مقدمة
لقد استخلص علماء الفيزياء بعض تفاصيل الكون متناهية الدقة، بدءًا من نصف قطر الثقب الأسود مرورًا بسلوك الجسيمات دون الذرية ولا نستطيع رؤية هذا أو ذاك.
ربما تتفاجأ إذا عرفت، بعد ذلك، أنّهم بحاجة لتفسيرات للعديد من الظواهر الشائعة التي نلاحظها في حياتنا اليومية.
كما ستعرف في الشرائح التالية، بعض من أكثر الأشياء غموضًا، والتي تبدو عادية، ظاهريًا.
الجَوز
لعلك قد لاحظت أنّه في أوعية المكسرات المخلوطة، أنّ الجَوز البرازيلي دائمًا ما يبدو على السطح فوق بقية المكسرات.
فيما يُعرف بـ «تأثير الجوز البرازيلي»، وهذه الظاهرة التي تبدو عادية تُمثل في الواقع واحدة من أكبر الألغاز التي لم يُتوصل لحلها في «فيزياء الأجسام المتعددة»، وهو علم يصف كميات كبيرة من الأجسام المتفاعلة.
فما هي هذه الظاهرة؟
فيما بين تشكيلة متنوعة من الأشياء (سواء كانت هذه الأشياء من جوز أو من رواسب رسوبية أو من أشياء أخرى مختلفة الأحجام)، مع مرور الوقت ترتفع الأجزاء كبيرة الحجم لأعلى على الرغم من كبر كتلتها، بينما تميل الأجزاء الأصغر للهبوط إلى أسفل وهذه هي ظاهرة تأثير الجوز البرازيلي.
قد تدلف أو تتقاطر الأشياء الصغيرة من خلال الفجوات.
وربما تلعب كذلك تيارات انتقال الحِمل دورًا في ذلك، حسب قوة تكاثف الجسيمات الأصغر.
ومن المحتمل أن تكون كلٌّ من هذه الاحتمالات مساهمة في ظاهرة «تأثير الجوز البرازيلي»، لكن لا يعرف أحد أيًّا منها يساهم بشكل أساسي، أو إلى أيّ مدًى يساهم في إحداث التأثير، وبالتالي لم تُعمل أية محاكاة حاسوبية ناجحة لهذه الظاهرة.
إذا ما فُهمت ظاهرة «تأثير الجوز البرازيلي» فإنّ الفائدة لن تعود على مصنعي الجوز فقط، بل علماء الفيزياء، وعلماء الفلك والجيولوجيين أيضًا، وفي المرة القادمة التي تأكل فيها الجوز أو الجرانولا أو تنتهي من أكل الكسرات والفتات الموجودة في قاع وعاء من الدوريتوس، حاول التفكر أنّ الفيزياء ذات علاقة بهذا الموضوع.
الرغوة
هل استحممت بالفقاقيع (الرغوات) اليوم؟
ربما لا لكن من المحتمل أنّك حلقت أو غسلت الأطباق أو شربت لاتيه (قهوة بالحليب) أو بيرة، أمّا إذا كنت محظوظًا، فربما تكون قد أكلت قطعة من فطيرة (باتيه) مُغطاة بالكريمة أو القشدة المخفوقة.
إنّنا نصادف الرغوة في كثير من الأحيان فيما نأكل أو نشرب… إلخ.
لكن ما ماهية هذه المادة العجيبة حقًا؟
ولنأخذ الكريمة المخفوقة كمثال: هل هي مادة صلبة أمْ سائلة أمْ غازية؟
بحسب دوغلاس دوريان، أستاذ الفيزياء في جامعة كاليفورنيا، إنّ الرغوة عادة ما تكون عبارة عن %95 غاز و%5 سائل.
بطريقة ما يصل ذلك المقدار إلى منحهما بعض سمات المادة الصلبة.
ويفصل الغاز الموجود في الرغوة السائل مُشكلًا مصفوفة من فقاعات متناهية الصغر، وإذا كانت جدران سائل الفقاعات صلبة بما فيه الكفاية، يمكن للرغوة أحيانًا الاحتفاظ بشكلها.
ومع ذلك، لا توجد معادلة أو صيغة من أجل التنبؤ بالضبط كيف سترتكز الرغوة على حجم فقاعاتها أو كمية السائل التي تحتويه.
أخبر دوريان ناسا ساينس قائلًا: «فيزياء الرغوة مفهومة بالكاد».
الجليد
قرن ونصف من البحث العلمي ولم يحدد العلماء بعد ما يجعلنا ننزلق فوق الجليد ونقع.
يتفق العلماء أنّ طبقة رقيقة من الماء السائل موجودة على سطح الجليد الصلب تتسبب في انزلاقه، وحركية السائل تلك تجعل من المشي عليه أمرًا صعبًا، حتى لو كانت الطبقة رقيقة.
لكن لا يوجد إجماع حول سبب انفراد الجليد بامتلاك تلك الطبقة دونًا عن معظم المواد الصلبة الأخرى.
قد خمن المُنظّرون أنّ فعل الانزلاق ذاته يتسبب في عمل احتكاك مع الجليد ما يؤدي إلى ذوبان سطحه.
ويعتقد آخرون أنّ الطبقة السائلة موجودة قبل مجيء المنزلق، وبطريقة ما وُجدت هذه الطبقة بسبب الحركة الكامنة في جزيئات السطح.
الحبوب
ربما تفكرت وربما لم تفعل في سبب ميل حبوب الإفطار التي تتناولها للتكتل معًا أو الالتصاق بجوانب وعاء الحليب.
أطلق العلماء على هذه الظاهرة اسم «تأثير تشيريوس»، تنطبق ظاهرة التثاقل (التكتل) هذه على أيّ شيء يطفو، بما في ذلك فقاعات المياه الغازية الفوّارة وشذرات الشعر الموجودة في الماء بعد حلاقة الصباح.
كان دومينيك فيلا، طالب دراسات عُليا حاليًا في جامعة كامبريدج، وماهاديفان، عالم رياضيات من جامعة هارفارد، أوّ ل من شرح «تأثير تشيروس» في مصطلحات فيزيائية بسيطة، في ورقة علمية عام 2005.
وقد برهنا أنّ تأثير تشيروس ينتج عن هندسة سطح السائل.
يجعل التوتر السطحي سطح الحليب يسقط أو ينزل قليلًا في منتصف الوعاء.
لأنّ جزيئات الماء الموجودة في الحليب تنجذب إلى زجاج الوعاء، وينحني سطح الحليب صاعدًا لأعلى حول حواف الوعاء.
لهذا السبب، تطفو الحبوب القريبة من حافة الوعاء صاعدة لأعلى على طول هذا المنحنى، ويبدوا كأنّهم ملتصقين بالحافة.
بالإضافة إلى أنّه بسبب التوتر السطحي، تنقر الحبوب الطافية في منتصف الوعاء سطح الحليب، مُحدثة هبوط فيه.
عندما تتلامس حُبيبتان، لتصبحان واحدةً، وتلتصقان معًا.
المغناطيس
يشرح أستاذ الفيزياء في جامعة كليفلاند ستايت جيرل ووكر أنّ المجالات المغناطيسية تشع بطبيعة الحال نحو الخارج من الجسيمات المشحونة كهربائيًا التي تشكل الذرات وبخاصة الإلكترونات.
في هذه الحالة، من الطبيعي أن تتجه المجالات المغناطيسية للإلكترونات في اتجاهات مختلفة، لاغية بعضها البعض.
(ولهذا السبب لا تتسبب الإلكترونات الموجودة بجسمك في جعلك تلتصق بالثلاجة عندما تمشي بجوارها).
لكن عندما تصطف المجالات المغناطيسية لكل الإلكترونات في جسم ما في الاتجاه نفسه، كما يحدث في العديد من الفلزات (المعادن) -وبالتأكيد في المغناطيس- يتولد مجال مغناطيسي خالص.
يمارس هذا قوةً أو جهدًا على الأجسام المغناطيسية الأخرى، وإّما أن يجتذبهم أو يطردهم معتمدًا على اتجاه مجالاتهم المغناطيسية.
لسوء الحظ، إنّ محاولة فهم المغناطيسية على مستوى أعمق مستحيلة.
على الرغم من توصل علماء الفيزياء لنظرية «ميكانيكا الكم» التي تشرح بدقة متناهية سلوك الجسيمات بما في ذلك مجالاتها المغناطيسية إلّا أنّه لا توجد طريقة لفهم بديهي لما تعنيه النظرية حقًّا.
يتساءل الفيزيائيون:
لماذا تشع الجسيمات مجالات مغناطيسية؟
ما هي المجالات المغناطيسية؟
ولماذا تصطف دائمًا بين اتجاهين ليمنحوا المغناطيس قطبيه الشمالي والجنوبي؟
يقول ووكر: «لاحظنا فقط أنّه عندما تجعل جسمًا مشحونًا يتحرك، فإنّه يخلق مجالًا مغناطيسيًا وقطبين.
لا نعرف حقًّا السبب وراء ذلك.
إنّها مجرد سمة من سمات الكون، والتفسيرات الرياضية هي مجرد محاولات لإنجاز الواجب المنزلي للطبيعة والحصول على إجابات».
الإستاتيكية (الكهرباء الساكنة)
الصدمات الإستاتيكية غامضة بقدر ما هي بغيضة.
ما نعرفه عنها أنّها: تحدث عندما يتجمع فائض من شحنة موجبة أو سالبة فوق سطح جسمك، وتُفرّغ عندما تلمس شيئًا تاركة جسمك متعادلًا أو متوازنًا.
بدلاً من ذلك، يمكن أن تحدث عندما تتراكم الكهرباء الساكنة على شيء ما مثل مقبض الباب، فإذا لمسته، في هذه الحالة، ستكون أنت مسار خروج الشحنة الفائضة.
لكن لماذا تتفرغ كل الشحنة المتجمعة؟ إنّه أمرٌ غير واضح.
يقول التفسير الشائع (محتمل أن يكون صحيحًا جزئيًا) أنّه عندما يحتك جسمان معًا، يُخلص الاحتكاك الإلكترونات من الذرة في أحد الجسمين، وتنتقل تلك الإلكترونات إلى الجسم الثاني، تاركة الجسم الأول بفائض من الذرات موجبة الشحنة ومانحة الجسم الثاني فائض إلكترونات سالبة الشحنة.
كلا الجسمين (فلنقل أنّهما، شعرك وقُبعتك الصوفية) سيصبحان مشحونين إستاتيكيًا.
لكن ما السبب الذي يجعل الإلكترونات تتدفق من جسم للآخر، بدلًا من التحرك في كلا الاتجاهين؟
لم يُفسر ذلك بشكلٍ مُرضٍ أبدًا، وجد بارتوش غرزيبوسكي باحث جامعة نورث وسترن في دراسة حديثة أنّ مساحات (بُقع) الشحنة السالبة الفائضة والشحنة الموجبة الفائضة توجد على أجسام مشحونة إستاتيكيًّا.
كما وجد أنّ كامل الجزيئات تبدو كأنّها ترتحل بين الأجسام أثناء احتكاكها معًا.
بوضوح، إنّ تفسير السكونية متغير.
قوس قُزح
يتكون قوس قُزح عندما يسطع ضوء الشمس على قطرات الندى في جو الأرض.
تعمل قطرات الندى كموشور، يكسر ضوء الشمس الساقط عليه وثم ينعكس مرة أخرى في السطح الداخلي من القطرات وينكسر أيضًا عند خروجه من القطرات.
يظهر التأثير الكلي في الضوء الساقط منعكسًا على مدًى واسعٍ من الزوايا بين 40 و42 درجة من الاتجاه المقابل للشمس.
بالطبع، لم يعد قوس قُزح غامضًا علميًا.
فهو ينتج عن الطريقة التي يمر بها الضوء من خلال القطرات الكروية.
هذا التفسير معروف منذ أيام فيزيائيّ القرن السابع عشر إسحاق نيوتن.
لكن تخيل كيف كان يبدو قوس قزح الغامض قبل ذلك! ولأنّه جميل جدًّا وكان عصيٌّ على التفسير فقد ورد ذكره في الديانات القديمة.
في اليونان القديمة، على سبيل المثال، كان يُعتقد أنّ قوس قُزح طُرقٌ صنعها رُسل الآلهة أثناء ترحالهم بين السماء والأرض.
- ترجمة: نهى سليمان
- تدقيق: عبدالسلام الطائي
- تحرير: ناجية الأحمد
- المصدر