التكنولوجيا الحيوية أو التقنية الحيوية (biotechnology) هي استخدام علم الأحياء لحل المشاكل وصنع المنتجات المفيدة. أبرز أوجه التكنولوجيا الحيوية هي إنتاج البروتينات العلاجية المعدلة وراثيًا وغيرها من العقاقير عن طريق الهندسة الجينية أو الوراثية (genetic engineering). سخر البشر العمليات الحيوية لتحسين جودة معيشتهم خلال العشرة آلاف سنة الماضية، بدءًا بأول المجتمعات الزراعية. منذ حوالي ٦ آلاف سنة، حين بدأ البشر استغلال العمليات الحيوية للكائنات المجهرية لصناعة الخبز، والمشروبات الكحولية، والأجبان لحفظ منتجات الألبان. لكن هذه العمليات ليست المقصودة بما يعرف اليوم بالتكنولوجيا الحيوية.
أطلق المصطلح لأول مرة بشكل واسع على التقنيات الجزيئية والخلوية والتي شرعت بالظهور في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. وبدأت الصناعة التكنوحيوية الوليدة بالاندماج ما بين أواسط وأواخر السبعينيات من القرن الماضي، تقودها شركة (جينينتك – Genentech).
وهي شركة أدوية أنشئت عام ١٩٧٦ بواسطة روبيرت أ. سوانسون (Robert A. Swanson) وهيربيرت و. بوير (Herbert W. Boyer) لعرض وتسويق تقنية (الحمض النووي معاد التركيب – recombinant DNA technology) المبتكرة بواسطة بوير، وباول بيرغ (Paul Berg)، وستانلي كوهين (Stanley N.Cohen). بدأت الشركات الأولى مثل جينينتك، وأمجين Amgen، وبايوجين Biogen، وسيتوس Cetus، وجينيكس Genex بتصنيع المواد المهندسة وراثيًا في الأساس لغرض الاستخدامات الطبية والبيئية.
لأكثر من عقد، طغت تقنية دي إن إيه (الحمض النووي) معاد التركيب (أو الهندسة الوراثية) على صناعة التكنولوجيا الحيوية. تتألف هذه التقنية من فصل الجين لاستخراج بروتين نافع (غالبًا بروتين بشري) من خلايا منتِجة – مثل الخمائر، أو البكتيريا، أو خلايا ثدييات في مزرعة – والتي تنتج البروتين في كميات لاحقًا. وخلال عملية فصل الجين لخلية منتجة، يُخلق كائن جديد.
في البدء، خشي المستثمرون والباحثون في التكنولوجيا الحيوية من عدم سماح المحاكم لهم بالحصول على براءات اختراع في الكائنات الحية؛ إذ لم يُسمح بالحصول على براءات اختراع للكائنات الحية حديثة الاكتشاف والتي يُتعرف عليها في الطبيعة.
لكن في عام ١٩٨٠، قضت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية «بأن الكائنات الحية الدقيقة التي يصنعها الإنسان قابلة للحصول على براءة اختراع». أدى هذا الحكم إلى ظهور موجة من المؤسسات التقنية الحيوية وأول انفجار استثماري في الصناعة الوليدة.
في عام ١٩٨٢، أصبح الإنسولين معاد التركيب (recombinant insulin) أول منتج يصنع عبر الهندسة الوراثية والذي يحصل على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية. ومن ذلك الحين، سُوِّقت عشرات الأدوية البروتينية المعدلة وراثيًا حول العالم، وشمل ذلك نسخًا معادة التركيب من هرمون النمو، وعوامل التخثر، والبروتينات المحاكية لعملية إنتاج خلايا الدم الحمراء والبيضاء، والإنترفيرون، ومذيبات الخثرات.
في السنوات المبكرة، كان الهدف الأساسي للتكنولوجيا الحيوية هو القدرة على إنتاج جزيئات علاجية بشكل طبيعي في كميات أكبر من استخراجها عبر المصادر التقليدية مثل البلازما، وأعضاء الحيوانات، وجثث البشر. كما أن البروتينات معادة التركيب أقل تلوثًا بمسببات المرض أو محفزات التفاعلات التحسسية.
يسعى باحثو التكنولوجيا الحيوية اليوم نحو اكتشاف الأسباب الجذرية الجزيئية للمرض والتدخل بدقة عند ذات المستوى. هذا يعني أحيانًا إنتاج بروتينات علاجية توفر احتياجات الجسم الخاصة أو لتعويض نقص ناتج عن خلل وراثي، كالجيل الأول من الأدوية التكنوحيوية مثالًا.
لكن صناعة التكنولوجيا الحيوية توسعت لتشمل أبحاثها تطوير العلاجات التقليدية و(الأجسام المضادة وحيدة النسيلة أو المنشأ – monoclonal antibodies) التي تُوقف تقدم المرض. خطوات مماثلة اكتشفت عبر دراسة مضنية للجينات (دراسة الجينيوم – genomics)، والبروتينات المُشفَّرة بها (دراسة البروتينات الوراثية – proteomics)، وسبلها الحيوية الأوسع للتفاعل.
بالإضافة إلى الأدوات الآنف ذكرها، تدخل التكنولوجيا الحيوية في الدمج بين المعلومات الحيوية وتقنية الحاسوب، المعلوماتية الحيوية (bioinformatics)، عن طريق دراسة استعمال المعدات المجهرية التي تدخل جسم الإنسان، تقنية النانو (nanotechnology)، وربما تطبق التقنيات في أبحاث الخلايا الجذعية والاستنساخ لاستبدال الخلايا والأنسجة الميتة أو المعيبة (الطب التجديدي – regenerative medicine).
تعمل الشركات والمختبرات الأكاديمية على دمج التقنيات المختلفة والمتفاوتة للتحليل دُنوًا حتى الجزيئات، والتخليق صعودًا من الأحياء الجزيئية حتى السبل الكيميائية، والأنسجة، والأعضاء.
بالإضافة إلى استخدامها في الصحة، أثبتت التكنولوجيا الحيوية فائدتها في عمليات التنقية الصناعية من خلال اكتشاف وإنتاج إنزيمات حيوية تحفز التفاعلات الكيميائية؛ ما يعزز حماية البيئة، بفعل الإنزيمات التي تحول الملوثات إلى مواد غير ضارة؛ وفِي الإنتاج الزراعي عبر الهندسة الوراثية.
من بين تطبيقات التكنولوجيا الحيوية كانت التطبيقات الزراعية أكثرها جدلًا. إذ دعى بعض النشطاء وجماعات المستهلكين إلى حظر (الكائنات المعدلة وراثيًا – genetically modified organisms or GMOs) أو لسن قوانين تلزم بوضع ملصقات تبين للمستهلكين وجود مواد معدلة وراثيًا على الغذاء.
بدأ إنتاج الكائنات المعدلة وراثيًا في الولايات المتحدة الأمريكية في الزراعة عام ١٩٩٣، حين صرحت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية استخدام هرمون النمو البقري (bovine somatotropin”BST”)، وهو هرمون نمو يزيد من إنتاج الحليب في الأبقار. وفي العام التالي، اعتمدت (صرّحت) الهيئة أول طعام كامل معدل وراثيًا، وهي طماطم معدلة للبقاء فترة أطول بعد القطف (أي يمكن تخزينها لفترات طويلة).
منذ ذلك الحين صُرِّحت العديد من الكائنات المعدلة وراثيًا في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وغيرها من المناطق، وشمل ذلك ثمارًا تنتج مضادات حشرات بنفسها وثمارًا تستطيع العيش مع وجود السموم التي تُستخدم لقتل الأعشاب الضارة.
وجدت الدراسات التي قامت بها الأمم المتحدة، والأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم، والاتحاد الأوروبي، والجمعية الطبية الأمريكية، والوكالات التنظيمية الأمريكية وغيرها من المنظمات أن الكائنات المعدلة وراثيًا آمنة، لكن الجدل المثار أنه ما يزال من المبكر الحكم على الآثار الصحية لهذه الثمار على المدى الطويل وأثرها البيئي.
في أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، ازدادت الأراضي المزروعة بالثمار المعدلة وراثيًا بشكل كبير، من ١.٧ مليون هكتار (٤.٧ مليون فدان) عام ١٩٩٦، إلى ١٦٠ مليون هكتار (٣٩٥ مليون فدان) عام ٢٠١١.
بشكل عام، تضاعف تقريبًا دخل صناعة التكنولوجيا الحيوية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوروبا خلال الخمس سنوات من العام ١٩٩٦ حتى عام ٢٠٠٠. استمر النمو سريعًا في القرن الـ٢١، معزَزًا بتقديم نتائج جديدة، خصوصًا في مجال الرعاية الصحية.
اقرأ أيضًا:
المحاكاة الحيوية: التنبؤ بمستقبل العلوم والهندسة والطب
ما هي هندسة الإلكترونيات الحيوية أو البيونيك ؟
الروبوتات الحيوية – كيف استطاع البشر محاكاة الطبيعة؟
ترجمة: لُبيد الأغبري
تدقيق: محمد نجيب العباسي