Claustering illusion): وهو الميل إلى رؤية أشكالٍ متناسقةٍ في أحداثٍ عشوائية، فالذي يلعبُ القمارَ مَثَلًا يختارُ لونًا مُعيَّنًا أو يَتَجَنَّبُه بناءً على عَدَدِ المرَّاتِ السابقةِ التي فازَ بها هذا اللون.
7. إنحياز التأكيد ( Confirmation bias): فَنَحْنُ نَميل إلى استماعِ الْمَعْلُومَاتِ التي تَتَوَافَقُ ومعتقداتِنا وافتراضاتنا، وهذا ما يجعلُ النِّقاشَ حولَ موضوعٍ معيَّنٍ تتضاربُ فيه وجهاتُ النَّظر، كالتغيُّرِ المناخي، صعبًا إذ سيعملُ كلُّ فردٍ على دحضِ كلِّ ما لا يتناسَبُ مع معتقداتِه المسبقة حول هذا الموضوع حتى وإن كانت خاطئة!
8. إنحياز المحافظة ( Conservatism bias): حيث أنَّنا نفضِّلُ الأدِلَّةَ القَديمةَ التي اعتدنا عليها والتي من الممكنِ أن تكونَ خاطئةً على الأدلة الجديدةِ والتي من الممكنِ أن تكونَ صحيحة. فكم كان صعبًا على الذين سبقونا أن يقبلوا فكرة كرويَّةِ الأرض، على الرغم من صحَّتِها، لمجرَّدِ أنَّهم كانوا يؤمنون أنَّ الأرض مسَطَّحةٌ!
9. إنحياز المعلومات (Information bias): وهو الميلُ إلى اكتسابِ معلوماتٍ جديدةٍ، حتَّى ولو لم يكن لها تأثيرًا بارزًا على سلوكِنا وفي حياتِنا العمليَّة. وإنَّ كثرةَ المعلوماتِ ليست دائمًا بالأمرِ الجيِّدِ والنافع، بل قد تشكِّلُ عائقًا في بعضِ الأحيان!
10. تأثير النعامة (Ostrich effect): يظهَرُ هذا التأثيرُ جَلِيًّا عندما نقرِّرُ تجاهلَ المعلوماتِ السلبيةِ والمقلِقة في حال استشعرنا خطرًا ما، فنكونُ بذلك كالنعامةِ التي يُخيَّلُ للناظرِ إليها عن بعدٍ أنَّها تدفِنُ رأسَها في الرِّمال (http://172.104.145.106:8080/ibelieveinsci.com/?p=1073). وتُشيرُ الأبحاثُ في هذا الخصوصِ أنَّ المستثمرينَ يَتفقدون قيمةَ أسهُمِهِم أقلَّ بكثير عندما تكون أحوال البورصة سيئة وذلك هربًا من المواجهة.
11. الانحياز للنتيجة (Outcome bias): يَتَمَثَّلُ هذا الانحيازُ بالحُكمِ على قرارٍ ما بناءً على النتيجةِ دونَ الأخذ بعين الاعتبارِ ماهيَّة هذا القرار بحدِّ ذاتِه. فإن رَبِح أحدٌ ما مبلغًا طائلًا من المال عن طريقِ المقامرة، فهذا لا يعني حتمًا أنَّ المقامرةَ قرارٌ صائب!
12. انحياز فرط الثِّقة بالنَّفِس (Over confidence): يتمتعُ بعضُنا بثقٍة كبيرٍة في قُدراتِه قد تصلُ إلى حدِّ الإفراط، ممّا يدفَعُه لاتِّخاذِ مجازافاتٍ أكثر في حياتِه اليوميَّة. ويُعتبرُ الخُبراءُ الأكثرَ عُرضةً لمثلِ هذا الانحيازِ مقارنةً مع غيرِهم نظرًا لقناعتِهم الراسخةِ بأنَّهم دائمًا مصيبون في قراراتِهم.
13. تأثير العلاج المُزيّف (Placebo effect): «بمجردِ اعتقادنا أنّ شيئًا ما سيكونُ له تأثيرٌ معيَّنٌ علينا، فإنّ هذا الشيءَ سيؤثِّرُ علينا فعلًا!» فقد أكَّدت دراساتٌ طبيَّةٌ أنَّ المرضى الذين تناولوا حُبوبَ دواءٍ مُزيّفةً (Placebo) اختبروا التّأثيراتِ الفيزيولوجيةَ ذاتَها التي اختبرها المرضى الذين تناولوا حبوبَ دواءٍ حقيقيَّة.
14. الانحياز للابتكارِ المُحترف (Pro-innovation bias): يظهَرُ هذا الانحيازُ عندما تعملُ بعضُ الشّركاتِ على المبالغةِ في تقدير فوائدِ ابتكاراتِها واختراعاتِها دافعةً المستهلك لاختيارِ منتجاتِها دون المنتجاتِ الأخرى.
15. الانحياز للأكثرِ حَدَاثةً (Recency): وهو الميلُ لإعطاءِ قيمة أكبر للمعلوماتِ الحديثة مقارنةً مع المعلومات الأقدم. فكثيرًا ما يعتقدُ المستثمِرونَ أنَّ مُتطلباتِ السّوقِ ستبقى دائمًا كما هيَ الآن، ممّا يعرِّضُهم لاتخاذِ قراراتٍ غيرِ حكيمة.
16. الانحياز للأكثر أهمية (Salience): وهو الميلُ للتركيزِ على الميزاتِ الأبرز والأسهل، سواءً كانت موجودةً في الأشخاص أو في المفاهيم. فمثلًا عندما يُفَكِّرُ أحدُنا بالموت، فإنَّه يقلقُ من احتمالِ مُهاجمته مِن قِبَلِ أَسدٍ متجاهلًا احتمال موتِه جرَّاء حادثِ سيَّارةٍ، وهو الأمرُ الأكثرُ شيوعًا والأكثرُ قابليَّة للحدوث!
17. الإدراك الانتقائي (Selective perception): وهو السماحُ لتوقعاتنا بالتأثيرِ على طريقةِ فهمنا للعالم. فقد أظهرت إحدى الدراساتِ المرتكزةِ على إقامةِ مباراةِ كرةِ قَدَمٍ بين طلابٍ ينتمونَ إلى جامعتين مُختلفتين أنّ كلَّ فريقٍ اعتقد أنّ الفريقَ الآخرَ ارتكب مخالفاتٍ أكثر!
18. إنحياز «الصُّورة النمطيَّة» (Stereotyping): يظهرُ هذا الانحيازُ عندما نتوقعُ أنّ شخصًا ما يملكُ صفاتٍ محدَّدة، سلبيَّةً كانت أو إيجابيَّة، دونَ الاعتماد على وقائعَ ومعلوماتٍ حقيقيَّةٍ بل فقط بالاستنادِ إلى الصورة النمطيَّة التي تجتاحُ عقولَنا حول هذا الشخص، وهذا ما يجرُّنا إلى اعتباره صديقًا أو عدوًا لنا (بالاعتماد على الأفكار المسبقة فقط) وقد يقودنا هذا الانحيازُ إلى عواقبَ وخيمة.
19. انحياز «النجاة» أو انحياز «البقاء» (Survivorship): يظهرُ هذا الانحيازُ عندما نُركِّزُ فقط على الأشخاص أوِ الأشياء التي «نجت» دون النَّظر لتلكَ التي «لم تنجُ»، ممّا يُؤدِّي إلى حدوثِ العديدِ من الأخطاء الناجمةِ عن سوءِ تقديرٍ للوضعِ الرَّاهن. فقد نعتقدُ مثلًا أنّ الشُّروعَ بِمَشروعِنا الخاص أمٌر بسيط ونجاحُه (نجاتُه) أمرٌ محتَّمٌ، وذلك فقط لأننا لم نسمع من قبل عن أولئك الذين فشِلوا في تحقيق نفسِ المشروع الذي ننوي إقامته (أولئك الذين لم تنجُ مشاريعُهم).
20. إنحياز انعدام المخاطرة (Zero-risk bias): اكتشفَ علماءُ الاجتماعِ أنّنا نعشقُ الحقيقة حتى ولو كانت ذاتَ نتيجةٍ عكسيّة! فالتّخلصُ من عاملِ المُجازفة بشكٍل كُليٍّ يعني أنّه لا يوجدُ أيّةُ فرصٍة لحدوثُ الأذى، وبالتالي فإنَّنا نبتعدُ عن المخاطرةِ والمجازفةِ لكي نتجنَّبَ الخطر.
نستنتجُ إذًا أنَّ الانحيازاتِ المعرفيَّةَ تقودُنا إلى اتخاذ قراراتٍ غيرِ حكيمةٍ في بعضِ الأحيان، وإنَّ التعرَّفَ على هذه الانحيازاتِ واكتشافَ طريقةِ تحكُّمِها بنا يمكِّنُنا حتمًا من السيطرةِ عليها وتفادي تأثيرِها حينما نتَّخِذُ أيَّ قرارٍ فنتخذ القرارَ الصائبَ الذي يقودُنا نحو التميُّزِ والنَّجاح.
• ترجمة : «هنا موسى الخيَّاط» و«زينب نيَّال».
• تدقيق : هنادي نصرالله