يواجه المراهقون الأمريكيون معدلات غير مسبوقة من الاكتئاب والانتحار، ويرى بعض الناس حالة طوارئ وطنية عندما يتعلق الأمر بالصحة النفسية للمراهقين، إذ تظهر الإحصائيات تزايد الاكتئاب والانتحار بين المراهقين.

وفقًا لإدارة خدمات إساءة استخدام المواد العقلية والصحة النفسية (SAMHSA):

  •  من بين المراهقين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عامًا، 20% تقريبًا مروا بحلقة اكتئاب كبيرة عام 2023.
  •  13.4% من المراهقين الأمريكيين راودتهم أفكار جدية عن الانتحار عام 2022.
  •  3.7% حاولوا الانتحار في عام 2022، أي نحو 953,000 مراهق.

هذه الأرقام سيئة، لكن SAMHSA تقول أن الواقع قد يكون أسوأ، وذلك لأن الاستطلاعات سمحت بإجابات (لست متأكدًا) أو (لا أريد الإجابة). وتشير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) إلى أن الانتحار هو السبب الثاني للوفاة بين المراهقين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عامًا.

يقول عالم نفس الأطفال إيثان بينور: «ازدادت مشكلات الصحة النفسية لدى الأطفال والمراهقين باستمرار طوال العقد الماضي تقريبًا. ومنذ عام 2020 لوحظت زيادة كبيرة في عدد المراهقين الذين يواجهون صعوبات نفسية، جزئيًا بسبب الوباء».

كيف تؤثر مشكلات الصحة النفسية في المراهقين

في دراسة نشرتها CDC عام 2021 لوحظ أن أكثر من 40% من المراهقين يشعرون بالحزن أو اليأس المستمر. وبينما قد يعاني أي شخص من مشكلات الصحة النفسية، فإن بعض المراهقين في خطر أكبر من غيرهم، وقد تؤدي المتغيرات الديموغرافية دورًا في ذلك، مثل العرق والتوجه الجنسي ومستوى دخل الأسرة.

  •  المراهقون السود: أظهر تقرير من مجموعة العمل الطارئة حول انتحار الشباب الأسود والصحة النفسية التابعة لمجموعة السود في الكونغرس أن معدلات الانتحار بين المراهقين السود قد تضاعفت تقريبًا من 2007 إلى 2017، ما يجعلها أسرع معدل انتحار بين أي مجموعة عرقية أو إثنية.
  •  المراهقون من مجتمع LGBTQ+: وجدت دراسة من عام 2021 أن 42% من الشباب من مجتمع LGBTQ+ حاولوا بجدية الانتحار في 2020. وأعلى معدلات محاولات الانتحار كانت بين الشباب السود والسكان الأصليين والشباب المتعدد الأعراق من مجتمع LGBTQ+.
  •  الفتيات المراهقات: الفتيات المراهقات أكثر عرضة مرتين للإبلاغ عن صعوبات نفسية مقارنة بالأولاد، وقد وجدت CDC أن أكثر من ربع الفتيات المراهقات فكّرن بجدية في الانتحار خلال الوباء.

في فترة البلوغ، تكون بعض أجزاء دماغ المراهقين متطورة بالكامل (كالجزء المسؤول عن توليد المشاعر) لكن الوظائف الأخرى ما تزال في مرحلة التطور (كالقدرة على إدارة تلك المشاعر وتنظيمها)، وبعبارة أخرى، يشعر المراهقون بمشاعر قوية لا يستطيعون دائمًا معرفة كيفية التعامل معها.

المخاوف الشائعة المتعلقة بالصحة النفسية

بحسب SAMHSA، يتلقى حوالي 30% من المراهقين الأمريكيين نوعًا من المساعدة في الصحة النفسية. لكن لماذا بالضبط؟

نذكر في هذا السياق استبيانًا لعام 2022-2023 نظر في قضايا الصحة النفسية بين طلاب الجامعات، إذ تبيّن أن الطلاب الجامعيين بعمر 17-22 يعانون نفس الضغوطات مثل المراهقين، وبعكس بقية البالغين، تأثرت هذه الفئة بنفس الاضطرابات في تعليمهم وحياتهم الاجتماعية التي واجهها الشباب خلال أزمة COVID-19. فكانت النتيجة تشخيص 36% بالقلق، و41% بنوع من الاكتئاب، ولوحظ أيضًا انتشار إيذاء النفس (بنسبة 29%) واضطرابات الأكل (بنسبة 14%).

وتشمل الضغوطات الشائعة على الصحة النفسية للمراهقين والشباب:

  •  الضغط لتحقيق النجاح الأكاديمي.
  •  الضغوط الاجتماعية، ومنها التنمر.
  •  المشكلات الأسرية، مثل عدم دعم الوالدين، وعدم الاستقرار المالي، والإساءة، وغيرها.
  •  ازدحام جداول المدرسة والنشاطات الاجتماعية.
  •  الإفراط في التعرض لوسائل التواصل الاجتماعي.
  •  عادات النوم السيئة.
  •  خيارات الطعام غير الصحية.
  •  العلاقات الرومانسية.
  •  استخدام (وإساءة استخدام) الكحول والمواد المخدرة.

كيف زادت التحديات الأخيرة من تفاقم الأزمة؟

في ديسمبر 2021، أصدر الجراح العام الأمريكي فيفيك مورثي تحذيرًا نادرًا للصحة العامة يحذر من أزمة صحة نفسية مدمرة بين الشباب الأمريكي التي قال إنها تفاقمت بسبب COVID-19.

وللأسف، مع إن الاحتياطات التي أبقت الشباب معزولين عن بعضهم قد زالت، تشير الأبحاث الأولية إلى أن الصعوبات التي واجهها هؤلاء الشباب أثرت في تطورهم البيولوجي والنفسي. وتشمل العوامل الإضافية التي تؤثر في الصحة النفسية للمراهقين:

  •  القلق الاجتماعي والسياسي: قد تصعّب القضايا الحالية (كالعنصرية والعنف المسلح وتغير المناخ وغيرها) على المراهقين رؤية بصيص الأمل.
  •  عدم الأمان المالي: قد يسبب الفقر والعيش ضمن الأسر ذات الدخل المنخفض ضغطًا كبيرًا وقلقًا. وبإضافة أزمة الإسكان وتكاليف التعليم العالي، تتوفر كل الظروف التي تنبئ بمصيبة.
  •  الإساءة في المنزل: وفقًا للأبحاث يعاني 25% من الأطفال من إساءة أو إهمال في مرحلة ما من حياتهم.

علامات التحذير التي يجب الانتباه لها

أحيانًا، تظهر علامات التحذير من الاكتئاب والانتحار فجأة وبوضوح، وفي أحيان أخرى، يختلف تقدّم الطفل عن المتوقع ويبدو أن به شيء غير طبيعي وحسب، حينها يجب البحث عما يلي تحديدًا:

  •  تغييرات المزاج: إذا بدا الطفل أكثر كآبة أو هدوءًا أو انزعاجًا من المعتاد، فقد تكون هذه علامات على مواجهة صعوبات في الصحة النفسية.
  •  تغييرات في السلوك: وهي أي زيادة أو نقصان في الأنشطة المعتادة (كالنوم والأكل وقضاء الوقت مع الأصدقاء والمشاركة في الفرق والنوادي وحتى الرسائل النصية).
  •  سلوكيات خطرة: قد تشير بعض الأنشطة (كتعاطي المخدرات واستهلاك الكحول) إلى مشكلات صحية نفسية كامنة. وقد يعمد المراهقون الذين يعانون الاكتئاب إلى إيذاء أنفسهم (كالجرح أو الضرب أو الحرق أو الإيذاء بطرق أخرى).

وبحسب اقتراح الدكتور بينور، عند القلق بشأن الصحة النفسية للمراهق دون التأكد من حاجته إلى المساعدة، ينصح بتحديد إطار زمني لكي لا تزداد الأمور سوءًا، فعند عدم رؤية تحسن خلال أسبوعين مثلًا يجب الاتصال بالطبيب.

كيف نستطيع المساعدة؟

  •  الوجود بجانب المراهق: فوجود الوالد أو المعلم أو المدرب أو المرشد بجانب المراهق قوة لا يستهان بها.
  •  عرض المساعدة: قد يبدو هذا بدهيًا ويظن الأهل أن أطفالهم يعلمون بدعم أهلهم دائمًا، لكن الأطفال لا يشعرون دائمًا بالشجاعة للتواصل، يقول الدكتور بينور: «طلب المساعدة أمر صعب … لذا من المهم أن يكون البالغون المهتمون بحياة الطفل موجودين ويعرضون تلك المساعدة عليهم».
  •  الاستماع أكثر من التحدث: عندما يفتح الطفل قلبه ينصح بالاستماع أولًا، إذ يقول الدكتور بينور محذرًا: «هذه المحادثات لا تحدث بإلقاء المحاضرات على طفلك … اقضِ وقتًا في الصمت وامنحهم فرصة لمعالجة ما يمرون به بصوت عالٍ».
  •  التحقق من هوية المراهق: الحياة المنزلية المحبة والداعمة قد تحسّن صحة الطفل النفسية. ومع إن مراهقي LGBTQ+ معرضون تحديدًا لخطر الاكتئاب والانتحار، فإن هذا الخطر ينخفض كثيرًا عندما يكون لديهم أسر تدعمهم وتقدرهم.
  •  استكشاف الموارد الداعمة: من الشائع أن يبحث الأهل عن مصادر للنصائح عند ولادة طفل (سواء أكانت مقالات أو كتبًا أو محادثات مع الأصدقاء)، ويجب أن يستمر هذا النوع من البحث أيضًا مع تقدم أطفالك في العمر. ويُوصى هنا بموقع CDC والجمعيات المهنية (كالأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال)، إضافة إلى الموارد التعليمية غير الرسمية (كمقاطع الفيديو على TikTok وYouTube من محترفين طبيين موثوقين).
  •  التحدث إلى الطبيب: عند القلق واتخاذ قرار بطلب المساعدة، ينصح بالبدء مع طبيب العائلة الذي لديه بالفعل علاقة جيدة مع العائلة، وخبرة في طلب مساعدة المختصين عند الحاجة.
  •  لن يزول الأمر تلقائيًا: الشعور بالإحباط لدى مواجهة الطفل لمشكلات صحية نفسية أمر مفهوم، ولا يشعر الأهل دائمًا بالراحة في سؤال أطفالهم إذا كانوا بحاجة إلى المساعدة. لكن من الضروري أخذ زمام المبادرة.
  •  التصرف كقدوة في الصحة النفسية: قد لا ندرك ما تقوله أفعالنا للمراهقين، لكنهم يستوعبون كل شيء. يقول الدكتور بينور: «أفعالك تتحدث بصوت عالٍ مثلما تتحدث مع طفلك». فتناول الطعام بشكل جيد، وممارسة الرياضة بانتظام، وإعطاء الأولوية للعلاقات الاجتماعية الإيجابية كلها تؤثر في الصحة النفسية، ويضيف الدكتور بينور: «دع طفلك يرى أنك أيضًا تعالج المشاعر مثل الخوف والغضب والحزن … هذا يمنحهم الأمل بأنهم يستطيعون تعلم كيفية القيام بنفس الأمور بفعالية».

اقرأ أيضًا:

خمسة أخطاء يرتكبها الآباء مع المراهقين والمراهقات

هل للتغييرات الموسمية تأثير في انتحار المراهقين؟

ترجمة: يارا سلامه

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر