ما هي العرطلة Acromegaly؟
كل ما تريد معرفته عن إفراز هرمون النمو الفائض
«العرطلة – Acromegaly» هي حالة يتم فيها إنتاج فائضٍ من هرمون النمو، مما يؤدي إلى النمو المفرط لأنسجة الجسم مع مرور الوقت.
تتضمن الملامح النوعية للعرطلة:
- تضخمًا غير سوي في اليدين والقدمين.
- ملامح وجه متضخمة وبارزة.
- تضخمًا في اللسان.
- طولًا متزايدًا بشكل غير سوي (إذا حدثت العرطلة قبل البلوغ).
يتم إنتاج هرمون النمو وتحريره من قبل الغدة النخامية، وهي غدة بحجم البازلاء تتواجد أسفل الدماغ مباشرةً.
عندما يتحرر هرمون النمو في الدم، يحفز الكبد على إنتاج هرمون آخر – هرمون النمو المشابه للإنسولين 1 (IGF-1) – الذي يسبب نمو العضلات، والعظام والغضاريف في جميع أنحاء الجسم. وتعد هذه العملية ضروريةً لنمو أنسجة الجسم وإصلاحها.
ماذا يحدث للأشخاص المصابين بالعرطلة؟
تحدث العرطلة بسبب الإنتاج المفرط لهرمون النمو، وينتج ذلك عادةً عن ورم دماغي حميد (غير سرطاني) في الغدة النخامية يدعى «الورم الغدّي – Adenoma»، ولكن رُبطت حالات نادرة بأورام في مناطق أخرى من الجسم، مثل الرئتين والبنكرياس.
وعلى الرغم من سريان تضخم الغدد بشكل نادر في العائلات فعلًا، تعد معظم الأورام الغدية غير موروثة، إذ عادةً ما تتطور بشكل عفوي كنتيجة لتغير جيني داخل خلية في الغدة النخامية، فيقوم هذا التغير بتفعيل إشارة تجعل خلايا الغدة النخامية تنقسم وتفرز هرمون النمو.
لا يمتد الورم تقريبًا على الإطلاق إلى أجزاء أخرى في الجسم، ولكن بإمكانه أن ينمو ليصبح بحجم سنتيمتر واحد، ضاغطًا الأعصاب المجاورة والنسيج النخامي الطبيعي، مما قد يؤثر على إنتاج هرمونات أخرى، مثل الهرمونات الدرقية المفرزة من طرف الغدة الدرقية.
من يصاب بالعرطلة؟
إن عدد الأشخاص المصابين بالعرطلة غير واضح تمامًا، على الرغم من إشارة الإحصائيات إلى أن حوالي 4 إلى 13 من بين كل 100,000 شخص ربما يعانون من هذه الحالة، ويعني ذلك أنه من المرجح إصابة حوالي 2,500 إلى 8,300 شخص في المملكة المتحدة بالعرطلة، ويمكن لهذه الحالة أن تحدث عند أي عمر، ولكنها نادرة لدى الأطفال، ويقدّر العمر المتوسط الذي يشخَّص عنده المرضى ب 40-45 عامًا.
المشاكل التي تسببها العرطلة
يمكن للعرطلة أن تسبب مجالًا واسعًا من الأعراض التي تميل للتطور ببطء مع مرور الوقت، وتتضمن الأعراض النوعية:
- ألمًا في المفاصل؛
- تضخمًا في اليدين والقدمين؛
- «متلازمة النفق الرسغي – Carpal Tunnel Syndrome» (انضغاط في عصب الرسغ، ما يسبب خدرًا وضعفًا في اليدين)؛
- بشرة ثخينة، خشنة، وزيتية؛
- زوائد جلدية؛
- تضخمًا في الشفاه، واللسان، والأنف؛
- بروزًا في الفك والجبين؛
- تباعدًا كبيرًا بين الأسنان؛
- عمقًا في الصوت نتيجة تضخم الجيوب والحبال الصوتية؛
- انقطاع النفس الإنسدادي النومي (تقطعات في النفس أثناء النوم بسبب انسداد المجرى الهوائي)؛
- التعرق المفرط؛
- التعب والوهن؛
- الصداع؛
- اضطراب الرؤية؛
- فقدان الإثارة الجنسية؛
- عدم انتظام الدورة الشهرية عند النساء؛
- خللًا في الانتصاب عند الرجال؛
- الطول الشاهق (العملقة) عند الأطفال والمراهقين.
تنتج بعض الأعراض السابقة عن ضغط الورم للأنسجة المجاورة؛ على سبيل المثال، قد يحدث كل من اضطرابات الرؤية والصداع إذا قام الورم بسحق الأعصاب المجاورة.
إذا شكتت بإصابتك بالعرطلة، فعليك بمراجعة الجهات الصحية الملائمة بسرعة، فيمكن علاج العرطلة بنجاح عادةً عن طريق جراحة الدماغ والأدوية، ولكن التشخيص والعلاج المبكرين ضروريان لمنع تفاقم الأعراض وإنقاص احتمال التعرض لمضاعفات.
المضاعفات المحتملة
إذا لم تعالج العرطلة، قد يتعرض المريض لخطر حدوث المشاكل الصحية التالية:
- النمط الثاني من مرض السكري؛
- ارتفاع ضغط الدم؛
- اعتلال عضلة القلب؛
- التهاب المفاصل، كنتيجة لفرط نمو العظام والغضاريف؛
- السلائل المعوية*، والتي يمكن أن تتحول لسرطان أمعاء إذا لم تعالج.
ويمكن للمضاعافات السابقة أن تصبح خطيرة ومميتة إذا تركت دون معالجة.
*«السليلة – polyp» (البوليب): نمو نسيجي شاذ من الأغشية المخاطية.
تشخيص العرطلة
• فحوصات الدم
إذا شك الطبيب بإصابة المريض بالعرطلة من خلال أعراضه، سيطلب منه إجراء اختبارات دم لقياس مستويات هرمون النمو البشري لديه.
وتتفاوت مستويات هرمون النمو بشكل طبيعي من دقيقة إلى أخرى، لأنه يتحرر من الغدة النخامية على شكل دفقات، لذا يجب قياس هرمون النمو تحت الشروط التي تكبح إفرازه عادةً، من أجل التشخيص السليم للعرطلة.
وللتأكد من الحصول على نتيجة صحيحة، قد يحال المريض للمستشفى لإجراء اختبار تحمل للغلوكوز، ويتضمن ذلك اختبار الدم بعد تناول محلول أو شراب يتحوي على سكر الغلوكوز، إذ يؤدي تناول محلول الغلوكوز عند معظم الأشخاص إلى كبح تحرر هرمون النمو، ولكن مستويات الهرمون ستبقى مرتفعة لدى الأشخاص المصابين بالعرطلة.
وسيقيس الطبيب مستوى هرمون النمو الشبيه بالأنسولين 1 (IGF-1) في جسم المريض، والذي ينبغي أن يزداد مع ارتفاع مستوى هرمون النمو، ويدل ارتفاع IGF-1 على العرطلة تقريبًا دومًا.
• تصوير الدماغ
قد يجرى بعد ذلك تصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لدماغ المريض، لتحديد موقع ورم الغدة النخامية المسبب للعرطلة وحجمه، كما قد يُجرى تصوير مقطعي محوسب (CT) إن لم تتوفر إمكانية التصوير بالرنين المغناطيسي.
معالجة العرطلة
تهدف المعالجة إلى:
- إنقاص فرط هرمون النمو إلى المستويات الطبيعية؛
- تخفيف الضغط الذي يقوم به الورم على البنى المجاورة؛
- معالجة أي عوز في الهرمونات؛
- تخفيف أعراض العرطلة.
عادةً ما يتحقق ذلك بالاستئصال الجراحي للورم، بالترافق مع الأدوية.
• جراحة الدماغ
في معظم الحالات، يوصى بالجراحة لإزالة الورم الغدي من الغدة النخامية، ويكون ذلك فعالًا عند معظم الأشخاص، ولكن الورم بكون أحيانًا أضخم من أن تتم إزالته بشكل كامل.
تحت التخدير العام، يجري الجراح شقًا داخل الأنف أو خلف الشفة العلوية للوصول إلى الغدة، ومن ثم يمرر منظارًا داخليًا (أنبوب طويل، رفيع، ومرن، يحمل مصدرًا ضوئيًا وكاميرا فيديو في أحد طرفيه) وأجهزة جراحية أخرى من خلال الشق، لإزالة الورم.
وتخفف إزالة الورم من الضغط على البنى المجاورة فورًا، كما تؤدي إلى إنقاص سريع لمستويات هرمون النمو، وغالبًا ما يتحسن مظهر الوجه والتورم خلال بضعة أيام.
وتتضمن المضاعفات المحتملة للجراحة أذىً في الأجزاء السليمة من الغدة النخامية، وتسربًا للسائل الدماغي الشوكي (الذي يحيط بالدماغ ويحميه)، والسحايا – على الرغم من ندرة وقوع هذه الأخيرة، وسيناقش الجراح هذه المخاطر مع المريض، ويجيب على جميع أسئلته.
• الأدوية
قد تستخدم الأدوية التالية بعد الجراحة، أو عندما تكون الجراحة غير ممكنة:
- ناهضات الدوبامين، مثل «البروموكريبتين – Bromocriptine» أو «الكابيرغولين- Cabergoline»: تؤخذ هذه الأدوية عن طريق الفم مرة أو مرتين في الأسبوع، ويمكنها أن تكبح إنتاج هرمون النمو، على الرغم من فعاليتها على نسبة قليلة من الأشخاص.
- ناهضات السوماتوستاتين، مثل «الأوكتريوتيد – Octreotide» أو «اللانريوتيد – Lantreotide»: تعطى هذه الأدوية عمومًا على شكل حقنٍ داخل العضل أو تحت الجلد مرة في الشهر، ويمكنها التحكم بإفراز هرمون النمو، وقد تؤدي إلى تقلص الورم عند بعض المرضى.
- «البيغفيسومانت – Pegvisomant»: يعطى هذا الدواء مرة في اليوم عن طريق الحقن، وهو يحجب تأثيرات هرمون النمو مباشرةً، ويحسن من الأعراض، وينقص من مستويات IGF-1 ولكن ليس من مستويات هرمون النمو.
يمتلك كل من الأدوية السابقة منافع ومساوئ مختلفة، فينبغي استشارة الطبيب بخصوص الخيارات المتاحة لعرض ومحاسنها ومخاطرها.
• العلاج بالأشعة
إذا كانت الجراحة غير ممكنة، أو لم يحقق أي من الجراحة أو الأدوية العلاج المطلوب للحالة، قد تكون المعالجة بالأشعة الموجهة إلى السرطان الغدي خيارًا واردًا، وستؤدي في نهاية الأمر إلى إنقاص مستويات هرمون النمو، على الرغم من أنها قد لا تظهر تأثيرات ملاحَظة لعدة سنوات، وقد يحتاج المريض لتناول الأدوية بالتزامن معها، ويوجد نوعان أساسيان للمعالجة الشعاعية للعرطلة:
- جراحة التوضيع التجسيمي الإشعاعية – Stereotactic Radiosurgery: حيث يتم توجيه حزمة أشعة بجرعة كبيرة إلى الورم تحديدًا، ويتطلب ذلك ارتداء هيكل صلب للرأس من أجل تثبيته، ويمكن إجراء هذه العملية أحيانًا خلال جلسة واحدة.
- المعالجة الشعاعية التقليدية – Conventional Radiotherapy: حيث يتم استهداف الورم بحزم شعاعية خارجية، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى أذية الغدة النخامية المحيطة ونسيج الدماغ، لذلك تعطى جرعات منخفضة من الأشعة على مدى أربعة إلى ستة أسابيع، ما يعطي النسج الطبيعية الوقت للشفاء بين الجلسات العلاجية.
تفضل جراحة التوضيع التجسيمي الإشعاعية عمومًا على المعالجة الشعاعية التقليدية، لأنها تقلل من خطر أذية النسج المجاورة للحد الأدنى، على الرغم من عدم توفرها بشكل واسع.
وقد تمتلك المعالجة الشعاعية العديد من الآثار الجانبية، على سبيل المثال، ستؤدي غالبًا إلى الهبوط التدريجي في إنتاج الهرمونات الأخرى من الغدة النخامية، فعادةً سيحتاج المريض إلى معالجة معاوضة للهرمون لبقية حياته، كما يوجد احتمال حدوث ضعف في الخصوبة، فيجب على المريض استشارة طبيبه بشأن المخاطر التي تتضمنها المعالجة.
• تنظير سرطان الأمعاء
توجد بعض الأدلة على أن العرطلة تزيد من خطر إصابة المريض بسرطان الأمعاء، لذا توصي القواعد العامة بإجراء تنظير للقولون عندما يتم تشخيص المريض بالعرطلة، بالإضافة للتنظير المنتظم للقولون بدءًا من العام الأربعين من عمر المرضى.
ويعد تنظير القولون فحصًا لكامل الأمعاء الغليظة، باستخدام نمط من المناظير الداخلية يسمى منظار القولون، ويتم إدخاله من فتحة الشرج.
استشراف
غالباً ما تكون المعالجة فعالة في إيقاف الإنتاج المفرط لهرمون النمو، وتخفيف المشاكل التي تسببها هذه الحالة، كما يمكن أن تزيد المعالجة من العمر المتوقع لما يقارب ذاك المتوقع لشخص غير مصاب بالعرطلة، وقد تستغرق بعض المعالجات وقتًا طويلًا حتى تعطي تأثيرات ملاحظة، وقد يحتاج المريض لتناول أدويته لوقت طويل.
وبعد المعالجة، سيحتاج المريض جلسات متابعة منتظمة مع الأخصائي لمدى الحياة، وذلك من أجل لمراقبة نشاط الغدة النخامية، والتأكد من المعالجة المعاوضة الهرمونية الصحيحة للمريض، وضمان عدم عودة الحالة المرضية من جديد.
وقد تسبب العرطلة مشاكل على المدى الطويل إن لم تعالج، وقد تنقص من العمر المتوقع للمريض عددًا من السنين.
معلومات عن المريض
يقوم الفريق السريري بإرسال معلومات عن المريض المصاب بالعرطلة إلى اللجنة الوطنية للشذوذات الخلقية وخدمة تسجيل الأمراض النادرة – National Congenital and Rare Diseases Registration Service (NCARDRS) (المملكة المتحدة)، ويساعد ذلك العلماء في البحث عن طرق أفضل للوقاية من هذه الحالة وعلاجها.
ترجمة: سارة وقاف
تدقيق: المهدي الماكي