حاول علماء الرياضيات والحساب من قديم الأزل أن يجدوا أنماطًا خفية تحكم الأعداد التي نستعملها يوميًّا للتعبير عن كميات وقيم الأشياء التي تصادفنا في حياتنا، وتميزت الحضارة الإغريقية من بين كل حضارات العالم بولعها الشديد بالأعداد، وخصائصها، وميزاتها وتحديدًا الأعداد الأولية، لدرجة أن التاريخ يذكر نشوء بعض الفرق والطوائف الدينية التي أقامت فلسفتها ورؤيتها الحياتية كاملة على خصائص الأعداد الميتافيزيقية، وعلاقتها بالكون ككل.
هذا الشغف بالأعداد وخصائصها أنتج لنا تصانيف مختلفة لنوعية الأعداد التي قد تبدو للبعض عديمة الجدوى أو لا فائدة منها على الإطلاق، تشمل هذه التصانيف تصانيف تقليدية معروفة لدى الجميع، مثل الأعداد الزوجية، والأعداد الطبيعية، والأعداد الحقيقية، وأهمها تاريخيًا وحسابيًا وهي الأعداد الأولية.
ما الأعداد الأولية ؟
تُعرَّف الأعداد الأولية حسابيًا على أنها أي عدد طبيعي أكبر من 1 ولا يقبل القسمة إلا على نفسه أوعلى العدد 1.
من الأمثلة على الأعداد الأولية: {2، 3، 5، 7، 11، …}، أما الأعداد مثل 6 و 8، فليست أعدادًا أولية لأنها قابلة للقسمة على أعدادٍ أخرى مثل 2، 3 (في حالة العدد 6)، و 4 (في حالة العدد 8).
أما الأعداد الطبيعية الأكبر من واحد والتي لا تنتمي لعائلة الأعداد الأولية فتُسَمَّى الأعداد المركبة، وتلك تسمية غريبة بعض الشيء، لكنها تنطوي على سر مذهل.
قد يبدو هذا التصنيف سطحيًا ومملاً، لكن إقليدس الإسكندري -عالم الرياضيات اليوناني الشهير- تقدم بمبرهنة حسابية وعدت أن تجعل من الأعداد الأولية الروح النابضة والأساس المتين لعلم الحساب ولذا تعرف هذه المبرهنة الآن باسم المبرهنة الأساسية في الحسابيات.
تخبرنا المبرهنة ببساطة أن أي عدد طبيعي موجب (أكبر من واحد) يتركب من ضرب سلسلة فريدة من واحد أو أكثر من الأعداد الأولية، بغض النظر عن ترتيب هذه الأعداد في السلسلة.
إذا أخذنا الرقم 20 على سبيل المثال فبإمكاننا تمثيله أو تركيبه مستخدمين السلسلة التالية من الأعداد الأولية: 20 = 2 ضرب 2 ضرب 5 (تلك التركيبة الوحيدة الممكنة لتمثيل الرقم 20).
و
وتسري القاعدة على أي عددٍ قد يخطر ببالك، المذهل في هذه المبرهنة أنها تجعل من الأعداد الأولية اللبنات الأساسية للأرقام، بالضبط كما أن الذرات أو العناصر الكيميائية اللبنات الأساسية للمادة.
لذلك تعد المبرهنة الأساسية في الحسابيات أخت نظرية دالتون الذرية، إذ أن كلتيهما تحاولان وصف تنوع هائل من الظواهر باختزالها في قواعد بسيطة يستطيع أي كان فهمها.
هل يعني ذلك أن باستطاعتنا أن نخترع جدولاً دوريًا للأعداد؟ ليس صحيحًا! فهنالك عدد لانهائي من الأعداد الأوّليّة، تمامًا كما أن هنالك عدد لا نهائي من الأعداد الطبيعية
، فالأعداد تختلف عن المادة في هذا الأمر.