تُعدّ الجسيمات الأولية أصغر وحدات البناء المعروفة في الكون. ويعتقد بأنها لا تمتلك بنية داخلية، بمعنى أن الباحثين يرونها نقطة صفرية أحادية البعد لا تشغل مساحة. ربما تكون الإلكترونات أكثر الجزيئات الأولية شيوعًا، لكن النموذج القياسي للفيزياء، الذي يصف تفاعلات الجسيمات وكل القوى تقريبًا، يتعرف على عشرة جسيمات أولية كاملة.
الإلكترونات والجزيئات ذات الصلة:
تُعدّ الإلكترونات من مكونات الذرة سالبة الشحنة. وفيما يعتقد أنها جسيمات صفرية أحادية البعد، إلا أن الإلكترونات محاطة بسحابة من الجسيمات الافتراضية التي تظهر وتختفي من العدم باستمرار، والتي تعمل بشكل أساسي كجزء من الذرة. تنبأت بعض النظريات بأن للإلكترون قطبًا إيجابيًا قليلًا وقطبًا سالبًا قليلًا، ما يعني أن هذه السحابة من الجسيمات الافتراضية يجب أن تكون غير متماثلة بعض الشيء.
لو كان ذلك صحيحًا، لتصرفت الإلكترونات بشكل مختلف عن نظرائها في المادة المضادة، البوزيترونات، ما يفسر العديد من الألغاز حول المادة والمادة المضادة.
لكن الفيزيائيين قاموا مرارًا بقياس شكل الإلكترون وأفضل ما توصلوا إليه أنه مستدير، تاركًا إياهم دون إجابات عن ألغاز المادة المضادة.
يمتلك الإلكترون جزيئين من أبناء عمومة أثقل، يسميان الميون (muon) والتاوون (tau). يمكن إنشاء الميون عندما تصطدم أشعة كونية عالية الطاقة من الفضاء الخارجي بأعلى الغلاف الجوي للأرض، ما يولد مجموعة من الجزيئات الغريبة. أما التاوون فهو أكثر ندرة وصعوبة في الإنتاج، لأنه أثقل من الإلكترونات بأكثر من 3400 مرة. تشكل النيوترونات والإلكترونات والميونات والتاوونات فئة من الجزيئات الأساسية تسمى اللبتونات.
الكواركات وغرابتها:
تُعدّ الكواركات، التي تشكل البروتونات والنيوترونات، نوعًا آخر من الجسيمات الأولية . جنبًا إلى جنب مع اللبتونات، تشكل الكواركات الأشياء التي نفكر فيها كمادة.
اعتقد العلماء أن الذرات كانت أصغر الجزيئات الممكنة، والكلمة تأتي من اليونانية “ذرة” ومعناها “غير قابل للتجزئة”. وعند نهاية القرن العشرين، كانت النواة في الذرة تتألف من البروتونات والنيوترونات.
ثم خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، واصلت مسرعات الجسيمات الكشف عن مجموعة من الجسيمات دون الذرية الغريبة، مثل البايونات والكاونات.
اقترح الفيزيائيان في عام 1964 موراي جيل مان وجورج زويغ بشكل مستقل نموذجًا يمكن أن يفسر العمل الداخلي للبروتونات والنيوترونات وبقية الموسوعة الجسيمية، وفقًا لتقرير تاريخي صادر عن مختبر التسريع الوطني SLAC في كاليفورنيا. توجد داخل البروتونات والنيوترونات جزيئات صغيرة تسمى الكواركات، والتي تأتي في ستة أنواع أو نكهات محتملة: علوي وسفلي وغريب وساحر وقعري وقمي.
تتكون البروتونات من كواركين علويين وكوارك سفلي، بينما تتكون النيوترونات من كواركين سفليين وكوارك علوي. الكوراكات العلوية والسفلية هي الأصناف الأخف وزنًا. نظرًا لأن الجزيئات ذات الكتلة الهائلة تميل إلى التحلل إلى جسيمات أقل كثافة، فإن الكواركات لأعلى ولأسفل هي أيضًا الأكثر شيوعًا في الكون؛ لذلك البروتونات والنيوترونات تشكل معظم المادة التي نعرفها.
بحلول عام 1977، كان الفيزيائيون قد عزلوا خمسة من الكواركات الستة الموجودة في المختبر -علوي وسفلي وغريب وساحر وقعري- ولكن لم يجد الباحثون الكوارك النهائي (الكوارك القمي) حتى عام 1995 في مختبر تسريع الفيرميلاب الوطني في إلينوي.
كان البحث عنه مكثفًا مثل البحث عن بوزون هيجز. وكان إنتاج الكوارك القمي صعبًا للغاية لأنه أثقل بحوالي 100 تريليون مرة من الكواركات العلوية، ما يعني أنه يحتاج إلى طاقة أكثر بكثير لصنع معجلات الجسيمات.
جزيئات الطبيعة الأساسية:
ثم هناك قوى الطبيعة الأساسية الأربعة: الكهرومغناطيسية والجاذبية والقوى النووية القوية والضعيفة. وكل منها يرتبط بجسيم أساسي.
الفوتونات الأكثر شهرة تحمل القوة الكهرومغناطيسية. بينما تحمل الغلونات القوة النووية القوية وتوجد مع الكواركات داخل البروتونات والنيوترونات. القوة الضعيفة، التي تتوسط في تفاعلات نووية معينة، يحملها جسيمان أساسيان، بوزونات W و Z. أما النيوتريونات، التي لا تشعر سوى بالقوة الضعيفة والجاذبية، تتفاعل مع البوزونات، وهكذا تمكن الفيزيائيون من تقديم أول دليل على وجودها باستخدام النيوتريونات، وفقًا لمعهد CERN.
الجاذبية هي دخيل هنا، إذ لم يتم دمجها في النموذج القياسي، على الرغم من أن الفيزيائيين يشتبهون في أنه يمكن أن يكون لها جسيم أساسي مرتبط، والذي يُطلق عليه الجرافيتون.
في حالة وجود جرافيتونات، قد يكون من الممكن إنشاؤها في مصادم هادرون الكبير (LHC) في جنيف بسويسرا، لكنها ستختفي سريعًا إلى أبعاد إضافية، تاركة وراءها منطقة خالية حيث كانت، وفقًا لـ CERN. حتى الآن، لم ير المصادم LHC أي دليل على الجاذبية أو الأبعاد الإضافية.
بوزون هيجز بعيد المنال:
وأخيرًا، هناك بوزون هيجز، مَلِك الجسيمات الأولية ، وهو المسؤول عن إعطاء كل الجزيئات الأخرى كتلتها. كان البحث عن بوزون هيجز مسعىً رئيسيًا للعلماء الذين يكافحون لإكمال فهرسهم للنموذج القياسي. عندما تم اكتشاف هيجز أخيرًا، في عام 2012، ابتهج الفيزيائيون، لكن النتائج تركتهم أيضًا في مكان صعب.
يبدو هيجز تمامًا كما كان متوقعًا أن يبدو، لكن العلماء كانوا يأملون في المزيد. من المعروف أن النموذج القياسي غير مكتمل؛ على سبيل المثال، يفتقر إلى وصف الجاذبية، ويعتقد الباحثون أن العثور على هيجز سيساعد على الإشارة إلى نظريات أخرى يمكن أن تحل محل النموذج القياسي. ولكن حتى الآن، لم يصلوا إلى جديد في هذا البحث.
اقرأ أيضًا:
مرور تيار- S1 النجمي يوفّر فرصة للكشف عن الجسيمات الأولية المفترضة للمادة المضادة
النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات – نظرية النموذج المعياري
ترجمة: بيتر نبيل
تدقيق: عبدالرحمن بن خليفة
مراجعة: رزان حميدة